التوك توك يغزو الطرق اللبنانية (نبيل اسماعيل)
من المعلوم أنّ ال#توك توك يستخدم في الدول الفقيرة حيث الاكتظاظ السكاني والأحياء الشعبية. وعلى ما يبدو، في ظل الأزمات الاقتصادية والازدحام، يشكّل التوك توك وسيلة لحل جزء من هذه الأزمات، أقلّه على المستوى الفردي. وكان للأزمة الاقتصادية الراهنة دور كبير في انتشار التوك توك واعتماده، سواء من صاحبه أو السائق الذي يعمل عليه للتوصيل والنقل، وبالتالي تأمين مردود إضافي، أو من الراكب الذي يستقلّه كوسيلة نقل وتوصيل أوفر من غيرها.
اشترى بلال عراجي، صاحب مجموعة مركبات توك توك للنقل والتوصيل، منذ نحو 9 أشهر. اشترى أولاً مركبتين وكانتا أرخص من أي مركبة أخرى على سعر الليرة، بعد أن انهارت قيمتها. وحينها، لم يكن بعد التوك توك متوفّراً ورائجاً كما هو الحال اليوم، بحسب ما يروي بلال. وكذلك فعل ابن عمه الذي اشترى 3 مركبات لتأسيس مشروع صغير يعود عليهما بمردود مادي في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، ويشغلون بذلك شباباً عاطلين عن العمل لقيادة هذه المركبات.
يبلغ سعر التوك توك 2400 دولار. ولتوسيع عمله، جهّز بلال حالياً 15 مركبة يشغلّها في خدمة توصيل الطلبات، وأحياناً يستقلّها الناس كوسيلة نقل ضمن المنطقة لدى بلال، في بر الياس وجوارها في البقاع الأوسط.
ويصلح التوك توك للتنقّل فقط في القرى بسبب السلامة، فهو ليس آمناً كلياً ليجول في المدينة، ولا على الخط السريع أو الأوتوستراد، فضلاً عن أنّ لا حزام أمان فيه. وأساساً، هو ليس معدّاً للطرقات الواسعة والمساحات الشاسعة، إنّما للمناطق حيث الاكتظاظ السكاني والأحياء السكنية الشعبية لذلك، وهو ليس سريعاً، ويتّسع إلى حدّ ثلاثة أشخاص يجلسون خلف السائق.
وفضّل بلال التوك توك على الدراجة النارية للمضي باستثماره، فخدمات التوصيل تكون آمنة وتتّسع لنقل الأغراض، وكذلك هو مسقوف ويمنع التبلل بالأمطار خلال الشتاء. وتبلغ "تفويلة" التوك توك من البنزين 9000 ليرة، تكفي لنحو 120 كيلومتر، ويحتاج إلى حوالى "تفويلتين" ونصف أو اثنتين باليوم. وتسجّله الدولة بشكلٍ قانوني كأي مركبة، وله أيضاً تأمين إلزامي وضد الغير، ويكلّف تسجيله حوالى 700 ألف ليرة.
ويُعتمد أيضاً التوك توك لنقل تلامذة المدارس وعمال المعامل والموظفين. وفيما شكله الأساسي دون أبواب، ركّب بلال أبواباً لمركباته، وأصبح التلميذ يصل بخمس دقائق إلى مدرسته بدلاً من التجوّل في الباص لمدة طويلة. ولناحية كلفة النقل، هي أيضاً أرخص من الباص. وإذا ما طُلب التوك توك للتنقّل من منطقة إلى أخرى مع حجز السائق طيلة فترة المشوار، على الراكب أن يدفع حوالى 25 ألف ليرة، أمّا التنقل والتوصيل داخل المنطقة فهو بحدّ 2000 أو 3000 ليرة.
وفتح العمل بالتوك توك الباب لفرص عمل لعدد كبير من الشباب. ففي بر الياس وحدها هناك حوالى 195 مركبة توك توك. وكذلك انتشر في المناطق المجاوِرة، لكن العدد الأكبر منه في بر الياس. وعلى سبيل المثال، تمكّن أحد السائقين العاملين على التوك توك مع بلال من الزواج بعد أن خسِر عمله في أحد المعامل.
وهناك أشخاص موظفون يعملون إلى جانب وظيفتهم على التوك توك. فهذا العمل بات يشكّل مردوداً إضافياً لهم لتغطية مصاريف عائلاتهم وحتى إيجارات منازلهم، وفق بلال. فالأزمة المعيشية والغلاء دفعا حتى مثلاً معلمة مدرسة إلى شراء توك توك، وتشغيل سائق عليه، وتقاسم الغلة يومياً لتأمين مدخول إضافي بعد تآكل المداخيل.
ويؤكّد بلال أنّ سيارات التاكسي والفانات اليوم، لا تعمل بقدر ما يعمل التوك توك، والناس باتوا يفضّلون التجوّل فيه لأنّ يتنقّل بشكل أسرع ويدخل إلى أماكن لا يكمن للفان والسيارة دخولها، وهو أوفر من الناحية المادية.
ويفيد وسيم ديب، وكيل شركة Bajaj لمركبات توك توك في البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، بأنّ رواج التوك توك بدأ بشكل كبير نهاية عام 2018 وبداية عام 2019 التي شهدت هجمة كبيرة على شراء التوك توك، لأنّ كثيرين يفضّلون اعتماده لأنّه يعود بمردود مالي على أصحابه الذين يستخدمونه لخدمات التوصيل والنقل. وشكلت ضآلة مصروفه مساعدة للناس، سواء لصاحب التوك توك أم للراكب.
سابقاً، كان العدد الأكبر ممَن يشترونه للاستعمال الشخصي، ولا زال لكن بنسبة قليلة. لكن الغالبية اليوم تعتمده للاستثمار في خدمة التوصيل وكوسيلة للنقل العام بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
وشكّلت ميزاته عامل جذب لأصحابه، فهو لا يخرب لأنّه صمِّم بشكلٍ بسيط جداً، ومصروف وقوده قليل جداً، وحجمه صغير ويمكنه الدخول في الزواريب. مواصفات دفعت بكثير من الشباب الذين إمّا سُرّحوا من وظائفهم، وإمّا توقّفت أعمالهم بسبب كورونا، إلى العمل على التوك توك الذي كان بمثابة "الفرج" لهم، على حد تعبير ديب، لتأمين مصروفهم اليومي ومصروف عائلاتهم.
وبحسب ديب، هناك طلب على شراء التوك توك، ويتركز استخدامه وانتشاره في البقاع بشكلٍ خاص، حيث يكثر الطلب عليه بشكل كبير. إنّما في المناطق الأخرى لم يرُج بعد بالقوة نفسها، "ربما لأنّ البقاع محروم منذ زمن وفاقمت حرمانه الأزمة الاقتصادية ما دفع بالناس إلى اللجوء إلى التوك توك".
ودخلت إلى السوق اللبنانية أنواع منافِسة لتوك توكBajaj الشهير، إلّا أنّ هذا النوع هو الأول عالمياً واستخدامه مشهور كثيراً في مصر والعراق والسودان وحتى أثيوبيا، والهند بطبيعة الحال فهي بلد منشئه.
تعليقات: