عزيز ، هو اسم رجل فلاّح بقاعي ، قريب لي، رحمه الله، كان خفيف الظل، صاحب نكتة، وذو عشرة محببة، لكنه كان سريع الغضب والأنفعال، وكان ما أن يخرج عن هدوئه ورصانته، حتى يفلت لسانه من عقاله، فلا يترك نوعا” من السباب والشتائم، الا ويمطره بشكل عفوي على من أغاظه، مقبّحا” اياه، من أخمص قدميّه صعودا” الى رأسه وما فوق رأسه من السموات .
كان عزيز في يوم ربيعي، يحرث في مزرعته الجبليّة، وقد قرن ثوريّه الضخمين تحت نيرهما، حاملا” باحدى يديه نبوت غليظ (مسّاس)، وممسكا” باليد الأخرى على المحراث، وهو يدفعهما الى الأمام ، جيئة وذهابا”، مخلفين في التربة وراءهما أثلاما” طويلة ومتعرّجة، وكان بين الفينة والفينة، يهوّل عليهما بصوته الخشن المرتفع وبمسّاسه الطويل، لعله يزيد من جهدهما في جر السكّة، التي كانت تعيقها كثرة الأعشاب والحصاة .
مع تقدم النهار، واشتداد حرارة الشمس، ثار أحد الثورين وراح يعنفص ويلبط برجليه وينفخ بقوة من خياشيمه، واستمر بالرغم من محاولات عزيز لتهدئته على هذه الحال، حتى تمكّن أخيرا” من الأفلات والشرود ما بين الحفافي والحقول، وهو يرفس الأرض بقوائمه الأربعة على مرأى مجموعة من الفلاحين والمزارعين.
ترك عزيز الثور الثاني رابضا” تحت النير، وركض مهرولا” وراء الثور الفالت، رافعا” هراوته في الهواء مهددا” متوعدا” وكان يصرخ بأعلى صوته وهو يلعن الفلاحة والبقر والساعة التي اقتنى فيها ذلك الثور، ولمّا أعياه التعب وتخلف عن اللحاق به، عاد أدراجه مسرعا” باتجاه الثور الثاني، وكان لسانه ما زال يلعلع بقذف المحرمات من الأقوال والأوصاف، وعندما أصبح على مقربة منه، انهال عليه بالضرب المبرّح بدءا” من قرونه ورأسه وصولا” حتى ذنبه، والتور المسكين يئن ويخور من الألم وهو باركا” مربوطا” بنيره.
عندذاك تجمهّر بعض الفلاحين المندهشين حول عزيز، محاولين ثنيه عن الاستمرار بضرب ذاك الحيوان العاجز. وقد نجحوا بمنعه بعد أن بذلوا ما أتعبهم من جهد جهيد.
لمّا استراح الجميع والتقطوا أنفاسهم، وخفت صوت السيد عزيز وهمد ثوران غضبه، سألوه معاتبين اياه قائلين:
“ولو ما اقدرت عالفالت بتفش خلقك بالمقرون”
فجاوبهم وهو يلهث بعفويّة لافتة، وببساطة لهجته المرحة، وبلغته القرويّة الدارجة، وبلكنته المحليّة الخاصة:
“بتعرفوا هيدّا المقرون لو انوّ فالت….. كان بيعمل أنيك من رفيقو”
أعذروني على نقل لفظ الكلمة بالضبط كما جاءت على لسانه.
وياليت الشعب اللبناني، يقدم باستمرار، وبشكل دائم، على رفع عصا عزيز، ليسلطها فوق رؤوس جميع الذين، يصلون إلى مراكز المسؤوليّة في هذا البلد، من قياديين ووزراء ونواب ومدراء وموظفين، بالمساءلة والمراقبة والمحاسبة، لأنهم سيكونون حتماً (...) وأسوأ بكثير من الذين سبقوهم، فالأدارة السيئة في لبنان أصبحت هي القاعدة، لا يخرج عنها الا القليلون بل قل النوادر، من المسؤولين الصالحين، لعلنا في يوم من الأيام ننجح، في أن نغيّر هذا الواقع المزري والأليم، فنريح عزيز ونسقط عصاه.
تعليقات: