مهندسون يسألون: المشروع تمّ بأموالنا وبأموال النقابة فلماذا رعاية برّي وحضور قبيسي؟ (المدن)
خطوة مهمة جداً قامت بها نقابة المهندسين في بيروت، بافتتاح مقرّ لها في النبطية. ففي زمن الانهيارات المتلاحقة، سياسياً ومالياً واقتصادياً، تنجز النقابة هذا المشروع الذي من شأنه تنمية موقع المنتسبين إلى النقابة جنوباً، ويعمّق حضورهم النقابي، ويكسر المركزية المفروضة وغيرها من العوائق، التي يمكن أن يواجهها مهندسو الجنوب. كل شيء كان يسير بالسليم، إلا أنّ حفل الافتتاح الذي تمّ يوم الإثنين في 12 نيسان الجاري، وضع أوساطاً من المهندسين في حيرة مطلقة. فالمركز وافتتاحه تمّ "برعاية وعناية خاصة من دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي" على ما قال عرّيف الحفل. ولم يكن ذلك مجرّد كلام، إذ أنّ النقابة وفي الدعوات الموجهة لهذه المناسبة نقلت ما حرفيته "برعاية دول رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي ممثلاً بالنائب هاني قبيسي، تتشرّف نقابة المهندسين" وسائر نصّ الدعوة.
أموال المهندسين
بالنسبة لعدد كبير من المهندسين، "هذه أموالنا وأموال نقابتنا التي بنت المبنى، فكيف يتم افتتاح المشروع باسم مسؤول سياسي بغض النظر عن هويته وانتمائه؟ ما حصل استغلال سياسي من أموال المهندسين وأشبه بحملة انتخابية سابقة لأوانها لصالح الرئيس برّي والنائب قبيسي". إذ أنّ حتى اللوحة التذكارية للمبنى حملت اسم النائب قبيسي. ولا يتوقف موقف هؤلاء المهندسين عند حدّ الامتعاض من شكل الخطوة، بل حتى من مضمونها، فيشيرون إلى "شكوك تجاه تكلفة المشروع الذي احتاج إلى 4 مليون و300 ألف دولار أميركي". يضيف هؤلاء إنه "بحسب ما علمنا كلفة الباطون وحده أكثر من مليون دولار".
تلزيمات وشكوك
ولا تقف شكوك هؤلاء عند هذا الحد، إذ يشيرون إلى أنه "لدينا شكوك بالكيول وعمل الإدارة التي تابعت هذا المشروع، خصوصاً أنّ جداول أسعار أو أرقام المشروع غير معلنة من قبل النقابة ومجلسها". أما الأغرب في الموضوع، فهو "وجود مهندسين يعملون لصالح أحد أعضاء مجلس النقابة، قاموا بتنفيذ جزء من المشروع". أي أنه تم تلزيم أحد الأعضاء بالعمل بشكل سري وغير معلن، خلافاً لمبدأ تضارب المصالح والقانون. ويشيرون في الوقت نفسه إلى أنّ الشخص المعني مسؤول في أحد التيارات السياسية التي برز اسمها في المشروع. كما أنّ هؤلاء يضيفون أن التلزيم الرسمي تمّ لصالح المهندس خالد الساروط، الذي كان عضواً في المكتب السياسي لتيار المستقبل. مع إشارتهم إلى أنّ شريك الساورط، هو "المهندس الزميل عبدو سكرية المرشّح الحالي لمنصب نقيب المهندسين".
مبنى النبطية
يأتي افتتاح مبنى النقابة في النبطية، بعد 12 عاماً على إطلاق المشروع. تعاقب خلاله 4 نقباء للمهندسين على النقابة، وهم بلال العلايلي وإيلي بصيبص وخالد شهاب. فيمتدّ المشروع على 9 آلاف متر مربّع، منها 5 آلاف متر مربّع من المساحات المبنية المؤلفة من مكاتب وقاعات ومركز تدريب، إضافة إلى حديقة ومساحة خضراء تمتدّ على أكثر من 3 آلاف متر مربّع، يمكن أن تكون مرفقاً سياحياً وخدماتياً واستثمارياً لصالح النقابة. بعد سنوات من إطلاق المشروع، توقّف العمل به نتيجة خلاف مع المقاول ليعاد العمل به قبل 3 أعوام.
النقيب يوضح
في اتصال مع "المدن"، ينفي نقيب المهندسين جاد تابت كل هذه المزاعم. يشير أولاً، إلى أنّ "تقاليد النقابة وتاريخها يشير إلى أنّ أي أعمال افتتاح مراكز تتمّ برعاية سياسية، فسبق أن تم افتتاح مشاريع برعاية الرئيس الحريري ووزير الأشغال وغيرهما". لماذا الرعاية السياسية طالما أنّ أموال المهندسين تكفّلت بهذه المشاريع؟ "هذا مبدأ"، يقول. وفي ما يخص الشكوك الأخرى، يوضح تابت أنه "أعيد العمل على إكمال هذا المشروع عام 2018، بعد إعادة النظر بدفتر الشروط وإجراء مناقصة فازت فيها الشركة التي تقدّمت بالعرض الأقل كلفة، وكل هذا مسجّل في النقابة". ويضيف أنّ المشروع رسى على مبلغ "أقلّ من المبلغ الذي كان أقرّه مجلس المندوبين وقتها، إذ خصّص المجلس مبلغ 4 مليون و400 ألف دولار، لكن المشروع تمّ تلزيمه بأقل من هذا المبلغ بـ100 ألف دولار". وحول وجود ملابسات على إعادة تلزيم بعض الأعمال لأحد أعضاء مجلس النقابة، يؤكد أنّ "الشخص المعني لا يملك شركة ولا يعمل مهندسون لصالحه". ويختم بالتأكيد أنّه "بإمكان المشكّكين طرق باب مكتبي والسؤال، وسأضع بين أيديهم كل الملفات وأطلعهم على كل الأوراق والوثائق".
يوضح كلام النقيب جاد تابت، أنّ أعراف النقابة تقتضي بوجود الرعاية السياسية لأعمال النقابة ومشاريعها، بغض النظر عن أسماء من في السلطة. حتى هذا الأمر لم يتغيّر بعد 17 تشرين وبعد حجم الانهيار والإفلاس والفشل الذي كرّسته هذه السلطة في البلد بشكل عام. وهو ما يدفع مهندسين إلى التساؤل عن وجود مصالح متبادلة بين نقابتهم والسلطة، خصوصاً أنّ المجلس النقابي مؤلف من مكوّنات السلطة وتياراتها وأحزابها. وبانتظار الانتخابات النقابية المؤجلة، هذه الأعراف والتقاليد تحكم، وكذلك الحق بالتشكيك والتساؤل الدائم، طالما أنّ الكلمة والرعاية أولاً وأخيراً لزعامات السلطة.
تعليقات: