الكاتبة حسناء وهابي
لقيت نفسها تجري بكل ماأوتيت من قوة؛ ليخول لها ذاك الركض اللحاق بالحافلة بغية الوصول في الوقت المحدد.
وجدت نفسها تجري وسط الشارع دون أن تأبه لكلام المارة، ولا لصوت صفير بوق السيارات. بقيت تعدو لدقائق معدودة سرعان ماتم الوصول، ولقصر قامتها لم تستطع عبور الدرج بخفة، فوجدت يداً تلوح لها وتخبرها باستعجال الركوب، وكان السائق فاهه يفيض غيضا وحقدا عليها:
-ألم يُلِمَّ بك الخوف بعد؟
-والله ياعم، بل إن قسوة الانتظار لاتطاق!
لم يكتم السائق غيضه بعد، فاستمر الخصام والعتاب إلى أن وصلت لطارق، ثم لمحت الفتاة الحافلة التي ستركبها، وأسرعت نحو الباب، ثم قفزت بسرعة وواصلت الركض كي يتسنى لها إيجاد مقعد فارغ.
وعند طلوعها، تحسست جيبها فلم تجد حافظة نقودها.. فانهطل الدمع من جفنها، وراحت تصرخ، ووجدت سيدة عطوفة شعرت بخوفها، فسددت لها ثمن الرحلة.
ثم وضعت كفها على وجنتيها وتسندت نافذة الزجاج وبقيت تنظر وتفكر. بدأت الحافلة تعدو وتصفر وانطلقت تنهب الطريق كما تنخر الأفكار خلايا دماغها، وعند وصولها لمحطة القطار، أطلقت سراح نظرها وراحت تقارن بين أصناف وأشكال الناس، فمنهم الماشين ومنهم الجالسين، فجلست على كرسي تنتظر دورها حتى نال منها التعب، ثم قررت الوقوف، وظلت واقفة تعاين أحوال الناس؛ فحدث شيء غريب،ولم تصدق ضياع حافظتها، فبدأت تبحث عنها في الكيس الذي تحمله في كتفها الأيسر، فوجدتها مخبأة في ركن زاوية صغيرة من ذلك الكيس. فرحت فرحا شديدا واغتبطت بذلك، ولما رأت ظاهرة التسول في تلك المحطة أدمعت عيناها دمعا حارا بدون سابق إنذار، وفجأة أتت سيدة طاعنة في السن تتسول بعضا من الدراهم لتخول لها جمع مبلغ الرحلة، فوجدت يداها تمنحها المبلغ المطلوب من غير تفكير ولاتردد، وقالت في نفسها: "إنه ردّ الجميل"!
* حسناء وهابي
تعليقات: