عدد الوجبات انخفض من 75 ألف وجبة سنوياً، إلى 30 ألف وجبة هذا العام (مصطفى جمال الدين)
قد ينحسر الترفيه لنحو 10 في المئة من اللبنانيين فقط. وقد يبدو الرقم صادماً. والحديث عن الترفيه في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها معظم اللبنانيين، يبدو غريباً نوعاً ما. لكن الحجوزات الفندقية، وفتح المطاعم وإعادة افتتاح دور السينما بعد إقفالها نتيجة فيروس كورونا، يعيد النقاش مجدداً حول الترفيه في لبنان، وعن الفئات التي تستطيع زيارة المطاعم أو حتى استئجار الشاليهات في المناطق.
وفي تقرير سابق نشر في "المدن"، احتسب مبلغ 200 دولار للترفيه شهرياً، من ضمن تكلفة معيشة أسرة مكونة من 4 أفراد. والمبلغ مناسب جداً حتى بالنسبة إلى الفئات التي تتقاضى رواتب منخفضة، أو رواتب لا تتعدى قبل الأزمة مليون وخمسمئة ألف ليرة. لكن هذا المبلغ اليوم (200 دولار) يوازي راتب موظف في القطاع العام، وقد لا يكفيه لشراء الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، وتأمين أقساط مدرسية. وهذا يعني عملياً استحالة الترفيه أو التفكير بقضاء إجازة أيام من الصيف في فندق، لمعظم الطبقات الاجتماعية التي كانت تتمتع بقدرات مالية متوسطة.
وحسب بيانات مجلس السياحة العالمي، يسافر ما بين 300 إلى 500 ألف لبناني سنوياً، إلى وجهات مختلفة، لعل أبرزها تركيا ومصر واليونان وقبرص. هذه الفئة من السياح اللبنانيين تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة، من موظفي القطاع العام والخاص والطلاب، إضافة إلى الفئات الثرية. ولكن هذه المعادلة تبدلت مع تآكل قيمة الأجور.
ما الذي تغير؟
يقول الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة "إن النظرة إلى الترفيه في لبنان كانت ولا تزال محصورة بقطاعي الفنادق والمطاعم. وكان اللبناني قبل الأزمة يسعى إلى الترفيه من خلال هذين القطاعيين. وفي حال عدم امتلاكه سابقاً المقدرة المالية، كان يسعى إلى الاستعانة بالقروض أحياناً، أو الاستدانة. وهذه المعادلة - حسب عجاقة - تبدلت اليوم، مع توقف القروض الشخصية. ما يعني منطقياً توقف الحجوزات في الفنادق والمطاعم.
لكن ما يحصل في الواقع مخالف تماماً، فما الذي تبدل؟ طرأ التغير على الفئات التي يمكنها الترفيه. فبعدما كان متوفراً لمعظم اللبنانيين (70 إلى 80 بالمئة منهم)، بات اليوم محصوراً في فئات ثلاث: الموظفون الذين يتقاضون رواتبهم أو جزءاً منها بالدولار، العائلات التي تعتمد على أموال المغتربين و/ أو المغتربين أنفسهم، والأسر الثرية.
قد يكون هذا التبدل سلاحاً ذو حدين حسب عجاقة: من جهة، يخلق فجوة اجتماعية بين هذه الفئات وبين الفئات الأخرى، وخصوصاً التي تتقاضى راتبها بالليرة اللبنانية، ومنها موظفي القطاع العام. وهؤلاء عاجزون عن الترفيه، أو قد يبحثون عن طرق مختلفة لاستئناف أسلوب حياتهم القديم. ولكن من جهة ثانية، لهذا التبدل أثر إيجابي على أصحاب المطاعم والفنادق ودور اللهو، الذين تضررت أعمالهم بسبب الأزمة، على اعتبار أن الفئات الثلاث أعلاه، قد تنفق مبالغ بسيطة بالدولار للاستمتاع بوسائل الترفيهية.
الصورة الحقيقية
وعلى عكس الصورة الإيجابية التي حاول الخبير الاقتصادي عجاقة تصويرها، لايرى طوني الرامي، رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، أن الحجوزات الفندقية أو قطاع الضيافة، يعكس الصورة الحقيقية لانتعاش الترفيه في لبنان. وهو في حديثه إلى "المدن"، يرى أن هذا نوع من السياحة الموسمية أو الموقته، ولا تساهم في إنعاش القطاع. ويفند الرامي في حديثه ما تشهده بعض المطاعم من زيادة الإقبال، وارتفاع عدد بيع وجبات الطعام.
فهذا في الحقيقة ناجم عن حال الضرورة. بمعنى أن شراء الطعام محصور بالفئات التي تعمل طوال النهار، وتضطر للذهاب إلى المطاعم أو طلبات الديليفري منها. لكن رغم هذا الإقبال على شراء الوجبات، يؤكد الرامي أن عدد الوجبات انخفض من 75 ألف وجبة سنوياً، إلى 30 ألف وجبة هذا العام.
الأسعار خيالية بالليرة
والأسعار قد تبدو مرتفعة بالليرة اللبنانية. فعلى سبيل المثال، يصل سعر الإقامة في غرفة فندقية في العاصمة بيروت ما بين 800 ألف ليرة ومليون و200 ألف ليرة. أي ما بين 80 و100 دولار. فيما ينخفض السعر للفنادق المتوسطة أو خارج العاصمة إلى ما بين 500 و700 ألف ليرة، ما يوازي 50 إلى 60 دولاراً.
أما تكلفة الوجبات، فتبدأ من 50 ألف ليرة وترتفع إلى 500 ألف ليرة. وهذا يوازي أقل من 50 دولار. وهذه الأسعار الجديدة تبدو خيالية جداً للفئات اللبنانية التي تتقاضى بالليرة اللبنانية. وقد تحرمهم من مجرد التفكير بالترفيه، فيما تجد شريحة أخرى أن هذه الأسعار مناسبة جداً لها.
هل السفر ممكن؟
والسفر بهدف الترفيه والسياحة إلى الدول المجاورة، قد يكون خياراً صعباً، حتى للفئات التي تتقاضى راتبها بالدولار، نظراً لأن الرواتب بالدولار لا تتعدى حاجز ألفي دولار كمعدل وسطي، حسب بيانات البنك الدولي عن معدل الرواتب في لبنان. أضف إلى ذلك، أن أسعار تذاكر السفر اليوم، تحتسب بالدولار بدلاً من الليرة اللبنانية. ما يرفع نظرياً قيمة تذكرة السفر والرحلة عموماً.
إذ كان السائح يدفع في رحلة إلى مدينة أنطاليا أو اسطنبول في تركيا 500 دولار (750 ألف ليرة) لمدة خمسة أيام، فيما يتوجب عليه اليوم دفع ما يقارب 6 ملايين ليرة للاستمتاع بالرحلة نفسها. ما يجعل فئة ضئيلة جداً، من رجال الأعمال مثلاً، قادرة على السفر إلى الخارج.
وبالتالي، تبدو فكرة السياحة في الخارج شبه خيالية لمعظم اللبنانيين. وهذا ينعكس بطبيعة الحال على مكاتب السياحة والسفر، التي تعتمد بشكل كبير على السياحة الرخيصة في الدول المجاورة، ما يتسبب في خلق أزمة جديدة في قطاع السياحة والترفيه.
الفن والسينما للأغنياء
أما قضاء إجازة صغيرة في لبنان، والانتقال ما بين المقاهي ودور السينما، فقد يكون أيضاً صعباً على فئات كبيرة من المجتمع اللبناني. فتذاكر حضور مهرجان فني، أو حضور فيلم سينمائي، قد تصل تكاليفها ما بين 120 ألف ليرة (على اعتبار سعرها 10 دولارات) ومليون و300 الف ليرة (100 دولار) لحضور مهرجان فني أو غنائي. فمن يستطيع دفع راتبه لحضور أمسية فنية؟
تعليقات: