ديكتاتوريات زعماء الطوائف: برامج استثمارية ورشى للانتخابات

غياب المعايير المؤسساتية والقانونية، يضع رئيس الجمهورية في خانة الحاكم بأمره (دالاتي ونهرا)
غياب المعايير المؤسساتية والقانونية، يضع رئيس الجمهورية في خانة الحاكم بأمره (دالاتي ونهرا)


تبتعد أعمق المشاكل التي يواجهها اللبنانيون من تفاصيل أزماتهم السياسية والاقتصادية والمالية اليومية، الغارقين فيها. والمشاكل العميقة تلك، أبعد بكثير من مشكلة تشكيل الحكومة، أو انتظار انتخابات نيابية يراهن البعض على احتمال أن تنجلي عن تغيير جذري في المجتمع السياسي.


ديكتاتوريات وديموقراطية!

مع اندلاع أحداث الربيع العربي كان بعض اللبنانيين يستبعدون قيام حركة تماتل حركة شباب ذلك الربيع، على اعتبار أن لبنان دولة ديمقراطية تقوم على انتخابات نيابية. لكن الجواب العميق والجذري والدقيق، كان التهكم على الديموقراطية اللبنانية: لبنان يعيش في ظلال ديكتاتوريات متعددة، من زعماء الطوائف أو الأحزاب الطائفية، إلى زعماء المال والخدمات، وزعماء المصارف وحاكم مصرف لبنان، وصولاً إلى رجال الدين، وسواهم.

ووصل لبنان إلى حال تحلل مؤسساته كلها. لو كان فيه ديكتاتور معلن، لكان ذلك أمر يمكن التسليم به. ولكن ما يجري اليوم في ظل غياب كامل للمعايير المؤسساتية والقانونية، يضع رئيس الجمهورية في خانة الحاكم بأمره في الاجتماعات التي يعقدها والتوجيهات التي يعطيها، وهي تتعارض مع عمل المؤسسات الأخرى. وهذا إضافة إلى استئثاره بتوقيع وختم رئاسة الجمهورية لفرض شروطه السياسية، في تشكيل الحكومة وفي الشؤون المالية والقضائية.

وهذا ما ينطبق على المجلس النيابي، ورئاسة الحكومة بشقيها: الرئيس الموجود بحكم تصريف الأعمال، والرئيس المكلف الذي انتزع التكليف ولا يمكن انتزاعه منه.

هذه المشاهد – الوقائع هي نتاج أزمة أساسية تتشبث بالنظام اللبناني منذ زمن. ونجحت التوازنات الإقليمية والدولية في إرسائها وتكريسها بنسخة سورية، منذ أيام الوصاية. وذلك بالفصل بين السياسة والاقتصاد، وإيكال أمور كل منهما إلى جهة تتعارض مع الأخرى.

فالمشهد الأمني والعسكري والسياسي الخارجي يمسك به حزب الله. أما المشهد الإداري والتنفيذي فيمسك به رئيس الجمهورية، من خلال ختمه وتوقيعه. ومن يمسك المفتاح هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكل طرف من هذه الأطراف يرفع نسبة التحكم والتسلط لتعزيز موقعه وتثبيت تموضعات حكمه. وتقوم بين هؤلاء الأطراف صراعات لا تنتهي، وصولاً إلى ما يطال حياة الناس ومصالحهم وحقوقهم.


أموال ورشى وانتخابات

وتهدف فكرة توزيع الدولارات على المودعين إلى التخلص من الحسابات الصغيرة، وتخفيف حجم الأعمال لدى المصارف. وفي حال دفعت مبالغ بالدولار ومبالغ أخرى بالليرة اللبنانية على أساس سعر السوق، يقود ذلك إلى المزيد من طباعة الليرة اللبنانية، أي زيادة الكتلة النقدية التي تؤدي إلى تفاقم التضخم والأزمة، وارتفاع كبير في سعر صرف الدولار.

إلى جانب هذا الجنون، يستمر التفكير في الحسابات الانتخابية من خلال "البطاقة التمويلية" التي لا تتوفر الأموال لها على الإطلاق. وستكون تداعياتها مشابهة تماماً لنتائج سلسلة الرتب والرواتب التي كانت انتخابية.

والهدف من هذا كله، هو كسب الوقت، في انتظار أن تعيد الطبقة السياسية تجديد شرعيتها بالرشى والاستثمار في المذهبية والطائفية، تحضيراً للاستحقاق الانتخابي على إيقاع المفاوضات الإقليمية والدولية. وتكون نتائج الانتخابات معروفة مسبقاً، مع وجود تنافس في مناطق متعددة، يؤدي إلى بعض التغيير من ضمن النظام، كزيادة حصة القوات على حساب التيار العوني، وحصة السنة المعارضين للحريري على حسابه. إضافة إلى تحقيق المجتمع المدني خروقات، استناداً إلى مناخ الثورة والغضب. لكنها اختراقات لن تكون مجدية، أو قادرة على إحدات تغيير.


رأسمالية فجة

حتى المشاريع المطروحة لإعادة إعمار مرفأ بيروت، لن تكون مختلفة عن نموذج سوليدير. ففي حال جاءت ألمانيا لبناء المرفأ، فبناءً على عقود مدتها 50 سنة في الحدّ الأدنى. والدول الأجنبية لديها ذرائع لإدخال الرأسمال، باسم مكافحة الفساد، وبناء على نظرية عدم دفع أموال، بل المساعدة بالاستثمارات.

مثل هذه النماذج قد تؤدي إلى عدم معالجة المشاكل الاجتماعية، المتفاقمة على إيقاع سعر دولار عائم ومفتوح. فيكون العمل بناءً على قواعد الرأسمالية بطريقة فجّة، لا تراعي الأوضاع الاجتماعية. ما يعني أن لا عمل مضموناً لمدة طويلة. وعليه تتمركز الثروة لدى جهات لا تمثل أكثر من 1 أو 2 في المئة من اللبنانيين.

نظرياً وشكلياً قد تكون أوضاع لبنان قابلة للتحسن. ولكن المجتمع وطبقاته الوسطى والدنيا، لن يصيبها أي تغير أو تحسن. وفي حال إجراء انتخابات، ستثبّت نتائجها الطبقة السياسية، التي تتحالف مع شركات ترعاها الدول الخارجية لتسيير وتسهيل المشاريع. وينطبق الأمر نفسه على ملف الحدود البحرية والنفط والغاز.

ولا شك في أن ذلك كله يحتاج إلى توفر أجواء إقليمية هادئة تنحو نحو التهدئة والحوار. وهذا متعلق بوضع حزب الله في هذه المعادلة. فهو عنصر أساسي في التركيبة. في حال كانت التسوية قابلة للعيش. أما الاحتمال الثاني فهو بقاء حزب الله رافضاً لذلك، فتبقى عناصر التفجير قائمة.

تعليقات: