قبل سبعة أشهر، كان المشروع الرئيسي ما بين التيار الوطني الحر وحزب الله هو «تطوير التفاهم للتفاهم حول كيفية بناء الدولة»، وهو ما لم يحصل لسبب أساسي، يلخّصه التيار بالآتي: «حلف المقاومة مع نبيه بري». وفيما يصرّ حزب الله على العلاقة الوطيدة مع بري، بدأ الامتعاض العوني يخرج الى العلن ولا سيما مع تكليف الأمين العام لحزب الله رئيس مجلس النواب، خصم العونيين الأول، التوسط في الخلاف على تشكيل الحكومة. هكذا اشتعلت النيران بين الطرفين
منذ نهاية العام الماضي، يتحدث كل من التيار الوطني الحر وحزب الله عن تطوير وثيقة تفاهم مار مخايل التي دخلت عامها الخامس عشر. الطرفان أقرّا بأن التفاهم بحاجة الى تفاهم، وشكلّا لجنة مشتركة للتنسيق وإعادة درس النقاط الواردة في الوثيقة وما يجب تعديله أو إضافته. كان تركيز رئيس التيار جبران باسيل على موضوع «بناء الدولة» الذي إن فشل، «تنتفي معه الحاجة الى التفاهم». فيما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن «الردّ على العقوبات الأميركية يكون بتطوير العلاقة مع التيار الوطني الحر». مذذاك مرّت الأيام من دون أي نشاط في هذا السياق، ووُضّب مشروع تطوير التفاهم حتى إشعار آخر. ليس ذلك فحسب، بل دخل هذا التحالف أخيراً مرحلة تأزم مع بدء الردود والردود المضادة بين الطرفين، وآخرها كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في مقابلة مع موقع «المدن» عن وقوف حزب الله على الحياد تجاه تمسك رئيس مجلس النواب بتكليف سعد الحريري ودعمه، مستشهداً بقول للإمام علي: «المحايد خذل الحق ولم ينصر الباطل». تلت ذلك رسالة وجّهها النائب العوني السابق نبيل نقولا الى نصر الله، أمس، أشار فيها الى أن أصابع الاتهام تتّجه الى حزب الله في موضوع تهريب المواد الأساسية، ليضيف: «تكلمتم على الفاسدين، واعتبرتموهم كالعملاء (...) ما يحدث اليوم أنتم متّهمون، وكأنكم اخترتم حليفاً طائفياً خوفاً غير مبرر على طائفتكم الشيعية، وفضّلتموه على شريك لبناني يجمع من حوله أبناء من كل المذاهب والمناطق (...) كنتم تراقبون تهريب مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج من قِبل حلفاء، وخصوم، ولم تحركوا ساكناً، وكنتم قادرين على دعم معركة أكثرية الشعب اللبناني ضد الفساد، ولم تفعلوا». ورأى نقولا أن تلويح الحزب بملفات الفساد (في إشارة الى النائب حسن فضل الله) يأتي «ضمن مسلسل تضييع المعركة ضد الفساد وتمييعها». وأنهى رسالته بالقول إنه «لا يمكن البقاء على هذا الوضع بحجة القويّ في طائفته، وخصوصاً السكوت عمّن سرق، وأهدر جنى عمر كل اللبنانيين ومنع التدقيق الجنائي وإعادة ما يمكن إعادته من الأموال المسروقة».
قبيل رسالة نقولا، برز صباح أول من أمس تصريح لرئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين حمّل فيه المشكل الحكومي القائم الى «بعض السياسيين الذين يريدون أن يتوصلوا الى تحقيق مآرب شخصية عادية لهم، لم يتمكنوا من تحقيقها في الأيام الطبيعية»، ونبّه من «كثرة التلاعب بالمناورات السياسية والشروط والشروط المضادة من هنا أو هناك... من الضروري أن يعرف هؤلاء أنهم يتلاعبون بكرامة اللبنانيين والمصالح الوطنية»، وهو ما فُسّر بأنه غمز من قناة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
هكذا، احتقنت الأجواء بين العونيين وحزب الله، والسبب الأساس في الخلاف هو «رئيس مجلس النواب نبيه بري». ففي اتصال مع «الأخبار» أكد أنه تكلّم «بلسان الشعب وبما يقال في كل بيت عن تمسك حزب الله ببري ورفضه التعاون مع عون في ما خص التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد. فلا يمكن للرئيس عون أن يسدّ أذنيه لعدم سماع صراخ الناس والساكت عن الجريمة شيطان أخرس». وسأل نقولا: «كيف يمكن غض النظر عما يفعله الحزب بحمايته لبري وتستّره عن الفاسدين وتمسّكه بسعد الحريري على أنه المنقذ؟ نحن نخاف على المقاومة من أن ينخرها الفساد، ولا نسعى إلى حرب أهلية، ولكن الواقع أن البلد خرب».
مصادر 8 آذار: الحزب لم ولن يدخل في نزاع مع بري كما يريد التيار الوطني الحر
هل تعبّر رسالتك عن مزاج في القصر الجمهوري والبياضة أو قرار ما لفتح النار على حزب الله؟ يجيب نقولا: «كلامي يعبر عن وجع الناس وعن الحقيقة التي يحاول الحزب إخفاءها حماية لحليفه من الطائفة عينها، وهي عمّن يتلاعب بالدولار ولمن يتبع المدعي العام المالي والمدعي العام التمييزي، وعمّن يقول لي اذهب وتشاور مع بري لحلّ مشكلة الحكومة وأزمة البلد».
من جهة أخرى، تنفي مصادر التيار الوطني الحر أن يكون ثمة علاقة بين حديث عون ورسالة نقولا أو أن يكون ثمة إيعاز بمهاجمة حزب الله. لكنها، في المقابل، تؤكد على ما قاله نقولا من أن كلامه يعبّر عن «مزاج الشارع العوني والمسيحي ككل، وعن السؤال الدائم لقاعدتنا في كل المناطق عما جنيناه من حلفنا مع حزب الله سوى العقوبات وإغلاق الأبواب الأميركية والأوروبية وسواها والحملة الداخلية الممنهجة في وجهنا. فيما هم (حزب الله) يتمسكون بالحريرية السياسية التي صار يجسدها بري لا الحريري، ويتعذر عليهم مناصرتنا في معاركنا خوفاً على رئيس مجلس النواب، حتى إنهم باتوا رأس حربة في خلافنا مع الحريري إلى درجة أنهم كلفوا بري للتوسط بيننا، مع معرفتهم المسبقة بأنه منحاز الى الرئيس المكلّف. ما يفهم ضمنياً أنها رسالة بالغة الوضوح عن وقوفهم هم أيضاً في صف الحريري لا على الحياد». وتضيف المصادر إن التيار ليس في صدد التجنّي على الحزب و«حريص على العلاقة التي جنّبت لبنان الكثير من المآسي وحمت أرضه من الأطماع الخارجية والداخلية، لكن كل ذلك في ميل وانتظار لبن العصفور من بري في ميل آخر. حتى إن النائب جميل السيد تحدث عن معادلة السلاح مقابل السكوت عن الفساد». المطلوب اليوم، بحسب المصادر، «التخلي عن تسميتنا لوزيرين مسيحيين، بينما هم رفضوا التخلي عن وزارة المالية، وكان بوسعهم إشعال حرب للحفاظ على هذا المكتسب». وتشير المعلومات الى إبلاغ عون حزب الله أن «ما يفعله بري هو «كومبين» يريد من خلاله إغراقتا ولن نقبل بالسير وراءه، كما تشير معلومات أخرى الى تقديم باسيل طرحاً يربط فيه موافقته على تسمية الحريري للوزيرين بموافقة الثنائي على التخلي عن وزارة المالية.
من جانبها، تضع مصادر رفيعة في قوى 8 آذار ما يقوم به التيار الوطني الحر اليوم في إطار سعيه «لجرّ الحزب الى خلاف مع بري». وتكتفي بالرد بجملة واحدة: «نحن لم ولن ننجرّ الى نزاع مع رئيس مجلس النواب». وسط هذا المشهد كلّه، بدأ بري حملة مضادة للتصعيد في وجه عون وباسيل عبر التأكيد في حديث صحافي أنه متمسك بالحريري الى النهاية ولن يسمح له بالاعتذار، تبعه تصريح من النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم يقول فيه إن موضوع الاعتذار قد طُوي.
تعليقات: