تأخرت غزة قليلا ودفعت هي وفلسطين واحرار العرب والعالم أثمانا غالية وباهضة لكنها في نهاية المطاف وصلت وأبدعت حل تحقيق التوازن المستحيل مع عدوها العملاق والأقوى وذلك بإختراعها وطنا مستترا لا شمس فيه ولا قمر ولا برد ولا حرور ولا بحار ولا أزهار ولا أنهار ولا ثمار ولا فراشات ولا عصافير ولا نسائم ولا حقول ولا عواصف ولا رعد ولا برق ولا لذة ولا طيب ولا شيء يبعث على المسرة في قلوب الناظرين .
وطن إتفق العقلاء عبر تاريخ الإنسان العاقل أنه لا يصلح إلا مكان لإيداع جثث الموتى بإنتظار يوم القيامة الموعود .
من كان يتخيل من كل شعراء العالم وكتاب الأساطير وأفلام الخيال العلمي أن تبدع فلسطين ومجاهدوها كل هذا الجمال والعظمة والكبرياء والشموخ في هذا الوطن المعتم والموحش والمقفل والباعث على اليأس والقنوط ؟
وكيف إستطاع أهل غزة أن يبعثوا الروح والحياة والحافزية والتوثب في مثل هذا المكان ويحولوه إلى منجم وبستان للإرادة القادرة على كسر إرادة اعتى القوى المتجبرة والمدعية أنها فوق الهزيمة وفوق الإنكسار وفوق السقوط .
وكيف تمكنوا من إبتداع مكان لحماية قادتهم ومجاهديهم وسلاحهم وطعامهم وشرابهم واحلامهم وأمانيهم وخطتهم ومفاجآتهم وإخفاء كل ذلك عن عيون الجواسيس وأجهزة التنصت والرادارات الحديثة والقاذفات الذكية والقذائف الخارقة الأذكى والأقمار الصناعية والطائرات المسيرة التي لا تغادر السماء.
لقد أثبت أهل غزة ومقاوموها أنهم أذكى من أليسار وأسطورة قرطاجة وجلد الثور الفينقي مع اعتذاري الشديد من سعيد عقل وفؤاد افرام البستاني.
من أين استلهموا فكرتهم ؟
هل يا ترى إستلهموها من قوم ياجوج وماجوج أم من رواية أن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة فأحبوا أن يؤسسوا جنة تحت الأرض ويعيشوا فيا جنتهم قبل الموت على قاعدة " موتوا قبل أن تموتوا " ومن هذه الجنة المظلمة المستترة استطاعوا ان يقصفوا دنيا الأعداء ويعطلوها ويدبوا الرعب فيها ويدمروا أجزاء منها ويحولوها إلى جحيم لأعدائهم وقبر لهؤلاء الأعداء فوق الأرض.
إسرائيل ودهاتها تورطوا في مشروع حرب مع أناس تمكنوا من التحول الى جن وملائكة لا يمكن رؤيتهم ولا يمكن تحديد موقعهم لا بال GPS ولا بغيرها .
اسرائيل وداعموها الكثر تورطوا بمحاربة أناس يعيشون في جوار القبور . وكل من يفكر بهؤلاء الناس وبقتالهم يمتلىء رعبا ويقف في مواجهة جدار سميك من الوهم والمجهولية والأسرار العصية على الإنكشاف والتفسير.
غزة التحتا تحولت إلى وطن يضج بالحياة والمعنويات والآمال الكبار .
غزة التحتا عاصمة المقاومة الفلسطينية الآتية من عالم بعيد لنصرة القدس وأقصاها ونصرة فلسطين ورسم معالم مستقبلها المشرق.
غزة التحتا وطن صنعته فلسطين من وحي قبور شهدائها ومظلوميها ومعذبيها ليكون وطنا جامعا لكل الفلسطينيين وكل العرب الشرفاء ولكل أحرار العالم.
غزة التحتا بذرة وطن يبشر بعودة وطن مهدور وولادة جديدة له آتية من تحت الأرض. وطن تآمر كل طواغيت الأرض وجبابرته ودهاته لينسوا أهله ومحبوه هويتهم ولكن هيهات هيهات وها هي فلسطين التي اجتهد اعداؤها الكثر منذ ما يزيد على قرن من الزمان لتصبح نسيا منسيا تخرج من تحت الأرض لتقول لهم أنا هنا حية باقية ولا تنسوا اني انا مثل الحق وان الحق مثل الله حي لا يموت.
عدنان إبراهيم سمور.
باحث عن الحقيقة.
تعليقات: