إبقاء البلاد من دون محروقات هو فعل جرمي وتدميري (مصطفى جمال الدين)
تتجدّد مشكلة غياب فتح الاعتمادات الدولارية اللازمة لإدخال بواخر الفيول الراسية قبالة الشاطىء اللبناني أو تلك المنتظر قدومها. فمصرف لبنان حتى الساعة يتردد في دعم ذلك الفيول لتأمين ما يحتاجه السوق الذي يشهد فوضى طوابير السيارات أمام محطات الوقود.
والتأخير الذي يمارسه المصرف المركزي ينعكس قلقًا في الشارع وفي أوساط القطاع النفطي، سواء على مستوى الشركات المستوردة أو الموزّعين والمحطات، فكلٌّ ينظر للأزمة من زاويته ويطرح تساؤلاتٍ تصب جميعها في خانة الكارثة المنتظرة.
انهيار القطاع
الطوابير أمام المحطات تخطّت المعدّلات التي يمكن السكوت عنها، فكلّما تفاقمت أزمة البلاد على وقع التناحر السياسي واللامبالاة الاقليمية والدولية، زاد الخناق على المواطنين وأصبح الانهيار أكثر قتامة. فلا يغيب عن بال أحد أن كافة القطاعات تتوزّع بين الانهيار أو التحضير له.
وعلى صعيد القطاع النفطي، أوضح نقيب عمال ومستخدمي شركات المحروقات وليد ديب، أن عدم فتح الاعتمادات، وضع القطاع النفطي "في مهب الإفلاس والضياع والإقفال، إن على صعيد الشركات المستوردة، أو على صعيد الشركات الموزعة ومحطات البنزين". وأكد ديب في بيان له يوم الخميس 10 حزيران، أن القطاع "أصيب بالشلل وشارف على الانهيار وبات من الملح اتخاذ قرار سياسي، من شأنه حماية مصرف لبنان وحضه على فتح الاعتمادات ومنح الموافقات وتسهيل عملية الاستيراد".
يعطي ديب مهلة لا تتعدى أيامًا ثلاث، إذ أن القطاع النفطي مهدد إذا استمر رفض المركزي فتح الاعتمادات حتى مطلع الأسبوع المقبل. فإلى حينه، "نكون بلغنا ساعة نفاد مخزون الشركات".
برغم ذلك، "الاتصالات جارية لمحاولة إيجاد الحلول"، حسب عضو نقابة اصحاب محطات المحروقات، جورج البركس، الذي أبدى امتعاضه من امتناع المركزي عن تأمين الاعتمادات، معتبرًا أن ما يحصل هو "جريمة بحق البلد. ووقف الاستيراد المفاجىء، وإبقاء البلاد من دون محروقات هو فعل جرمي وتدميري".
المصارحة مطلوبة
ما ينتظر البلاد هو رفع الدعم الأكيد والحتمي. وما التطبيق سوى مسألة وقت وقرار سياسي. وأرباب القطاع النفطي على دراية بحقيقة رفع الدعم، وأن مماطلة المركزي في توفير الاعتمادات للاستيراد، تهدف لتمهيد الطريق لذلك. وهو ما يرفضه البراكس مطالبًا المركزي والحكومة بالمصارحة واعتماد خطة تدريجية لرفع الدعم، مقترحًا "تخفيض الدعم تدريجيًا بنسبة 22 بالمئة شهريًا لمدة 4 أشهر. وإقرار مجلس النواب قانون البطاقة التمويلية التي يبدأ العمل بها خلال الشهر الثاني من بداية رفع الدعم. وتأمين مصرف لبنان خلال هذه الفترة الاعتمادات المطلوبة لاستيراد المحروقات، التي توقف الطوابير والاذلال وتقنين المولدات. واتخاذ وزارتي الاقتصاد والطاقة ومنشآت النفط والأجهزة الأمنية كافة الاجراءات المتوجبة لوقف تسليم المحروقات لتجار التهريب المعروفين جيداً. وتسليم المحطات على كامل الاراضي اللبنانية مادتي البنزين والمازوت من خلال الشركات المستوردة المتعاقدة معها أو شركات التوزيع". أما كلفة هذه الخطة "فهي 750 مليون دولار، سيعاد تكوينها بالكامل وأكثر، من أموال المغتربين والسياح الذين سيمضون العطلة الصيفية في لبنان". وفي حال الإصرار على إبقاء الدعم، فعلى الحكومة "اتخاذ كافة الإجراءات لتأمين الدولارات لاستيراد المحروقات".
الصيغة الحالية التي تُدار بها أزمة المحروقات تشبه ما حيك لخطة دعم المواد الغذائية. لكن فات المنظومة الحاكمة أن تداعيات عدم رفع الدعم بشكل واضح وصريح، تختلف عمّا يحصل للمواد الغذائية. فإذا كان رفع الدعم عن المواد الغذائية لم يُتَّخَذ رسميًا بعد، إلا أن أزمة البنزين أشاحت النظر عن عدم توفّر المواد المدعومة، كما أن تعدّد الأصناف الغذائية جعل من شح المدعوم أمرًا يمكن تجاوزه أو اعتياده، على عكس البنزين الذي لا بديل له.
ولأن رفع الدعم آتٍ، تتبع المنظومة آلية لا أخلاقية لرفع الدعم وامتصاص رد فعل المواطنين. فهي تُفاقم أزمة المحروقات عبر تقنين دعم استيرادها، ليصبح أقصى طموح اللبنانيين توفير المادة مهما بلغ سعرها. فالسعر المرتفع مقبول نسبيًا مقارنة مع الانقطاع التام. فيقع المواطن رهينة الخيار بين الانقطاع التام والسعر المرتفع. وهذه الآلية جُرِّبَت مؤخرًا من قِبَل مصرف لبنان، حين رَدَّ على مجلس شورى الدولة بأن أوقَفَ قرار الإفراج عن السحوبات بسعر 3900 ليرة للدولار، واضعًا الخيار الآخر، هو السحب على أساس 1500 ليرة، فارتضى المودعون بالسعر الأعلى، وهو سعر مجحفٌ. لكن الإجحاف أفضل من العَدَم.
تعليقات: