(على حشيشو)
منذ أمس الاثنين، تقوم قوى الأمن الداخلي بإزالة مخيم الزهراني بناء على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب. الإزالة تأتي تطبيقاً لتوصيات مجلس الوزراء عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، بتكليف المنشآت والإدارات العامة بالتحقق من وجود مواد خطرة أو عوامل تشكل خطراً على السلامة العامة في محيطها.
المخيم الذي يقع بين معمل الزهراني الحراري ومنشآت النفط على أملاك الدولة، كان مطابقاً لمواصفات الخطر على السلامة العامة بحسب توصية الحكومة. لكن ماذا عن خطر التشرد الذي ينتظر المئات من سكانه؟
أثناء مغادرته مخيم الزهراني بعد هدم منزل عائلته، ينهمك الشاب بتطويق صندوق بلاستيكي بين يديه لنقله إلى السيارة. تفلت هرة من الصندوق، فيضعها مجدداً مع صغارها الذين وضعتهم حديثاً. «حرام أتركهم» يقول وهو ينظر إلى جيرانه المندهشين من خوفه على هرته.
والدته طوقت بقلبها زوجين من الحمام. حملتها بيديها وضمتها إلى صدرها وهيي تتمتم بحسرة: «لو كنا حيوانات، لما فعلوا بنا هذا». تولول بصوت متقطع وتشير إلى أكوام الردم والأثاث المحطم وبقايا الثياب التي كانت قبل ساعات حياً سكنياً مأهولاً. بينما يهمّ زوجها بتأمين مكان لدجاجة مع بيوضها، في السيارة، ثارت ثائرته على الدولة، منتقداً قرارها. لا يقتنع بأن أنشطة جيرانه المعيشية من إطلاق المفرقعات في المناسبات وصيد الطيور وإشعال النار في مكبات النفايات العشوائية، كفيلة بأن تتسبب بحادث شمالاً باتجاه معمل الكهرباء المحاذي أو يميناً باتجاه خزانات النفط.
ازدحمت العائلة في السيارة المتواضعة. لكن إلى أين؟ تصمت السيدة العجوز قبل أن تجيب: «إلى حي التعمير في صيدا من حيث تهجرنا خلال اجتياح 1982». هي وعدد من العائلات المقيمة هناك، من الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية عام 1994 وسجلت قيودهم في دائرة نفوس صيدا. يشتم زوجها المسؤولين السياسيين الذين «يزوروننا ويترجوننا لكي ننتخبهم. لكن في مصيبتنا الآن، لم يجب أحد على اتصالاتنا».
من بين نسيج المخيم، عدا عن البدو المجنسين، هناك فئة من «الدوم» أو ما يعرف بـ«النور». هؤلاء أيضاً حصلوا على الجنسية اللبنانية. في زاوية أخرى من المخيم، تقيم عائلات لبنانية تهجّرت منذ عقود من بلدات جنوبية بسبب الاحتلال الإسرائيلي. وبسبب الفقر الشديد، لم تتمكن من تحسين ظروفها واستبدال سكنها. وهناك عدد من عائلات النازحين السوريين الذين يعملون في معمل تصنيع الأحجار عند مدخل المخيم. تلك الخلطة البشرية كانت متجانسة برغم تباينها الثقافي، منذ إنشاء المخيم في الستينات. الفقر جعلها تتجانس بالقوة، وها هو المصير المجهول جعلهم يتحدون أيضاً.
منذ أيام قليلة، أُبلغ السكان من قبل القوى الأمنية بقرب إزالة المخيم. يؤكد الأهالي أن تبليغ الدرك انحصر بالخيم البلاستيكية و«التنكيات» سريعة الاشتعال في حال حدوث أي طارئ. أما البيوت الإسمنتية، فهي معفية من الإزالة. لذا، هام أصحاب الخيم للبحث عن بيوت رخيصة للإيجار. بالطبع لم يجدوا في ظل الغلاء الفاحش. بعد بدء أعمال الإزالة، فوجئ أصحاب البيوت بأنهم مشمولون أيضاً. أسنان الجرافات حولت الحي إلى ركام. وكما عند كل مصيبة، منتفعون، تحول المخيم المهدم إلى قبلة لجامعي الخردة. شاحنات عدة نقلت أكواماً من ألواح الخشب والفرش والأثاث «الذي لا يتحمل نقله إلى مكان آخر» تقول إحدى السيدات.
تتمسك القوى الأمنية بقرار إزالة مخيم الزهراني «المتعدي على الأملاك العامة». لكن من بين شاغلي المكان، شاب ورث عن عائلته مرسوماً جمهورياً صادراً في الخمسينات أجاز لأهله إنشاء معمل لصناعة الحجر لقاء بدل استثمار. المعمل شكل اللبنة الأولى للمخيم وجذب العمال الذين استقروا بجواره. المتعدي بموافقة جمهورية لم يفلت من قرار الحكومة. أُبلغ هو أيضاً بأن عليه فك آلاته ومحتويات المعمل.
(على حشيشو)
(على حشيشو)
تعليقات: