جرحى البارد ونازحوه إلى البداوي: الرحلة الشاقة

مصاب يعتب على الجيش... لكنه يكره «فتح الاسلام»

البداوي:

خرجت تأتي أطفالها وعيالها ببعض الخبز. أبت أم احمد، فلسطينية من مخيم نهر البارد، تعريض اولادها للخطر... فأصيبت. من سريرها في مستشفى صفد في مخيم البداوي، وحده إحساسها بأنها تلقت الرصاص بدلاً من فلذة كبدها يخفف أوجاعها، وهي عاشت «نكبات كثيرة ولكن هذه المرة هي الأدهى».

احمد شرشر، طفل فلسطيني من المخيم نفسه وصل الى المستشفى من دون ذويه. لا يريد ابن الثماني سوى أمه، ولا تنفع مواساة قريبته الوحيدة في مخيم البداوي في تهدئته ولا حتى في إخماد نار القلق والخوف على أهله الذين تعذر خروجهم من المخيم المزنر بالنار. تؤكد قريبة أحمد استقرار حالته بعد اصابة في الرئة . هو يعتب على الجيش اللبناني، يلتحف الكوفية الفلسطينية ولكنه يكره «فتح الاسلام».

كثر هم ألأطفال الذين جيء بهم من البارد من دون ذويهم. بعضهم وجد اقارب له وتم توزيع البعض الاخر على عائلات تطوعت لاحتضانهم مع كل ما يعانونه من قلق على ألأهل ومن إضطراب نفسي نتيجة لما عاشوه.

استنفار، غليان، هيجان شعبي، تختلف التسميات الا ان الغضب هو السمة الابرز التي تعلو وجوه سكان مخيم البداوي، غضب على الجميع ومن الجميع وسؤال يتكرر «ما ذنبنا كشعب فلسطيني لنعاني المآسي المتكررة». تحول مخيم البداوي إلى خلية نحل لاستقبال الأهالي الجرحى في البارد ومن سمحت الظروف لهم بالوصول من ألأصحاء.

لا احد من الجرحى يسمح بالتقاط الصور. وحدهم الصغار وافقوا وإن باقتضاب.

في مقابل غرفة احمد في مستشفى صفد التابع للهلال الاحمر الفلسطيني في مخيم البداوي يرقد الطفل ايمن حسين بوضع خطير وبجانبه والدته ام نادر التي لم تعرف حتى ساعة متأخرة من ليل أمس سوى بوفاة شقيق زوجها. تسأل الوالدة المنهارة بعد إصابة ثلاثة من ابنائها، باستمرار عن فلذة كبدها الثاني عامر الذي نقل الى مستشفى في طرابلس ولكن لا احد يجروء ان يقول لها الحقيقة المرة: «مات عامر». كما انها لا تعلم ان ابنها الثالث لا يزال ايضاً في المستشفى وحاله خطرة. ام نادر تبكي وليس هناك من يواسي.

من مخيم إلى مخيم رحلة شاقة ولكنها ارحم من البقاء تحت القصف من دون ماء ولا كهرباء ولا حتى كسرة خبز، وخصوصاً غياب مستشفى مجهز. تؤكد فاطمة (27عاماً) أنها بقيت مصابة لنحو ست ساعات من دون ان يجري نقلها إلى مركز صحي او مستوصف.

ست ساعات من الرعب تقول وهي تجهش بالبكاء «الدم يسيل بغزارة والقصف اغزر، وانا جريحة ممددة على الأرض والخوف يتضاعف من قذيفة ثانية قد تودي بحياة كل من يختبئ في الطابق السفلي من منزلنا».

علاء (15 عاماً) وشقيقيه مازن واحمد نزحوا عن مخيم البارد صباح امس، بعدما اختبئوا في منشرة والدهم للأخشاب «خفنا حتى الموت»، يقولون. «كان القصف يطال كل شيء ولكننا نجونا باعجوبة». يتحدث علاء عن انهيارات عصبية وحالات هستيرية بين النساء والأطفال الجياع الذين ليس بمتناولهم سوى بعض البسكويت ورقائق البطاطا من دكان جار قريب خاطر بحياته بين النيران للحصول عليها.

يقولون ان المصيبة تجمع ولكن في المستشفى الوحيد في مخيم البداوي المصيبة جمعت فقط طاقم المستشفى الذي استنفر بكامل عديده وعتاده المتواضع لاستقبال «الاهل الجرحى» الوافدين من مخيم نهر البارد، فيما لم تجمع بين الجرحى الذين انقسموا في الاراء فالبعض يهاجم الجيش اللبناني والبعض الاخر يتبرأ من فتح الاسلام وهناك من يقول ان طرفاً ثالثاً وراء اصابات الجرحى ويخبرون عن قناصة في منطقة المنية ليسوا من الجيش وليسوا من فتح الاسلام.

فقر على فقر على وجع هذا هو حال المخيم الذي يضطر الوافد اليه للوقوف قبل مدخله بكليومتر عند نقطة تفتيش للجيش اللبناني. العناصر الفلسطينية المسلحة على مدخله تؤمن عبور سيارات الصليب الاحمر اللبناني والهلال الاحمر بمعدل سيارتين مليئتين بالجرحى كل ربع ساعة. اما المداواة فسريعة حسب الدكتور يوسف الاسعد المسؤول عن المستشفى الذي يناشد ضرورة ارسال ادوية ومعدات كما يطالب بضرورة اجلاء كافة الجرحى من البارد لضرورات انسانية حيث افاد البعض بانهم «بقوا لساعات من دون مساعدة طبية وسط نزيف حاد».

الجميع في المخيم على اهبة الاستعداد: النساء، الفتيان والرجال والمؤسسات كافة، منهم من يساعد بتوزيع النازحين على البيوت والمدارس ومنهم من يساعد في انزال الجرحى فيما شغلت المعلومات التي افاد بها بعض الوافدين عن كمائن على الطريق بين المخيمين من قبل مدنيين بال المسؤولين في المخيم الذين يدققون للتأكد بحيث اشار ابراهيم عبد الغنام شقيق الجريحة غنام بانهم تعرضوا لقنص اوقع العديد من الجرحى .

ابو لؤي عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين يقول انه لا يمكن حالياً تحديد عدد الجرحى او النازحين فهم كثر وقد تم فتح المدارس الا ان هناك ارباك كبير في المخيم بحكم ضعف الامكانيات وعدم وجود خطة طوارئ لافتاً الى ان المخيم يضم 17 الف نسمة ويتوافد اليه في كل لحظة مئات العائلات النازحة بحيث تتكاتف الفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات لمعالجة الامر وتأمين ابسط متطلبات اللاجئين من مخيم اللاجئين في البارد.

عتب كبير وكلام كثير سمعناه دفع البعض إلى الإعتذار منا عما قيل ولكن كلمة ذاك الجريح الذي رفض ذكر اسمه بشكل قاطع رنت اكثر من غيرها «يمكن الجيش مفكر إنه ما في بشر بالمخيم؟» .

يحاول اهالي البداوي قدر استطاعتهم وإمكانياتهم إحتضان أهلهم المنكوبين ربما للمرة الألف في مسيرة القضية الفلسطينية. تتكاتف الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية لمحاولة معالجة الأوضاع وتأمين مستلزمات الإغاثة للاجئين من البارد ولكن واقع الحال غير الجهد والتمنيات. تبقى القدرة على الإستجابة لحجم المأساة أقل من النوايا نظراً لنقص المستلزمات على الصعد كافة.

تعليقات: