يبدو أن ترشيد الدعم لن يطال فقط قطاعات المأكولات والأغذية. أصبحت هذه المسألة شاملة لجميع قطاعات الخدمات التي تعمل بدولار مدعوم على 1515 ليرة. ومن أهم هذه القطاعات، قطاع الاتصالات، الذي أفادت مصادره أنه "يتآكل" بفعل عدم إجراء أي إصلاحات أو تلزيمات جديدة، على الرغم من زيادة المشتركين وزيادة استخدام الداتا وبروز آفاق جديدة للانترنت بموازاة جائحة كورونا.
في تآكل موازنة أوجيرو تلكوم، تفيد مصادرها بأن لديها فقط 42 مليار ليرة كموازنة تشغيلية. وهي محسوبة على دولار 1515 ليرة، وتشمل جميع الصيانات المطلوبة في عام 2021. وبالطبع، هذه الموازنة مدعومة من حساب مصرف لبنان، الذي يوفّر الاعتمادات المطلوبة لأوجيرو، من دون احتساب الزيادات الطارئة على بعض السلع التي تحتاجها المؤسسة، وأهمها البنزين والديزيل، المطلوبان بشكل أساسي لفرق الصيانة، ولتشغيل محطات الربط ومحطات شبكات السنترالات.
لا صيانة لا سيولة كافية
على أي حال، فإن هذه الموازنة، والتي شهدت اقتطاعين كبيرين في 2020 و2019، هي أيضاً لا تكفي لمتابعة خطة تلزيم الـFiber Optics وهي بالكاد تكفي لإجراء الصيانات المطلوبة للأعطال الطارئة على الشبكة، وللأعطال التي تتطلبها خدمة الزبائن. وتفيد مصادر أوجيرو "للمدن" أن شبكة الـFiber optics أصبحت متأخرة سنتين ونيف. وهي في أي حال من الأحوال لن تسلّم في الوقت التي حددت له. وهي قد تأخرت فعلياً ما يناهز السنتين ولم ينفّذ منها إلاّ 30%.
وزيادة على هذه المعضلة، تقول المصادر، أنه لا يوجد سيولة كافية في المؤسسة حتى لاجراء صيانة خدمة الزبائن، أو لمتابعة برامج الاعتمادات أو لإجراء التلزيمات الضرورية المطلوبة. وهذه التلزيمات يهرب منها اليوم جميع الموردين وشركات التكنولوجيا، التي كانت تعمل مع أوجيرو، كونها ترفض القبول بدولار 1515 كسعر لفواتيرها، ناهيك عن التأخير الدائم في فتح الاعتمادات والحصول على الموافقات لها. وأيضاً تعاني أعمال الصيانة من عدم توفر الأدوات والقطع اللازمة لها.
فهل هذا يعني أن لبنان أصبح مهدداً بقطع شبكة اتصالاته أو بقطع شبكة الانترنت؟
تجيب المصادر أنها لا تتوقع أن يُحجم مصرف لبنان عن قطع موازنة أوجيرو نهائياً، وأن الـ40 مليون دولار المطلوبة فقط لتلبية التشغيل اليومي ستؤمن بأي طريقة كانت، لأن قطع هذه الخدمة الحيوية يعني إطلاق رصاصة الرحمة على قطاع الاتصالات ككل، وإن كانت اليوم رصاصة الرحمة قد أطلقت فعلياً على توسيع الشبكة أو الولوج بها إلى الآفاق المطلوبة لأي شركة أو لأي مصرف ولأي من الشركات الناشئة، التي تعوّل على استخدام تقنيات الـstreaming أو الفيديو، أو حتى تقنيات الذكاء الاصطناعي أو Block chain أو أي نوع من الخدمات التي هي بحاجة إلى سرعة من الأداء على الشبكة.
ما هو الخوف الأكبر اليوم في قطاع الاتصالات؟
تجيب المصادر أن هذه الموازنة التشغيلية لا يمكن أن تكفي في المستقبل القريب جداً ثمن للديزل فقط، وخصوصاً في نهاية العام، عندما تقرّ موازنة 2022. وعليه، مع نهاية العام أي عطل طارئ على الشبكة لا وسيلة لإصلاحه. فهل هذا يشمل أيضاً الرواتب لموظفي أوجيرو تلكوم؟ تجيب المصادر بالنفي، فالرواتب مؤمنة إلاّ أنها تآكلت بفعل عدم إمكان تلزيم ساعات إضافية للوصول إلى جميع الأعطال.
زيادة الأستهلاك
وتفيد الأرقام التي حصلت إليها "المدن" أن الواردات التي أُصدرت بفواتير في 2020 هي 720 مليار ليرة أي بتراجع نسبته 0.5% بين 2020 و 2019 وتراجع الإنفاق 7.8% ليصل إلى 213 مليار ليرة
هذه الأرقام لم تؤثر على الربحية الصافية لأوجيرو تلكوم التي وصلت إلى 488 مليار في 2020، بزيادة قدرها 2.9%. ويبدو أن بند الصيانة هو الذي تأثر. فقد تراجع 22.33% بين 2020 و2019، و35.15% بين 2019 و2018، و33.34% بين 2018 و2017، ليصل إلى 5.80% كمؤشر للصيانة في 2020.
وتجدر الإشارة إلى أن أرقام المشتركين في الشبكة بين 2019 و2020 زاد 0.9%، ليصل إلى 882560 مشتركاً، بعد أن كان تراجع بين 2018 و2019 بنسبة 0.6% ليسجّل 874967 مشتركاً و880308 مشتركاً في 2018. وإشارة أيضاً إلى أن مستخدمي الداتا زادوا 2.3% بين 2019 و2020 ليصلوا في نهاية 2020 إلى 277709 مستخدمين، مقارنة مع 271446 مستخدماً في 2019 و277917 مستخدماً في 2018.
أما المشتركون في خدمة أوجيرو نت، أي خدمة الإنترنت، فهم أكثر من 50% من عدد المشتركين في لبنان، فعدد المشتركين في لبنان الموزعين من قبل شركات الإنترنت وصل إلى 422212 مشتركاً، لأوجيرو منهم حصة 2777.9 أي ما يزيد عن 65%.
إشارة أيضاً إلى أن سعة الداتا التي توزعها أوجيرو تلكوم زادت في 2020، 32.8%. وهي زيادة تاريخية لاستعمال الشبكة أي بمعدل 1189GB مقارنة بـ895GB في 2019.
كيف بلغت الأمور هذا الحد؟ وأين الاحتياط؟
أما الطامة الكبرى فهو كمّ الدعاوى والمناكفات التي تواجهها أوجيرو تلكوم، وأهمها مشروعية تسيير المرفق بلا موازنة وعقد نهائي. فالهيئة تقوم بالأعمال التي تكلفها بها وزارة الاتصالات بناء للمرسوم رقم 3269 تاريخ 19/6/2018. وسنداً لهذا المرسوم تقوم المديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات بإعداد مشروع عقد مع هيئة أوجيرو لصيانة وتشغيل المنشآت والشبكة الهاتفية من الموازنة المرصودة لهذه المديرية العامة. لذلك كانت هيئة أوجيرو وتنفيذاً للموجبات التعاقدية معها للصيانة والتشغيل مع وزارة الاتصالات، تطلب تجديد العقود معها لتسيير المرفق العام. أما المرجع الصالح لتوقيع هذه العقود وتجديدها فهي المديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، بعد أن يتم إقرار موازنة هذه الوزارة وتوافر الاعتمادات اللازمة. وفي حال عدم توفر هذين الشرطين لا يمكن تجديد العقد أو توقيع عقد جديد.
والقضية الأخرى هي قضية الإنفاق على القاعدة الأثني عشرية، فموازنة العام 2019 صدرت بتاريخ 31/7/2019 مما حال دون توقيع العقد قبل تاريخ 31/7/2019
لذلك قامت هيئة أوجيرو بتاريخ 1/8/2019 بتوجيه كتاب رقم 7156 إلى وزير الاتصالات لإبرام عقد تنظيم أعمال الصيانة والتشغيل للعام 2019 مرفقا بمشروع عقد لهذه الغاية. إلا أن اللجنة النيابية لم تقتنع بهذه الوقائع .
ماذا في الوقائع؟
إن الاستمرار بتنفيذ أعمال صيانة وتشغيل المنشآت والتجهيزات العائدة لوزارة الاتصالات، كلفت به هيئة أوجيرو بموجب كتاب من وزير الاتصالات، مستنداً على عقد العام 2019 وبناء على المرسوم رقم 3269 ( تاريخ 19/6/2018 )، القاضي بتكليف هيئة أوجيرو بأعمال صيانة وتشغيل منشآت وتجهيزات الشبكة الثابتة العائدة لوزارة الاتصالات، بموجب عقد اتفاق رضائي يجدد سنوياً يعقد ما بين الوزارة وهيئة أوجيرو.
وطلب الكتاب "الاستمرار بتنفيذ الأعمال وتقديم الخدمات بذات الشروط التعاقدية العائدة لعقد الاتفاق الرضائي لتنظيم أعمال الصيانة والتشغيل للعام 2019 وذلك ريثما يتم استكمال إجراءات تجديد عقد الصيانة والتشغيل للعام 2020.. وبغية تأمين استمرارية عمل مرفق الاتصالات".
المصالح السياسية تثقل القطاع
المصالح السياسية التي تثقل القطاع متعددة. وهي تنبئ باشتباك للمصالح قريباً. وقضية الصيانة في الهيئة قد تطفو إلى السطح في أي وقت. فقضية الصلاحيات القانونية ومشروعية عقد الصيانة والتشغيل ما زالت أمام القضاء.
فهل المطلوب إطلاق رصاصة الرحمة على القطاع؟
تعليقات: