الكاتبة هدى صادق
مذ كنت طفلة الى الآن، لا زلت أخبيء بعضا من اشياء الخيام في ذاكرتى حتى إن آلمنى الإشتياق لرؤيتها ، أنبش ما واريته الثرى في مخيلتي..
وكأنني لوهلة أُعيد الحياة الى كمشة اللوز التي لا زالت قرمشتها، تشتهي أن أغمرها بلذعة حادة من مملحتي
وأوقظ نبض حبات الزيتون كى تخلع معطفها رغما عنها كلما راودتها عن نواتها شهية مطرقتي
وأطلقُ سرب البُرغل ليحلق في فضاء الحامض، قبل أن يسقط مغشيا عليه حين تتدافع النكهات هرولة لإنعاش لحظتي..
حينها تتدفق الذكريات تباعا كى تغمرنى الفرحة لدقيقة إلا عمر، وأنا منطفئة إلا من عاطفتي
فكم هي شهية رائحة تراب الخيام، حين تهطل من الماضي البعيد بعد مطر غزير من اللهفة، لتبلل بالدفء عافيتي
وكم هو مؤذ دخان الحرب الذى لم أعرف حتى بعد قفزى عن مراهقتي بعقود، كيف أهرب منه وهو بكل شراسته يلاحقني
وكم هو موجع موت النسيان حين أحتاجه كى لا تتكرر لحظة مرور نعوش الشهداء الذين طَمرتُ أسمائهم بالكثير من حبات الأرز ، وعقود الياسمين لتبدأ أوراق الورد بتلاوة سورة الفاتحة، حتى رحيل جثامين الحزن المهتزة من ذاكرتي
والى الآن وبعد رحلة قد لا تنتهي من الغربة لا زلت
أراقب شروق شمس الخيام كل صباح، وألوح لتلك الأرواح التى نجت من الحرب بأعجوبة، إلا أنها وقعت فريسة لفايروس خالط الموت ليصطد ما تشتهي نفسه في الماء العكِر
ولأن الخيام قد ولدت من جرعات النور، وما من أحد يستطيع منعها من المرور في قلبي حتى أثناء حظر تجوال الوقت، لازالت روحى محجورة في ابتسامتها، وكأنني مذ أن طُعمت بأصولها ، ما من جائحة للعتمة قد تصبني ...
بقلمى هدى صادق
تعليقات: