العزوف عن الزواج: لبنان نحو الشيخوخة


في ظل الأزمة الاقتصادية المالية، صارت الهجرة الخيار الوحيد أمام الشباب. لكنها هجرة لا تقتصر على الخروج من البلد بحثاً عن مستقبلٍ أفضل، وإنما تمدّدت لتطاول «مؤسسة» الزواج، حيث تكبر لائحة الشباب الذين قرروا هجر هذه «المؤسسة» والبقاء في خانة «العازبين» حتى إشعارٍ آخر

استسلمت مايا (30 عاماً) للأمر الواقع، بعدما تركها خطيبها وقرّر الهجرة. فهنا، بات من المستحيل تأسيس عملٍ… وعائلة في ظل أزمة اقتصادية تشتدّ يوماً بعد آخر. انتفت الخيارات في بلد صار لمايا وخطيبها سجناً كبيراً. مع ذلك، لم «يقطع» هذا الخيار بسهولة، إذ وضعهما أمام ضغوط جسدية ونفسية تصل إلى حدود فقدان الشعور بلذة أبسط الأشياء.

بعد عامين ونيف من الأزمة، لم تعد قصة مايا وخطيبها استثناء. لائحة القصص تطول يوماً بعد آخر عن شبابٍ قرروا العزوف عن الزواج، بعدما باتوا عاجزين عن تأمين دخل يومهم. الانهيار الشامل «سيفرّخ أزمات معيشية وإقتصادية وإجتماعية أسوأ ستؤثر على البنية المجتمعية للبنان من خلال إضمحلال فرص العمل وغياب اليد العاملة وازدياد نسبة البطالة وهجرة الأدمغة وصولا إلى تفكك الأسر والعزوف عن الزواج»، بحسب المحللة الاقتصادية فيوليت بلعة. وما يزيد الطين بلّة هنا هو «أنماط الزواج التقليدية وتكاليفها الباهظة». لكل تلك الأسباب، تراجعت صحّة اللبنانيين النفسيّة وهيمن السلوك العصبي والغضب عليهم، «وأضحى القلق والاكتئاب والتوتر من سمات شخصيّة اللبناني»، تتابع بلعة. أما تبعات هذا الأمر، فتُترجم في شيخوخة المجتمع وهرم أبنائه وتراجع نسبة الإنجاب لاعتبارات اقتصادية ومهنيّة. ماذا يعني ذلك؟ تغيّر في الهيكليّة الديموغرافية للمجتمع اللبناني بتفريغه من شبابه وارتفاع نسبة الكهولة، وتغيير في طبيعة العائلة واتجاهها نحو النموذج الغربي الصغير أو العائلة النواتيّة!

يلفت طبيب علم النفس العيادي، نبيل خوري، إلى أن «الإنسان بفطرته بحاجة إلى تعزيز الشعور بقيمته الذاتية وأهمية وجوده لاستكمال دوره الاجتماعي وعدم الإحساس بالعجز والنقص أو أنه غير فاعلٍ، وتأخر الزواج لما بعد الـ30 عاماً قد تكون له آثار سلبية على نفسية كل من الرجل والمرأة خاصة في بيئتنا العربية، الأمر الذي يجعل من هذه الظاهرة كابوساً يطارد أغلبيّة الشبّان والفتيات في لبنان الذي تصدّر قائمة البلدان العربيّة في أعلى معدّل تأخر سن الزواج، أو ما يسمّى بالعنوسة».

أمام هذا الواقع، ينحو الشباب نحو عدم المجازفة في الارتباط بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. الصيدلي حسن صالح (28 عاماً) واحد من هؤلاء، بات على مقربة من اتخاذ قرار الهجرة. يفضّل ألا يكون «أنانيّاً وأرتبط بحبيبتي وأحطّم مستقبلاً في انتظارها». من جهتها، ترى ميرا مازح (32 عاماً)، وهي موظفة بنك، أن الزواج يثبت في ظل هذه الأزمة أنه «مؤسسة فاشلة وخير دليل على ذلك نسبة الطلاق لأسبابٍ ماديّة أو اقتصاديّة»، مؤكدة أنها تفضّل أن تنفق على نفسها بنفسها وعدم تحمّل أعباء الزواج والأطفال مع زوج تشاركه هذا القلق اليومي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رشا جبّور (31 عاماً)، الذي بات الزواج بالنسبة إليها «مسألة صعبة» وهو أشبه بـ«مؤسسة تجاريّة تحتاج إلى رأس مال ضخم من دون القدرة على مواجهة غلاء الأسعار». أما مروان السعدي (37 عاماً) فلا يفكّر بالزواج أصلاً رغم حلمه بأن يصبح أباً. ما يفكّر به اليوم هو ضمان قدرته على إعالة أبويه وأخيه.

هذه ليست قصصاً. هذا واقع يعيشه الشباب اليوم في ظل أزمة خانقة. ولا يبدو أن ثمّة فكاكاً مما يحدث، ففي كل يومٍ تتأزم الأوضاع أكثر، تتوسع دائرة الهجرة المفتوحة على خيارات كثيرة: ترك البلد والزواج والعائلة.

تعليقات: