عادت الكثير من المهن إلى الوجود بعد اختفائها (نذير حلواني)
مئات الدراجات النارية، تصطف في الشوارع الداخلية لمنطقة الجميزة، في العاصمة بيروت. يعمل سائقوها في خدمة التوصيل. إذ ازدهر هذا النوع من العمل خلال جائحة فيروس كورونا، ولكن ما لبث أن توقف بعد انفجار المرفأ في الرابع من أب الماضي.
حسب ما يتناقله الشباب العاملين في خدمة التوصيل، فقد أجبروا على ممارسة هذا العمل، على الرغم من أن معظمهم خريجي جامعات، لكن قلة فرص العمل دفعتهم للبحث عن مهن حرة، برأس مال بسيط، فيما قسم آخر، لجأ إلى هذا العمل بعد تضرر عمله نتيجة الانفجار.
مهن جديدة
في زاوية أخرى من بيروت العاصمة، تتجول سيارات "التوك التوك" الصغيرة. وهي باتت وسيلة رئيسية لتنقل المواطنين. بدأ استخدام التوك التوك بعد موجة التلاعب بأسعار المحروقات، والتهديدات المتكررة بوقف الاستيراد، على أن ذلك لم يكن السبب الوحيد، بل جملة من الأسباب دفعت إلى ظهور هذه الوسيلة، منها ارتفاع تكاليف سيارات الأجرة، وتوقف شركات السيارات الخاصة عن العمل.
وإن كان التوك توك حاضراً في بعض الأحياء داخل العاصمة، إلا أن حضوره في المناطق النائية، والقرى بات ملفتاً للنظر.
فرضت الأزمة المعيشية والاقتصادية مفهوماً جديداً في واقع العمل في لبنان، حتى يمكن القول بأن الكثير من المهن فرضت نفسها على الساحة اللبنانية، مقابل اندثار غيرها.
فلم يعد يقتصر الأمر على التوك توك، أو سائقي خدمات التوصيل، بل يمكن ملاحظة انتشار الباعة الجوالين، لبيع كل ما يمكن بيعه، من ألبسة، أحذية، خرضوات، وحتى في الكثير من الأحيان قطع أثاث منزلية.
يرى الخبير الاقتصادي كمال حمدان أن تبدل مفهوم العمل في لبنان ليس وليد الأزمة الاقتصادية وحسب، بل هو نتاج سياسات خاطئة، تتعلق ببنية الاقتصاد اللبناني، وبنية سوق العمل لناحية العرض والطلب. ويقول لـ"المدن": ما يظهر اليوم من مهن وأعمال هامشية، يمكن إدخاله في خانة الاقتصاد الموازي، هو أمر طبيعي، بسبب غياب أي فرص حقيقية لتنمية الاقتصاد". وعلى الرغم من أن هذا أمر طبيعي في ظروف استئنائية، إلا أن تأثيراته سلبية جداً.
إلى ذلك، لا يخفي حمدان أن المهن الهامشية والتي ظهرت منذ سنوات، ماهي إلا نتيجة سياسات خاطئة من الدولة، إذ لا يوجد فعلاً إحصاءات دقيقة لنسب البطالة، أو نسب العاملين في المهن الحرة، وهو ما أدى إلى اتساع هذه الظاهرة.
ويقدر حمدان، أن نسبة العاملين خارج القيد الرسمي، أو المسجل، يصل إلى ما يقارب 50 في المئة من إجمالي اليد العاملة في لبنان، وهو الأمر الأكثر سوداوية في المشهد اللبناني اليوم.
تنوع المهن
لاشك أن تغيير مفهوم العمل في لبنان، لم يعد يقتصر على الفئات المهمشة، أو الفئات التي لا تمتلك مهنة، بل توسع ونتيجة الظروف ليشمل الفئات المتعلمة. ففي شوارع العاصمة، وحتى على أطرافها، باتت عربات الثياب أشبه بمحال تجارية بعد إقفال أصحابها محالهم التجارية. يروي أحد التجار تفاصيل عمليات البيع على الأرصفة، فيقول "نتيجة عدم تمكن التجار من تسديد إيجارات محالهم التجارية، لجأوا إلى بيع البضائع لتجار صغار، يعمدون إلى تصريف الثياب على العربات أو من خلال البيع عن طريق الإنترنت".
صحيح أن ظاهرة البيع على العربات ليست منشترة إلا في أحياء شعبية، لكن البيع عن طريق مجموعات "الواتس أب" أو من خلال صفحات الفيسبوك باتت منتشرة بشكل لافت.
مهن قديمة تعود
عادت الكثير من المهن إلى الوجود بعد اختفائها، ولعل أبرزها الصناعات الغذائية اليدوية، أو التي يتم تصنيعها في المنازل وبيعها عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مهنة بيع أسلاك الحديد، والأبواب الخشبية.
يأسف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لهذا الواقع، ويقول "من الواضح أن الأزمة الاقتصادية غيرت مفاهيم العمل، فهناك مهن قد اختفت، مقابل مهن أخرى تزدهر، من أبرزها عملية بيع الثياب المستعملة، ووفق الأسمر، فإن تجارة الثياب المستعملة، ماهي الا ترجمة لضعف القدرة الشرائية للبنانيين".
وعلى الرغم من سوداوية المشهد العمالي، الا أن الأسمر يرى أن هناك جانباً إيجابياً، يتمحور حول سعي اللبنانيين إلى توسيع أفاق العمل أمامهم، والعبور نحو أنواع مختلفة من التجارة والصناعة، ومن أبرزها الصناعات الغذائية، التي من المتوقع أن تشهد تحولاً وتطوراً على المدى المتوسط.
تعليقات: