نحو 4 أشهر استغرقتها الشركة التركية للقدوم إلى لبنان والبدء بالانتاج (عزيز طاهر)
لم يكن مسلسل بواخر الطاقة، الذي انطلقت حلقاته عملياً في العام 2013، بعد توقيع العقد في العام 2012، سوى باكورة الإنجازات التي يفاخر بها التيار الوطني الحر، تحت ذريعة مساهمته في إحلال الكهرباء بدل العتمة. والحبكة الأساسية في حلقات المسلسل جاءت مع إصرار التيار على التعاقد مع شركة كارادينيز التركية، رغم التثبّت من تورّطها في فضائح فساد في أكثر من دولة.. وصولاً إلى تحايلها على البنود الجزائية للعقود الموقعة مع الدولة اللبنانية. فهل تَختَتم البواخر مسيرتها في لبنان بقضايا قانونية وغرامات؟
معركة البنود الجزائية
تأخرت الباخرة الأولى التي حملت إسم "فاطمة غول سلطان"، عن الوصول إلى لبنان لنحو 4 أشهر. إذ وصلت في آذار 2013 في حين كان من المفترض وصولها في تشرين الثاني 2012. وبعد أقل من شهر، توقّفت تسعة من مولّداتها الـ11 عن العمل، أي أصبحت تنتج نحو 27 ميغاواط بدل 140 ميغاواط، التي كانت تعطيها كطاقة قصوى. علماً أنها أتت بموجب العقد، لتنتج 180 ميغاواط. وتذرّعت الباخرة بأن نوعية الفيول الذي تؤمّنه مؤسسة كهرباء لبنان، غير مناسبة وتتسبب بالضرر للمولّدات.
الباخرة الثانية التي حملت الباخرة إسم "أورهان باي" تأخرت أيضاً بالوصول إلى لبنان والاستقرار في معمل الجية. فبدل وصولها في 25 حزيران 2013، وصلت في 13 آب، أي تأخّرت نحو شهر ونصف الشهر. لكن كارادينيز وجدت مَن يُنقذها من مأزقها، بواسطة تركيب العمود الذي سيصلها بالشبكة الكهربائية في معمل الجية، في مكان خاطىء، ما استدعى نقل العمود إلى المكان الصحيح. وبالتأكيد، تأخَّرَ النقل بسحر ساحر، بعد أن كان العمود قد وُضِعَ في مكانه الخاطىء منذ نحو شهر ونصف الشهر.
مسؤولية الدولة في تأمين فيول غير مناسب، وفي المقلب الآخر تركيب عمود في المكان الخاطىء، يعني اضطرارها دفع بنود جزائية للشركة بفعل هدر وقتها والأكلاف التي ستتحملها أثناء توقّفها القسري عن العمل. غير أن الحقيقة تقبع في مكان آخر، فعرقلة عمل البواخر لم تكن سوى ممرّ للتغطية على البنود الجزائية التي يفترض بالشركة دفعها للدولة، لقاء تأخّر الوصول إلى لبنان.
رشوة وسمسرات
تحت وطأة انكشاف ملفات الفساد المرتبطة ببواخر الطاقة، بصورة تضع القضاء في قفص الاتهام في حال تجاهله للوقائع، حَجَزَ النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، على البواخر، مانعاً إياها من مغادرة لبنان، بهدف ضمان حقوق الدولة عبر البند الجزائي البالغة قيمته 25 مليون دولار، يفترض بموجب العقد مع الدولة، أن تدفعه الشركة في حال ثبوت تورّطها بدفع عمولات. كما أوعزَ ابراهيم إلى وزارة المالية بأن تتوقف عن دفع أي مستحقات مالية للشركة. وذلك على خلفية تورط فاضل رعد ورالف فيصل وحسن أمهز في قضية دفع رشوى وتبييض أموال مرتبطة بالبواخر. علماً أن أمهز جرى إطلاق سراحه بعد ضغوط حزبية، فيما أفرج عن رعد وفيصل لقاء كفالة مالية بقيمة مليون دولار للأول و700 ألف دولار للثاني، أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية.
وإذا كان استباق نتائج التحقيقات هو عمل محظور، فإن ربط الأحداث ببعضها أمرٌ مباح. ولذلك، فإن ما يحصل في ملف البواخر حالياً، هو استكمالٌ لأحداث المسلسل. وما التحرّك القضائي سوى عنصر من عناصر المؤثّرات المطلوبة لنجاح عملية الإخراج.
البدء من حيث وصل الملف، يؤكد هزلية المشهد. فكيف للقضاء اللبناني أن يحكم بكفالة مالية بعملة غير عملة البلد الذي يدافع عن مصالحه؟ خصوصاً وأن الخصومة مع أشخاص لبنانيين. ثم كيف للقضاء أن يترك ثغرة في القيمة المتوجبة، تتيح للمتضررين النفاذ منها لتخفيض القيمة؟ فعبارة "أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية"، تعني تخفيض قيمة الكفالة من نحو 21 مليار ليرة على الأقل بحسب القيمة الحقيقية للدولار في السوق، إلى نحو 2 مليار و550 مليون ليرة حسب سعر الصرف الرسمي للدولار، والمعمول به في الدوائر الحكومية ومؤسسات الدولة وتعاملاتها؟ إذ كان على القضاء إما تحديد المبلغ بالليرة أو بالدولار بشكل واضح لا لبس فيه. ومن مصلحة الدولة تقويم الضرر بالدولار، أسوة بتعاملها مع البند الجزائي الخاص بالشركة التركية، لأن ملف رعد وفيصل مرتبط بالشركة، إلا إن كان القضاء يريد الـ25 مليون دولار بالليرة، وعلى السعر الرسمي أيضاً.
وبالعودة إلى البدايات، فإن التعاقد مع الشركة التركية شابته علامات استفهام يُترَك للقضاء الفصل فيها قانونياً في حال أراد التحقيق بمفعول رجعي، والوصول إلى المتورطين الحقيقيين في الملف.
فقبل التلزيم، تم استبعاد شركات عدّة عن المناقصة، بحجة توفير الوقت، حين أوحى المستفيدون من التلزيم بأن كارادينيز قادرة على تأمين البواخر قبل 4 أشهر من مواعيد الشركات الأخرى، ما أعطى للشركة التركية أفضلية الوقت. لكن الشركة تأخرت في إرسال البواخر وفي ربطها بمعامل الانتاج وفي البدء بانتاج الكهرباء، أي أنها تساوت بالنتيجة مع منافسيها الذين قدّموا فترات زمنية منطقية، وكان يمكن لهم الفوز فيما لو جرى التلزيم بشفافية. ومع ذلك، استفادت الشركة من قيمة الأشهر الأربعة سلفاً، بالإضافة إلى تقاضيها، مسبقاً، 126 مليون دولار من أصل 394 مليون دولار، وهي قيمة الصفقة على 3 سنوات.
التحايل واضح ولا لبس فيه. تواطؤ ظاهر من قِبَل عدد من الأطراف، سواء من جانب الشركة التركية أو على الجانب اللبناني الموزَّع بين وكلاء الشركة ومنظّمي وصولها إلى لبنان، وبين وزراء ومستشارين أعدّوا الطريق لضمان التلزيم ودفع ملايين الدولارات دون وجه حق. وهنا، لا بد من التساؤل عن دور وزارة الطاقة، والأهم، عن دور وزارة المالية التي دفعت من دون التثبّت من نظافة المسار الذي تسلكه الأموال، واستمرت بالدفع لقاء فيول غير مطابق للمواصفات المطلوبة لتشغيل البواخر والمعامل.. فهل سيتابع القاضي ابراهيم كامل جوانب الملف لكي يحمي المال العام؟
تعليقات: