قرض 10 مليون دولار لجيوب المحظيين وليس للمزارعين

تأثير القرض لن يُلحَظ في أسعار المنتوجات الزراعية (عزيز طاهر)
تأثير القرض لن يُلحَظ في أسعار المنتوجات الزراعية (عزيز طاهر)


اعتاد اللبنانيون على سماع الأرقام المرتفعة لأسعار السلع، على وقع انفلات الأزمة الاقتصادية والنقدية، واستحالة ضبط سعر صرف الدولار الذي يُعتَبَر المدخل الأساس لتسعير المنتجات. ويتكامل سعر الصرف مع سيطرة المحتكرين وانعدام الرقابة، ليرسم واقع كل القطاعات الانتاجية، ومنها القطاع الزراعي الذي يُعاني الإهمال الرسمي، قبل وقوع البلاد في الأزمة الحالية، واضطرار المنظومة الحاكمة للبحث عن قرض من هنا أو هبة من هناك، لمحاولة ترقيع الأزمة وإخفاء مسؤوليّتها عن انفجارها. ولا يخرج القرض البالغ 10 ملايين دولار، عن هذا السياق.


تلميع المكسور

إذا ما كُسِرَ الزجاج، لا ينفع حينها التلميع مهما كان نوعه. هكذا هو حال قرض البنك الدولي الذي تعتزم وزارة الزراعة الحصول عليه، لتمويل مشروع دعم المزارعين، والذي يؤسس "لمرحلة إنتاجية وطنية للمدخلات الزراعية"، على حد وصف وزير الزراعة عباس مرتضى.

المشروع الذي تنفّذه الوزارة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، سيكلّف لبنان ديناً جديداً بقيمة 10 ملايين دولار، ستذهب لتمويل دعم "إنتاج السماد العضوي والمحاصيل العلفية عالية الجودة، وذات سلامة بيئية لتحل محل الأسمدة الكيميائية وأعلاف الحيوانات المستوردة، بالإضافة الى تضمنه تنفيذ مشاريع تصنيع المنتجات الغذائية". وسيكون المشروع نافذاً "في الأسابيع القليلة المقبلة"، وفق مرتضى. وذلك بعد أن وافق مجلس النواب على مشروع قانون القرض، ووقّعه رئيس الجمهورية.

هذا القرض الجديد يطرح تساؤلات تنطلق من إمكانية تأثيره على القطاع الزراعي، وتالياً على حجم الإنتاج وأسعار المنتجات الزراعية.

حجم المبلغ المُراد توظيفه، أشبه بتلميع زجاج تراكمت عليه الأوساخ والغبار لسنوات، ومع ذلك، فهو مكسور ولا تنفع معه عملية الصيانة، بل يحتاج إلى تغيير جذري. والصيانة الوحيدة التي قد تساهم في تغيير الزجاج، هي شقّ طريقٍ داخل الغرفة، ليصل فريق الصيانة.


أزمة عميقة

لا يزيد حجم مشاركة القطاع الزراعي في الناتج المحلي عن 4 بالمئة. ويعيش نحو 25 بالمئة من اليد العاملة أسرى هذا القطاع، في حالة تشبه البطالة المقنّعة، حيث لا تُقدّم لهم الزراعة سوى النذر اليسير من المردود، وسط غياب تام للسياسات الزراعية الرسمية المبنية على تشريعات تطال دعم الإنتاج ومستلزماته. فضلاً عن عدم الاكتراث بالتهريب وإغراق السوق بالبضائع المستوردة التي تنافس الانتاج المحلي. فيما تعلق سوق الأسمدة والمبيدات والبذور في أوحال الاحتكارات والتسعير غير المنضبط.. وهذا كلّه يُقدِّم أدلة إضافية على عقم القرض المنوي استخدامه، فضلاً عن أن ميدان توظيف المبلغ، في السماد العضوي كبديل عن السماد الكيماوي، "لا يغيّر في حال القطاع"، حسب ما يقوله رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويّك في حديث لـ"المدن". إذ أن مشكلة القطاع الزراعي لا تبدأ من نوع السماد المستعمل ولا تنتهي عنده، مع أن هذه الزاوية مهمة لتحسين الإنتاج الزراعي "ومن الممكن أن تساهم في دعم أحد العناصر التي تدخل في تحديد أسعار المنتجات الزراعية وتحسين جودتها".

المطلوب، حسب حويّك، هو "تأمين دعم للمزارعين على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، وهو ما يطالب به المزارعون منذ بداية الأزمة، ولم يحصلوا سوى على جزء بسيط جداً من الدعم، فيما أغلبه خَضَعَ للتنفيعات". ويشير الحويّك إلى أن القطاع الزراعي "يحتاج سنوياً بين 150 مليون دولار إلى 170 مليون دولار تتوزّع بين تأمين الأسمدة والأدوية والبذور والنيلون للخيم الزراعية وبعض المستلزمات، لتعطي إنتاجاً بنحو مليار دولار. وتأمين هذا المبلغ في الأزمة الحالية، قادر على قلب الموازين في القطاع، وتخفيض أسعار المنتجات الزراعية بمعدّل يتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة، ومساعدة المزارعين على حدٍ سواء".


الخوف من المحسوبيات

لا يحمل وزير الزراعة الحالي وِزر الأزمة التي نخرت القطاع الزراعي. وإنما تُلقى على عاتقه مسؤولية جماعية كونه ينتمي إلى حركة أمل التي استلمت وزارة الزراعة لسنوات. وأبعد من ذلك، كانت الوزارة بيد الثنائي الشيعي بفعل تولي حقيبتها وزراء من حزب الله، ومع ذلك، استمرّت التنفيعات والمحسوبيات، وليس آخرها ما يدور حول ملف البقر واللحم المدعوم والمسؤولية المشتركة بين وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد. وتلك المعاناة، أفضت اليوم إلى عدم الثقة بتوظيف القيمة الضئيلة للقرض، في مكانه الصحيح.

وأيضاً، تجربة جمعية المزارعين من وزراء الزراعة المتعاقبين، وتحديداً المنتمين إلى الثنائي الشيعي، غير مشجّعة، إذ رفض هؤلاء الموافقة على المشروع المقدّم من الجمعية، والذي يقوم على إنشاء مصرف الإنماء الزراعي، وهدفه المساهمة في تأمين التمويل والقروض الميسّرة المساعِدة للمزارعين. والرفض كان بسبب الفيتو الذي وضعه "صاحب فرنسبنك، الوزير السابق عدنان القصّار".

وعليه، القرض المنتظَر ليس سوى حجر إضافي، يزيد من الثقل فوق صدر البلاد الغارقة بالديون، خاصة مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. وهذا الدين، لن يُنقِذَ القطاع الزراعي ولن يُلحَظ في أسعار المنتوجات الزراعية، بل سيُلحَظ في جيوب المحظيين.

تعليقات: