ينشرون غسيلهم على السطوح على مرأى ومسمع من العالم
نجيبة إمرأة من الوزن الثقيل، تلبّد الشحم فوق لحمها، فأسمن جسمها وترهّل ، ورغم ذلك ، لم تتذمّر يوما” ، ولم تعر أي إهتمام ، للإبتكارات التجميليّة الضّاربة في عالم النساء ، من مساحيقٍ وأدويّةٍ ومنتوجاتٍ ومستحضرات ، وحُقن ٍ وزرع ٍ وعمليات ، والتي تتجدّد وتًستحدث بإستمرار مع بزوغ كل فجر ، حتى أضحت المهووسات بالجمال وهنّ الأغلبيّة ، لا سيما القادرات منهنّ ، على تحمُّل المصاريف والنفقات ، يتسابقنّ مع الوقت ليخلعنّ المركّب القديم ، من براقع وجوههنّ وقوالب أجسادهنّ ، ويستبدِلونه المرة تلو الأخرى بآخر ما أُطلقته عبقريّة المصمِّمين والمنتجين في الأسواق من الصرعات الجديدة التي لا تقف عند حد ، وهكذا يكون المحظوظ من الرجال الذي يهوى التغييّر ، قد تزوّج بعددٍ من النساء في إمرأة واحدة ، أما المنكود الحظ منهم ، الذي يبغي الوفاء لحبه الأول ، فيكون قد إقترن بعددٍ من الخائنات في زوجة واحدة .
ومما زاد في الطين بلّة ، أن نجيبة لم تخرج عن خط هذه الموضة فقط ، بل أهملت الأعتناء بهندامها وشكلها الخارجي ، ففقدت نعمة أنوثتها ، وكانت متسلِّطة على زوجها المنحوس ، غير آبهة بمشاعره وأحاسيسه ، والأسوأ من كل ذلك ، فقد كانت ” ضروط ” تغافلها الأصوات المزعجة من حين لآخر ، فتتسبّب بالحرج والخجل لكليهما، خاصة ً عندما يكون أحد الناس أو بعضهم متواجدين معهما. في أحد الأيام أراد زوجها، إستضافة صديقٍ له من الجنسيّة الفرنسيّة، فأوصى زوجته مرارا ً وتكرارا ً، وألحّ عليها كثيرا ً لكي تتنبّه جيدا ً لنفسها، لئلا يفلت منها و كعادتها ما يحمل الجرصة والبهدّلة له ولها ، أمام ضيفهما العزيز . فقاما بتحضير مائدة على شرفه ، عامرة بما لذّ وطاب من المأكولات اللبنانيّة الشهيّة ، ولمّا وصل الزائر، إستقبلاه بالترّحاب وكانت كلمتّا الأهلا ً والسهلا ً لا تفارقان لسانهما منذ لحظة وصوله ، وحتى جلوسه على المائدة وشروعه بالأكل ، وكان الفرنسي يهزّ برأسه فرحا ً مبتسما ً، وما أن نهضت نجيبة عن كرسيّها ، ومدّت يدها لتطال إحدى قناني المشروب ، حتى وقع المحظور، وإنطلق من مؤخرتها ما كان بالحسبان ، فإنصدم الجميع ، وخصوصا ً الزوج ، فقد أصابته الرعدّة من شدّة غضبه ، فأمال برأسه بإتجاه زوجته وهمس في أذنها قا ئلا ً: ” لقد فضحتينا ، سوّد الله وجهك يا نجيبة ” فأجابته : ” لا يهمّك يا رجّال هيدا أجنبي ما بيفهم عربي ” .
وأنتم يا قادة هذا الوطن وسياسيّيه ومسؤوليه ، أتعتقدون ، كما إعتقدت الست نجيبة ، بأنّ العالم لا يفهم عليكم ، فتنشرون غسيلكم على السطوح ، على مرأى ومسمع منه ، فتتشاجرون بعضكم بعضا ُ ، وتشطّون بعيدا ًعن أصول اللياقة السياسيّة ، فتتناولون أخصامكم ، بالمقلوب والمعيوب من الكلام ، بدون تدبُّرٍ وترو ٍ، قذفا ً ورميّا ً بأبشع اللعنات والشتائم ، وذمّا ً وتجريحا ً بأسافل النعوت والأوصاف ، وبسوق اللإتهامات العشوائيّة الباطلة بالخيانة والعمالة . كفاكم إسفافا ً وتدنيّا ً، كفاكم تضليلا ً وضلالا ً ، لقد سودّتم أنتم أيضا ً وجه لبنان ، هيّا إرتقوا الى المستوى الراقي المطلوب ، بالتّعامل المتمدِّن والحضاري ، الذي يليق بوطنكم وبكم وبشعبكم !
لقد أتعبتم أشقاءكم العرب ، الذين يتكلمون لغتكم ، ففهموا عليكم وتفهّموكم مرّة أُولى وثانيّة وثالثة ورابعة ولا يزالون ، وعملوا على إصلاح ذات البين ورأب الصدع فيما بينكم ، باطلاق المبادرات الوفاقيّة في محطات عديدة ، بدءا ً بالقاهرة وتونس ودمشق والطائف وصولا ًالى الدوحة وغيرها من المحطات المتفرِّعة ، حتى أنكم أتعبتم العالم والأصدقاء ممن لا يتكلمون لغتكم ، فلكل يفهمكم ، وها أنتم ما زلتم على حالكم ، “دق الميّ ميّ ” لاتتغيّرون ولا تتبدلون ولا تستفيدون من دروسكم ، إخجلوا من أنفسكم ، وأتحدوا وتآزروا تحت راية بلدكم ، فالعالم أشقاء وأصدقاء ، سوف يقرف من خصوماتكم وسخافاتكم ، وسوف ينفر من مشاكلكم ، إذا ما إستمرت ، والتي ما أن يحلّوا الواحدة منها ، حتى تُخلف بأُخرى أكثر تشابكا ً وأشدّ تعقيدا ً وصعوبة ً ، وهكذا دواليك ، أو أليس للعالم مشاغل إلا أنتم يا سادة ، فإتقوا الله ولا تتمثلّوا بنجيبة يا نجباء لبنان.
تعليقات: