خلال أسابيع قليلة، عادت قوارب الهجرة من لبنان مجدداً الى الواجهة، مع احباط قوى الأمن والجيش اللبناني عمليتين، بما يُؤشر الى أننا أمام موجة تتشكل مع تحسن الطقس، وتوالي فصول الانهيار المالي في البلاد. حتى إن مجلة "سبكتايتر" البريطانية عنونت موضوعها عن قوارب الهجرة اللبنانية والسورية التي تُغادر الشواطئ اللبنانية باتجاه قبرص، بأن تهريب المهاجرين إحدى أحدث المهن في لبنان.
والمرجح أن تهريب المهاجرين بحراً ليس مهنة منفصلة عن واقع الأعمال على الحدود السائبة، لجهة ارتباطه بأركان السلطة السياسية، أو على الأقل، ما يُشاع عن ذلك. ذاك أن هذا الاستنتاج مبني على واقعين، الأول هو الربح المالي الكبير المتأتي منها، والثاني أننا أمام طبقة سياسية تُحكم السيطرة على الاقتصاد وكل منافعه، حتى غير الشرعية منها.
قبل أسبوع، أعلنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أنها، وبتاريخ الرابع من أيار (مايو) الجاري، أوقفت 51 سورياً (39 راشداً، و5 راشدات، و7 قاصرين)، "كانوا متوجهين إلى قبرص عبر البحر". كان الموقوفون بانتظار قارب ليقلهم من الشاطئ باتجاه قبرص "لقاء دفع مبلغ 2500 دولار أميركي عن كل شخص عند الوصول"، وفقاً للبيان.
تسعيرة الهجرة بحراً هي 2500 دولار للشخص الواحد، أي أن قارباً واحداً بإمكانه أن يحصد 130 ألف دولار. وهذا المبلغ يجمعه الركاب الفقراء غالباً من بيع عقارات أو مجوهرات أو حتى سرقة مفروشات الأقارب، كما فعل أحد اللبنانيين مع والدته (المجلة البريطانية عينها). هي عملياً، تذكرة سفر من "اللحم الحي".
قبل عملية "المعلومات" بأسبوع، وتحديداً في 25 نيسان (أبريل) الماضي، أعلن الجيش اللبناني في بيان لمديرية التوجيه، أن "قوة من الجيش تؤازرها مجموعة من مديرية المخابرات، تمكنت من إحباط عملية تهريب 69 سورياً (في مركب)... في شاطئ قرية الشيخ زناد – عكار... كانوا ينوون الانتقال بطريقة غير نظامية إلى قبرص عبر البحر". المديرية اعتقلت المهرب (أ.خ) "الذي تقاضى مبالغ مالية من الأشخاص المنوي تهريبهم، وبوشر التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص". لم يُحدد المبلغ في البيان، لكن الأرقام غالباً متقاربة، إلا اذا كان عدد الركاب قليلاً.
خلال هذه الفترة أيضاً، ورد إلى احدى وسائل الاعلام خبر مفاده أن السلطات الأمنية أوقفت مركباً في أنفه كان على متنه 40 سورياً يهمون بالمغادرة. طبعاً، اعتُقل المسؤول عن المركب وتحدث التقرير عن مبلغ مالي تقاضاه لقاء الرحلة من كل راكب. في الخلاصة، خلال أسبوعين، ضُبطت 3 مراكب. لكن هذه هي المراكب المضبوطة. كم من الرحلات غادرت بنجاح الشواطئ اللبنانية باتجاه تركيا أو قبرص أو الى شمال افريقيا، وهي محطة للمراكب المتجهة الى إيطاليا؟ (وهذه جميعها رحلات كانت تُغادر الشواطئ اللبنانية خلال الصيفين الماضيين). الأرجح أن أضعاف المراكب المضبوطة، غادرت بنجاح. عملياً، نتحدث عن تجارة قادرة على حصد ملايين الدولارات نقداً كل شهر. هل يُعقل ألا تدخل أحزاب السلطة أو أركان في شراكات فيها؟
للتذكير، قبل عامين، وحين اعتقال أحد المهربين الكبار، تحدث أغلب زبائنه وضحاياه عن ارتباطاته المحلية بأركان الطبقة السياسية. من الصعب على مُهرّب يحصد ملايين الدولارات من الأرباح، مواصلة عمله أو حتى المباشرة به دون أن يُشاركه أحد في السلطة السياسية. هذا مستحيل وغير مسبوق، لا بل ضرب من الإعجاز في حال حصوله.
الكثير يُشاع عن دور أركان الطبقة السياسية، في عمليات التهريب عبر الحدود، وهناك من سرّب أسماء وتحدث عن أدوار حزبية. وهذا دور منطقي جداً، ويتطابق مع التاريخ الميليشيوي-الاجرامي لأركان الطبقة السياسية وأزلامهم.
لتمويل شبكتها الزبائنية، أو ما تبقى منها، لا بد أن في هذه الطبقة السياسية، من ينظر الى البحر وقوارب الموت المُهاجرة، كفُرصة لكسب الأرباح، تُضاف الى مهنتي تهريب البضائع المدعومة عبر الحدود البرية، والمخدرات جواً.
تعليقات: