تفجير الانتخابات النقابية لا يزال وارداً بالتعطيل والبلطجة المعتادين (مصطفى جمال الدين)
عادت منظومة السلطة في مجلس نقابة المهندسين في بيروت وحدّدت موعداً لإجراء الانتخابات النقابية، للمندوبين في 27 حزيران الجاري، وللنقيب و10 أعضاء من مجلس النقابة في 18 تموز المقبل. خبر مماثل، قد يكون عادياً وطبيعياً، إلا أنّ واقع الأمور في تأجيل انتخابات المهندسين ستّ مرات، وتعطيل أحزاب المنظومة لاجتماعات إقرار مواعيد الانتخابات، يطرح تساؤلات عديدة حول الموافقة السياسية الأخيرة والسير بالاستحقاق الانتخابي. لماذ قبلت أحزاب السلطة في إجراء الانتخابات اليوم؟
اتفاق سياسي
قد يكون للدعوى القضائية التي تقدّمت بها "النقابة تنتفض" تأثيراً جدياً في تعديل موقف أحزاب السلطة بتعطيل الانتخابات. وقد يكون أيضاً للفضيحة المدوية المتمثّلة بالتأجيل المستمر أيضاً دوراً في القرار الأخير. لكن من يعرف منظومة الحكم، بميليشياتها وبطلجيتها ومنطق التعطيل والفراغ والمحاصصة، يدرك أن سلطة مماثلة لا تتأثّر بفضائح مماثلة ولا يهمّها رأياً عاماً هي قادرة على إدارته في خطاب طائفي ومذهبي وكراتين إعاشة. وفي هذا الإطار، يقول متابعون لواقع انتخابات نقابة المهندسين إنّ "ثمة اتفاقاً سياسياً غير واضح الملامح بعد بين أحزاب السلطة ومكوّناتها". وهو ما تمثّل بتعديل كفّة الموافقين على إجراء الانتخابات في مجلس النقابة.
ثلث أعضاء المجلس
مع العلم أنّ هذه الأحزاب تنطلق في الانتخابات وهي ممثلة بـ5 أعضاء في المجلس الحالي، في حين سيتم الاقتراع لعشرة أعضاء آخرين إضافة إلى موقع النقيب. وبالتالي، أحزاب المنظومة ضمنت بالحد الأدنى ثلث أعضاء مجلس النقابة قبل انطلاق الاستحقاق، بعد أن عطّلت تطبيق المادة 39 من قانون تنظيم مهنة الهندسة. والمادة الأخيرة تنصّ على أنه "يعتبر مجلس النقابة منحلاً إذا بلغ عدد المراكز الشاغرة فيه ثلثي أعضائه". وهو الأمر القائم منذ منتصف نيسان الماضي، إذ انتهت ولاية 5 أعضاء في 15 نيسان 2021، كما سبق وانتهت ولاية خمسة أعضاء آخرين في 15 نيسان 2020. وهو ما يؤكد استمرار العمل وفق "البلطجة السياسية" على يد منظومة الحكم.
مستقلّون.. صيغة الأحزاب
لكن ما هو ثابت، أنّ هذه الأحزاب تسعى اليوم إلى تبنّي ترشيح مهندسين "غير فاقعين في انتمائهم الحزبي والسياسي". هذا من جهة، أما الجهة الأبرز، فهو أنّ بعضاً من أحزاب المنظومة قد يعمد خلال الأيام المتبقية قبل الاستحقاق الانتخابي، إلى تبنّي لوائح مشتركة مع جهات تصنّف نفسها مستقلّة، وتمثّل حالة التغيير التي فرضتها انتفاضة 17 تشرين. وهو الأمر الذي ظهر في الأيام الأخيرة من خلال لقاءات واجتماعات ضمّت عدداً من المهندسين المستقلين، المنضوين في "جبهات" مستقلّة أو حتى بشكل فردي. وهو في الأساس، أسلوب تعتمده أحزاب السلطة منذ انطلاق الانتفاضة، لتفريق صفوف المعارضين والمتمسكين بالطروحات البديلة.
معمعة مذهبية
ويبدو أنّ تأثير محاولة تجنيد أحزاب السلطة لبعض المجموعات أو المهندسين المستقليّن بدأ ينفع. فبرزت خلال الأيام الماضية خلافات داخل تيارات من 17 تشرين. إذ طالب أحد هؤلاء استبعاد أسماء أحد المرشحين لموقع النقيب بناءً على انتمائه الطائفي. لا بل المذهبي. العرف المتحكم بالنقابة، كما حال بعض النقابات الأخرى، ينصّ على أن يكون موقع النقيب مداورة بين المسيحيين والمسليمن من انتخابات لأخرى. وبعد النقيب جاد تابت، تقول هذه الأعراف إنه يفترض بالنقيب القادم أن يكون من الطوائف الإسلامية. وهنا شدّ حبال جديد، شيعي أم سنّي؟ أم درزي؟ وللأسف، دخل بعض من في 17 تشرين بهذه "المعمعة" أيضاً.
يبقى أنّ إقرار موعدي انتخابات المندوبين وأعضاء المجلس والنقيب، لا يعني شيئاً حتى الساعة. سبق للمنظومة، في النقابة، أن حدّدت مواعيد لإجراء الانتخابات وكان آخرها في 6 و13 حزيران. لكن أحزاب السلطة عادت وعطّلتها، بفعل تفجير الاجتماع الحاسم الذي يفترض أنّ يعيّن فيه مجلس لجنة الإشراف على الانتخابات، ويبت أسماء المرشحين ويقرّ الموازنة المعتمدة للاستحقاق. وبالتالي، مواعيد الانتخابات في نقابة المهندسين غير محسوم بعد، خصوصاً أنّ قوى سياسية لا تزال تطالب علناً بتعديل بعض القوانين الانتخابية وإقرار الاقتراع في مراكز المحافظات. تفجير الانتخابات لا يزال وارداً، بالتعطيل والبلطجة، فمن يسطو على بلد وشعب بكامله، لا يصعب عليه إحكام قبضته على آلاف المهندسين.
تعليقات: