لن تتمكن المنصة من خفض سعر صرف الدولار (getty)
تأخّر مصرف لبنان في إطلاق المنصة الالكترونية، لنحو شهرين. انزلقت خلاله المنصة إلى مستنقع التكهّنات حول آلية عملها وسعر الصرف الذي ستعتمده. في حين أن الواضح كان إشراك المصارف في عملية بيع وشراء الدولار، أسوة بالصرّافين.
فقد أطلق المركزي منصّته يوم الاثنين 17 أيار. لكنه لم يطلقها. كيف ذلك؟ هو أحد الأسئلة الكثيرة التي تزيد المنصة غموضاً، وتشي بأن هدفها ليس ضبط سعر الصرف، وإنما أمرٌ آخر.
إطلاق غامض
انتشرت الأخبار حول إطلاق المنصة صباح الاثنين، من دون إصدار بيان رسمي من مصرف لبنان. استغربَت مصادر مصرفية الخطوة، إذ "لم تتبلّغ المصارف رسمياً"، وفق ما تقوله المصادر لـ"المدن".
عموماً، المصارف حذرة من هذه الخطوة. فالمنصة التي من المفترض أنها ستتيح للجمهور، أفراداً وشركات، بيع وشراء الدولار من الصرافين والمصارف، لم تتبلور معالمها بشكل واضح. حتى أن الدورات التدريبية التي أجراها المركزي لمندوبين من المصارف والصرافين، لم تفلح في إيضاح آلية العمل ولا الجدوى الحقيقية من إطلاقها. والأهم، لم تعطِ سبباً علمياً لخفض سعر الصرف بعد إطلاقها. فالمنصة، حسب المصادر "ستخفف الاعتماد على السوق في الحصول على الدولارات، لكنها ليست عصا سحرية لتخفّض سعر الدولار". علماً أن "لا شيء يضمن نجاح المنصة، فتحسُّن سعر صرف الليرة يرتبط ببرنامج إصلاحي متكامل، يعقبه مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومهلة زمنية لتوحيد سعر صرف الدولار. لكن المحاولة تبقى أفضل من عدمها".
المصارف، ركن أساسي من أركان المنصة، ولا علم لها بانطلاقها. الشكوك إذن تزيد، وترفع التأجيلات المتكررة حدّة القلق، فيما يحسم صمت المركزي النقاش، وكأنَّ بصمته يقول: قمت بما ينبغي عليَّ فعله، والباقي ليس من اختصاصي. كيف لا، وقد أطلق منذ نحو عام منصة حددت سعر الصرف بـ3900 ليرة، من دون إتباعها بخطوات جديّة تضبط سعر الصرف وتمنع تلاعب الصرافين الشرعيين وغير الشرعيين.
ولعلَّ الهزيمة المدوية التي منيت بها المنصة الأولى، جعلت المركزي يميِّع إطلاق إبداعه الثاني، تفادياً للاحراج المباشِر.
خدمة للصرافين
يتردد نقيب الصرافين أنطوان مارون في حسم إجابته حول إطلاق المنصة أو عدمها. الثابت الوحيد هو عدم تبليغ الصرّافين رسمياً باطلاق المنصة، فيما الاتصالات مع المعنيين تؤكد إطلاقها "منذ بضعة أيام"، حسب ما تقوله معلومات من داخل مصرف لبنان، والتي تتقاطع مع ما يؤكده نقيب الصرافين أنطوان مارون.
في أوساط الصرافين، المنصة أصبحت جاهزة. لكن الصعوبات التقنية تواجههم، "بعضهم لا يعرف كيفية تشغيل الرابط المخصص لرفع بيانات البيع والشراء، والبعض الآخر لم يعرف بأن المنصة انطلقت"، يقول مارون لـ"المدن".
مَن أيقَنَ بدء العمل بالمنصة، تدَاوَلَ الدولار بسعر السوق. أيُّ سوق؟ السوق السوداء. وحسب آلية عمل المنصة "يرسل كل صراف بيانات تفيد بحجم الدولار الذي اشتراه من الزبائن، وحجم الدولار الذي باعه لهم. فيتمكّن مصرف لبنان من تقدير حجم التداول اليومي للدولار في السوق ومعرفة السعر الرائج".
بمعنى آخر، يُرسِل الصرافون دليلاً حسياً إلى مصرف لبنان، يشهد بأنهم تداولوا الدولار بسعر السوق السوداء الذي يعمل المركزي على ضبطه. إنها فعلاً، معجزة نقدية بامتياز! فالصرافون باتوا يعملون رسمياً بسعر السوق السوداء، فالمنصة الجديدة، نَسَخَت منصة الـ3900 ليرة من دون إعلان ذلك صراحةً.
يرى مارون أن دخول الصرافين الشرعيين إلى السوق الحر "ينشر الاطمئنان، وبالتالي، لا يرتفع الدولار بنسبة كبيرة، بل بهوامش مضبوطة. كما يسمح دخولهم برفع نسبة عرض الدولار، فينخفض السعر".
لا شيء يؤكّد زيادة العرض. فمن يحمل الدولار لا يتخلى عنه بسهولة، وسط تأزّم الأحوال العامة. والصورة الاقتصادية غير مطمئنة، فيما الصورة السياسية ضبابية وتنعكس على تحديد سعر الدولار. وما إقرار مارون بأن "سعر الدولار هو سعر سياسي وليس نقدي"، سوى دلالة على عدم انخفاض الأسعار على وقع المنصة.
منذ اللحظة الأولى لبدء ارتفاع سعر صرف الدولار في العام 2019، انخرط الصرافون في اللعبة. وجلُّ ما فعله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حينها، إعلان عدم قانونية تدخّله، فالدولار برأيه سلعة تحدد قيمتها بموجب حركة العرض والطلب، وسلطة المركزي تطال الليرة وليس الدولار. ولاحقاً، أشرَكَ سلامة الصرافين في تحديد سعر الصرف، ليبحث معهم اليوم عن كيفية تشريع دخولهم إلى السوق السوداء، من دون ترتيب مسؤولية قانونية عليهم.
الدولار اليوم بنحو 12700 ليرة. وبمنصة أو بغير منصة، سيتحرك على وقع العجلة السياسية ومصلحة الصرافين وتجار الدولار.
تعليقات: