رغم الأزمة المعيشية الحادة التي يعانيها اللبنانيون وتراجع قدراتهم الشرائية نتيجة انهيار سعر الصرف وتضخّم الاسعار بنسب خيالية، إلا ان المشهد العام على صعيد السياحة المحلية والمطاعم والفنادق لم يختلف كثيراً بعد انتهاء التعبئة العامة والاقفال العام نتيجة كورونا، عن أيام «البحبوحة».
رغم ان جزءا كبيرا من الفنادق والمطاعم قد أقفل بشكل كامل نتيجة الوضع الاقتصادي، إلا ان السياحة الداخلية رائجة في الفترة الحالية ونسبة الإشغال في الفنادق وبيوت الضيافة في مختلف المناطق السياحية في لبنان مرتفعة، بعدما قرر اللبنانيون الاستغناء عن السفر الى تركيا او مصر للاستجمام واستبدالهما بالسياحة الداخلية محلياً. أوّلاً، لأن الدولارات لم تعد متوفرة، وثانياً لأن تلك الدول لم تعد تعتبر «أرخص» من لبنان، وثالثاً لأسباب وقائية من جائحة كورونا.
لكن السؤال الابرز الذي يطرحه كثيرون: كيف لا يزال المواطن اللبناني قادرا على إنفاق الاموال على السياحة والاستجمام والفنادق والمطاعم والمجمعات السياحية والبحرية، رغم تراجع قدرته الشرائية وفقدان معظم الرواتب والاجور قيمتها مقابل ارتفاع الاسعار على كافة الاصعدة؟ ومن هي الفئة او الطبقة الاجتماعية التي ما زالت تحافظ على نمط عيشها السابق مع العلم ان معدل الفقر ارتفع في لبنان وتبخرت الطبقة المتوسطة؟
قد يكون جزء من الجواب مرتبطاً بتحويلات المغتربين اللبنانيين الى عائلاتهم في لبنان وارتفاع القدرة الشرائية لتلك الفئة نتيجة انهيار سعر الصرف، بالاضافة الى فئة اخرى تتمثّل بالمصدّرين، مثل الصناعيين والمزارعين وغيرهم، والتي باتت تستفيد من دولارات التصدير بنسبة اكبر، بالاضافة الى الطبقة الميسورة في لبنان والتي زادت نسبتها.
ووفقاً لإحصاءات مصرف لبنان، بلغت تحويلات المغتربين في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، 4,7 مليارات دولار، علماً ان البنك الدولي توقع بلوغها 6,9 مليارات مع نهاية العام مع تدفق حوالى 3 مليارات الى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت. ومن المرجّح ان يصل حجم التحويلات في العام الحالي الى القيمة نفسها أيضاً وسط توقعات بضَخ حوالى مليار دولار من قبل المغتربين القادمين الى لبنان في فصل الصيف.
في هذا الاطار، اكد نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتّحاد المؤسسات السياحية جان بيروتي لـ»الجمهورية» ان السياحة الداخلية نشطة جدّاً حالياً «وهي ظاهرة غريبة» نظراً الى الأزمة المعيشية والأزمة المالية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، معتبرا ان التفسير الوحيد هو «إمّا ان اللبنانيين ينتقمون من أنفسهم او انهم يحصلون على اموال من الخارج»، مشيراً الى وجود سياح عراقيين أيضا بشكل لافت خصوصاً هذا الاسبوع «وهو أمر مشجع».
وقال: رغم ان الموسم لم ينطلق فعلياً إلا ان المطاعم والمقاهي والمجمعات نشطة جدا في مناطق معينة، علماً ان العاصمة بيروت هي المتضرر الاكبر في هذا الاطار لأن توجّه السياحة الداخلية يصبّ اليوم نحو المناطق البعيدة والجبال اكثر من بيروت. وشدّد بيروتي على ان التعويل يبقى دائما على قدوم المغتربين اللبنانيين من كافة الدول خصوصا الوطن العربي، لافتاً الى ان الحجوزات عادة لا تكون مسبقة بل تأتي في اللحظة الاخيرة قبل اسبوع او أقلّ، «مع الاشارة الى ان المغتربين في الدول العربية لا يساهمون في ارتفاع الإشغال الفندقي لأن غالبيتهم يملكون منازل في لبنان. في المقابل، فإنّ المغتربين من استراليا او افريقيا او الولايات المتحدة وكندا يعانون صعوبة الطيران بسبب كورونا، بما سيعيق قدومهم الى لبنان».
وبالنسبة الى ارتفاع الاسعار في القطاعات السياحية، أكد بيروتي انها تحتسب على سعر صرف الـ5000 و6000 ليرة رغم ان الكلفة التشغيلية والبضائع يتم شراؤها على سعر السوق السوداء.
وفي الختام، اشار الى انّ الحركة النشطة التي تشهدها القطاعات السياحية لا يمكن ان تعوّض الخسائر السابقة بل انها تساعدها على الاستمرار والصمود فقط والحفاظ على موظفيها.
من جهته، اكد نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود لـ»الجمهورية» تراجع حركة السفر بنسبة 70 في المئة، لافتاً الى غياب الحجوزات والى ان حركة القادمين تقتصر فقط على العاملين في دول الخليج وافريقيا. واعتبر ان العام 2020 كان افضل من العام 2021 على الرغم من خفض حدّة الاجراءات الوقائية ضد كورونا «إلا ان عدم الاستقرار السياسي والامني في لبنان والاضطرابات التي تحصل يومياً لن تشجع المغتربين على القدوم الى لبنان بغرض السياحة».
في المقابل، قال عبود انّ 2 الى 3 في المئة فقط من اللبنانيين أصبح في مقدورهم السفر الى الخارج للسياحة والاستجمام، مؤكدا ان حركة المغادرين تقتصر على الطلاب والمهاجرين والموظفين في الخارج، مشيرا الى غياب تام لبرامج السفر والسياحة من قبل الوكلاء والى عدم تسيير الرحلات المباشرة charter flights هذا العام مقارنة مع 80 الى 90 رحلة charter كان يتم تسييرها اسبوعياً في السابق، بالاضافة الى الرحلات الاخرى العادية.
تعليقات: