تلوث مياه الدردارة.. عرض لجذور المشكلة المتفاقمة


إستوقفني ما تم نشره مطلع هذا الشهر، عبر موقع "خيام دوتكوم" (تحت عنوان التلوث الذي تشهده الدردارة حالياً يفوق التصوّر.. برسم رئيس البلدية)، نتيجة لما يعاني منه هذا المعلم من إهمال وأفعال غير مدروسة إستمرت على مدى حقبات من الزمن ما أدى إلى الإضرار ببيئته ووظيفته الأصلية.

ولأهمية الموضوع أرجو منكم التفضل بقبول نشر هذه المقالة التي سأعرض من خلالها وجهة نظري لجذور هذه المشكلة المتفاقمة مع مرور الزمن تمهيداً لإيجاد الحلول المناسبة ومعالجتها.


تمهيد

نشير بدايةً إلى أن مياه نبع الدردارة تنبثق من مكانين رئيسيين، الأول محاذي للطريق العام وعدد فوهاته خمسة وتقع تحديداً ضمن الفسحة الكائنة أسفل القنطرة الكبيرة من الجسر الحجري الذي تم انشاؤه قرب الطريق العام، أمّا المجموعة الثانية فتتكون من حوالي سبعة فوهات تقع جميعها قريباً من وسط الضلع الشمالي للبحيرة.

كانت مياه النبع قبل تهجير البلدة عام 1977 صافية تماماً وكان معظمنا يشرب منها أو يغتسل بها أو يمارس السباحة في البحيرة أو يتنزه على ضفافها، وقد إستمر هذا الوضع أيضاً على هذا النحو بعد عودة أهالي البلدة إليها عام 1983.


أولاً: الأعمال التي أدت إلى تدهور أوضاع النبع خلال فترة الإحتلال

بدأت أوضاع البحيرة تتدهور خلال فترة الإحتلال حين قامت إحدى الجمعيات بتمويل ما أطلق عليه في حينه مشروع تنظيف حوض الدردراة، فتمت إزالة شبه الجزيرة الترابية التي كانت تقع في وسط الجزء الغربي منها ما نتج عنه إضطراب خطير في الحياة البيولوجية للبحيرة، كما تم إنشاء تصوينة خرسانية ذات أساسات عميقة للناحية الشمالية من الحوض، هذه التصوينة أدت إلى فصل حوض البحيرة عملياً عن محيطها الطبيعي بما يعنيه ذلك من وقف لنمو وتطور الحياة النباتية والسمكية والبيولوجية في البحيرة وإمتدادها الطبيعي، كما أدت إلى تشكيل سد ساهم في التقليل من وصول المياه السطحية والجوفية المتجددة سنوياً والمتدفقة إلى حوض سهل مرجعيون من مصادر الثلوج في جبل الشيخ وهذه المياه كانت ولا تزال تسلك مساراً جوفياً يتجه طبيعياً بإتجاه حوض النبع من الناحية الشمالية الشرقية لتغذي فوهات النبع وتعزز تدفقها السنوي وفورانها داخل حوضه.

تم أيضاً خلال هذه الفترة إنشاء مطعم (كازينو) للناحية الغربية من حوض الدردارة، وقام مشغّلي هذا المطعم بتوجيه مياه الصرف الصحي الخاصة به الى قناة ترابية تقع للناحية الشمالية الغربية منه في القسم المحاذي لطريق بلدة القليعة وهذه المياه كانت ولا تزال تتسرب من هذه القناة نحو حوض النبع وتلوثه.

كما تم خلال نفس الفترة أو قبلها تم إنشاء بئر تفتيش (ريغار) خرساني كبير يشبه الخزان المقفل في موقع يحاذي الطريق العام للناحية الشرقية من حوض النبع، وكانت المياه تدخل إلى هذا الريغار عبر عبارة تم إنشاؤها تحت الطريق، وكانت الغاية من إنشاء هذا الريغار في حينه الإبطاء من إندفاعة المياه المتدفقة من هضبة بلدة الخيام بإتجاه النبع، كذلك جعل هذا الريغار مصيدة للأتربة والأوساخ المحمولة مع تلك المياه وترسيبها داخله ثم توجيه دفقها منه إلى قناة خرسانية تم انشاؤها على الشاحط الخرساني الجنوبي لحوض النبع لتصب في القناة المتفرعة منه وتعزز جريان المياه جنوباً نحو عموم السهل، وقد تحول هذا الريغار والقناة المتصلة به لاحقاً بسبب موقعهما الغير مناسب والإهمال وعدم الصيانة وأسباب أخرى سنوردها لاحقاً إلى مصدر رئيسي لتلوث البحيرة.

و قد تسبب تنفيذ جزء من شبكة أنابيب صرف صحي في محيط حي العين غير متصلة بمحطة معالجة وقيام بعض الأهالي في كل من أحياء جبلي والتعمير والعين بتوصيل شبكات الصرف الصحي الخاصة بمنازلهم بهذه الأنابيب بتلويث مجرى نبع المسيل بعد تدفقها إليه.

و نشير إلى أن المصدر الرئيسي للمياه التي كانت ولا تزال تصب في ريغار الدردارة هو قناة مياه خرسانية ضيقة متهالكة تنحدر من الساحة التحتا بإتجاه الشوار، وهذه القناة كانت تتحول بعد تجاوزها منازل حي الشوار إلى قناة ترابية أوسع تسير بمحاذاة الطريق العام المتجه صوب السهل، وتندمج هذه القناة عند مفرق حي العين بمجرى نبع المسيل ليشكلا معاً قناة موحدة تتجه بشكل طبيعي نحو الدردارة،و كان جزء كبير من المياه المتدفقة في هذه الاقنية يتسرب إلى داخل التربة أما الجزء الباقي فكان يتابع جريانه نحو السهل وصولا الى الريغار المنوه عنها سابقاً.


ثانياً: مرحلة ما بعد التحرير

بعد التحرير تم تحويل القناة المنحدرة من الساحة التحتا وصولاً الى نبع الدردارة بأكملها إلى قناة خرسانية غير نافذة القعر والجوانب ما أدى إلى الحد من ابتلاع التربة للمياه الجارية فيها وزاد من تركيز المياه الملوثة المحمولة بواسطتها الى حوض الدردارة.

و بمرور الزمن والإهمال وإنعدام إعادة التأهيل والتسليك والصيانة، أدى تدفق المياه من بحيرة الدردراة إلى القناة المتفرعة منها المخصصة لري السهل إلى تراكم العوالق وترسب الاتربة في أرضيتها مما رفع منسوب قعرها وأدى إلى جفافها أو حال دون سهولة إنسياب المياه داخلها صيفاً وأحياناً كثيرة في شتاءً وبالتالي إختناق مياه النبع داخل البحيرة, علماً أنه في الماضي كان تدفق المياه في تلك القناة يكفي لإدارة طاحونة الرقيقة وري كامل مساحة السهل بالجاذبية بسبب وجود إنحدار وفرق منسوب بين بحيرة النبع والحدود الفلسطينية بما يعادل خمسون متراً.

تفاقمت مشكلة البحيرة بعد أن قام مستثمر المقهى الكائن فوق الجسر الحجري التجميلي المحاذي للطريق العام بإنشاء جزيرة ترابية أمام فوهات النبع مباشرة وذلك بهدف توسعة مساحة إستثمار المقهى، وقد أدى هذا العمل إلى إعاقة حركة جريان المياه من المصادر المتجددة للنبع بإتجاه حوض البحيرة وبالتالي ركودها خلف السد الترابي المستحدث وبالتالي إختلاط مياه النبع المتجددة بالمياه الملوثة المتسربة من الريغار وقناة المياه المتفرعة منه.

ما زاد الطين بلة هو القيام بمحاولات متكررة لتنظيف مياه الحوض بإستخدام حفارات ثقيلة وبطرق إرتجالية غير علمية ما أدى إلى حدوث إضطراب متكرر في مكونات الحياة الطبيعية والبيولوجية لحوض البحيرة وأدى إلى تعميق قعرها وبالتالي إحتباس المياه الملوثة داخلها.

أضف إلى ذلك الإهمال المستمر لصيانة بوابة التحكم الحديدية المخصصة للسيطرة على منسوب مياه البحيرة والكائنة في موقع محتذي لمطعم الكازينو من الجهة الجنوبية.

و إدى إنخفاض منسوب مياه البحيرة بسبب كثرة الآبار الإرتوازية التي تم حفرها شمال السهل وتشغيل محطة مياه نبع الخوخ وسحب المياه من البحيرة بواسطة مضخات كبيرة من ضمن مشروع ري سهل مرجعيون بواسطة الأنابيب إلى تفاقم أوضاع البحيرة ما نتج عنه للأسف المشهد المؤلم الذي شاهدناه في مقالكم السابق.

إن التشخيص الصحيح للمشاكل التي يعاني منها هذ المعلم قد يساعد في إيجاد الحلول العلمية الصحيحة لمعالجتها وبالتالي يساعد في إعادة إحياء دورها الوظيفي الطبيعي.

وسنحاول في مقال آخر عرض بعض الإقتراحات لمعالجعة هذه المشاكل بصورة عملية وجذرية.

التلوث الذي تشهده الدردارة حالياً يفوق التصوّر.. برسم رئيس البلدية

تلوث نبع الدردارة هو نتيجة لما يعاني منه هذا المعلم من إهمال و أفعال غير مدروسة إستمرت على مدى حقبات من الزمن ما أدى إلى الإضرار ببيئته ووظيفته الأصلية
تلوث نبع الدردارة هو نتيجة لما يعاني منه هذا المعلم من إهمال و أفعال غير مدروسة إستمرت على مدى حقبات من الزمن ما أدى إلى الإضرار ببيئته ووظيفته الأصلية


تعليقات: