شبان لجأوا للطريق الجديدة ينتظرون «العودة الآمنة» إلى منازلهم

شاحنة لقوى الأمن في بشارة الخوري (بلال قبلان)
شاحنة لقوى الأمن في بشارة الخوري (بلال قبلان)


الخطة الأمنية لم تنفذ.. والشكاوى من «الاستفزازات» مستمرة..

عندما صحا أحد أبناء منطقة شارع أبو سهل في الطريق الجديدة، ونظر من نافذته، رأى علماً عملاقاً ملوناً بالأخضر والأبيض والأحمر. التبس عليه الأمر أولاً، فظن «أن الإيرانيين وصلوا الى المنطقة» أثناء نومه! بعدما أزال الغبش عن عينيه تأكد أن العلم العملاق ليس إلا العلم الايطالي، فهدأ باله عندها وعاد الى نومه مطمئناً!

يروي الشاب الذي يملك «مونة» على معظم شباب شارع أبو سهل هذه الطرفة، للدلالة عن حجم القلق الذي ما زال يعيش فيه شبان المنطقة.

قرار مجلس الأمن المركزي الذي صدر خلال اجتماعه برئاسة وزير الداخلية حسن السبع، مساء الخميس الماضي، ودعا الى نزع الصور والأعلام واللافتات في شوارع بيروت لم يطبق حتى الساعة، وما زال الى هذه اللحظة حبراً على ورق.

كل ما حصل أن أعلام المنتخبات المشاركة في كأس أوروبا، من المانيا وايطاليا وفرنسا وغيرها، حلت ضيفة مجاورة لأعلام وصور المعارضة في معظم مناطق بيروت، وأعلام وصور الموالاة في الطريق الجديدة، والتي لم يقترب منها أحد.

الشاب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لا سيما أنه من اصحاب الوجوه «المرغوب فيها» في المناطق الأخرى، وهو لا يرد على هاتفه الخلوي، احتياطاً، يقول إن أحداً لم يمد يده على الصور، لا سيما «أن المنطقة من لون واحد»، مشيراً الى صورتي الحريري الأب والأبن العملاقتين في شارع أبو سهل.

يقف بقرب المقهى الصغير الذي يتجمع عنده شبان المنطقة الشاب الأصلع «أبو ضاي» (من قبضاي) المفتول العضلات. وللكنية المشتقة من الكلمة التي ترمز الى القوة ابتسامة واضحة تبدو على وجوه أبناء المحلة الذين أطلقوا الاسم عليه. يستهويه الحديث فيقاطعه، مؤكداً أن لا اجواء مطمئنة في المنطقة: «أشعر أن الجميع بمن فيهم الأجهزة الأمنية يعملون معهم» (قاصداً المعارضة). «ابو ضاي» يؤكد أن لا أحد من شبان الشارع يحمل بطاقة انتساب لتيار المستقبل، «لكن كل الطريق الجديدة تواليه». ويسأل: «في هذه المعمعة، عندما يمر أحدهم في سيارة أو على الدراجة النارية يحمل علماً للمعارضة ويرفع أصوات الأناشيد ماذا يتوجب أن نفعل؟ نقدم له الحلوى؟ تدخل الدراجات النارية طوال الوقت عند أطراف الطريق الجديدة لتستفزنا. نحن خاضعون هنا لسلطة الدولة وتيار المستقبل لا يغطي أياً من المرتكبين. بينما في الجانب الآخر العكس هو الذي يحدث. هذه الارتكابات ما زالت تحدث يومياً».

الشاب الفلسطيني، سائق التاكسي، «أبو بكر» يشجع فرنسا في كأس أوروبا، «لأنها مع الحريري». يصرّ «أبو بكر» أن تلفزيون المستقبل بعيد كل البعد عن التحريض، «لكنه لا يستطيع الدخول الى جميع المناطق». هو مقتنع أن التلفزيونين «التابعين للمعارضة» وحدهما مسؤولان عن التحريض، «وممنوع أن يأتوا ليصوروا في منطقتنا!». «ابو بكر» متزوج من بيروتية ويعتبر نفسه ابن الطريق الجديدة، «التي لن تقبل بعودة ممارسات حركة أمل في الثمانينيات».

يؤكد أحد الشبان العشرينيين الذي يعيش «لاجئاً» عند صديق له في منطقة الطريق الجديدة بعدما «تهجر» من منطقة رأس النبع أن «الجهاز الأمني التابع للمعارضة» جمع معلومات «عن أبناء الطريق الجديدة، وأبناء بيروت. وعندما يتم القبض على أحد الشبان خارج منطقته يتم تفييشه على النشرة»، حسبما يقول.

الشاب الأسمر بالشعر اللامع هو ابن البسطة (يعرض هويته ليؤكد هذا الأمر) وشارك في مواجهات رأس النبع ضد المعارضة، «دفاعاً عن المنطقة» كما يقول. يسمّي بسهولة أكثر من عشرين اسماً من شبان منطقتي البسطة ورأس النبع الذين يعيشون اليوم في الطريق الجديدة، وينامون عند اهاليها وفي المحال، ولا يجرؤون على العودة الى مناطقهم.

هو نفسه يقول إنه يتلقى اتصالات تهديد بين الحين والآخر تطالبه «بتسليم سلاحه والحضور الى التحقيق». وقد لجأ الى الطريق الجديدة «لأن الشباب منا وفينا».

كما أنه قرر عدم العودة الى رأس النبع، «حتى لو طلب الشيخ سعد الحريري ذلك شخصياً. من الذي سيحميني هناك؟». قراره النهائي هو الاستقرار في الطريق الجديدة.

صديق الشاب ثلاثيني من أبناء الطريق الجديدة، ناشط في تيار المستقبل، ويعمل في محل أثاث في البسطة. الشاب المسؤول عن زوجة وثلاثة أبناء لم يرجع الى عمله منذ الأحداث الأخيرة، لا سيما أن اسمه «قد جرى تعميمه في المنطقة.. إلى أن أذيع على تلفزيون المنار».

في محلة الظريف، صاحبة محل التجميل النسائي تتحدث بغضب عن «الاستفزازات المستمرة من قبل المعارضة». لكي ترتاح في محلها، على ما تقول، رفعت لافتة خطتها بيدها تطالب بـ«عدم التحدث في السياسة»، مع صيغة الرجاء. رغم ذلك يحدث أن تتصادم مع إحدى زبوناتها التي تصر على المجاهرة برأيها السياسي علانية.

عندما يهبط الظلام تشعر برعب العتمة في ظل غياب إنارة البلدية وحالة السكون التي تسود الشارع. ترى أن «الذي نعيشه ليس بسيطاً أو سهلاً. وللأسف كل الناس صارت طائفية، مني وجرّ». أكثر ما تستغربه هو الدراجات النارية التي تظل تتجول حتى الصباح الباكر بعيداً عن أعين القوى الأمنية «التي لا نرى لها دورية سوى مرة واحدة في اليوم، وربما عن طريق الصدفة» (شارع رشيد نخلة). غير أن أخطر ما تشير إليه هي لائحة «مقاطعة» بأسماء أصحاب محلات ثياب أوروبية معروفة يجري توزيعها في السر تحدّد طوائف جميع هؤلاء!

الشابة صاحبة الشعر الأحمر لا تعرف إذا ما كان أحد الأهالي قد غادر المنطقة أثناء الأحداث الأخيرة، لكنها مؤمنة أن الذي غادر، في حال كان هناك من غادر، لن يجد من يحميه اذا ما قرر العودة.

عند حسينية زقاق البلاط، انتصب علم أحمر وسط أعلام أطياف المعارضة المعلقة على سارية من حديد. العلم هو لتيار التوحيد، ولونه الأحمر الناصع يؤكد أنه علّق مؤخراً. أما عند آخر نفق سليم سلام، لجهة وسط بيروت، فترتفع صورة عملاقة مشتركة للرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله.

مكاتب تيار المستقبل في الحمراء (مقابل مشاوي الشيخة) وعائشة بكار (مقابل المسجد) وفي شارع محمد الحوت، ما زالت في عهدة الجيش اللبناني الذي أكدت عناصره أن أحداً لم يتسلمها بعد.

اشارة الى أن قرار مجلس الأمن المركزي قد نص أيضاً، الى جانب ازالة الصور والأعلام واللافتات، على إعادة تسليم جميع المكاتب الحزبية الى جميع الأفرقاء في بيروت، ووقف التحريض الإعلامي في وسائل الاعلام، وعودة جميع المواطنين في بيروت الى المنازل والمؤسسات التي تركوها خلال الحوادث الأخيرة.

تعليقات: