«الجديد» مهووسة بالعهد وnbn تستشرس: القنوات اللبنانية تعيد تموضعها.. لحظة الانهيار


أقفل العام الماضي، على مجموعة أزمات متلاحقة غيّرت وجه الإعلام المتلفز في لبنان، وتنقّلت به بين ضفاف متعددة. ولعلّ الحدث-الذروة الذي قلب المعادلات، كان تفجير المرفأ في الرابع من آب (أغسطس)، الذي خلّف تصعيداً إعلامياً عالياً، يضاف إليه تحرك سياسي، تمثل في استقالة حكومة حسان دياب، واستقالة بعض النواب «المعارضين». التفجير الذي أزهق أرواحاً ودمّر بيوتاً وأحياء في بيروت، سرعان ما استُثمر سياسياً وإعلامياًَ على أعلى المستويات. وقتذاك، نُصبت المحاكم وحتى عُلّقت المشانق، وحلّ في الواجهة «حزب الله» بتحميله مسؤولية التفجير، وبدأ بعدها التصويب على دياب، عندما «تجرّأ» وطلب من حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، بأن يصارح اللبنانيين حول الأزمة النقدية التي ضربت البلاد. أزمة تدحرجت في بداية العام الحالي، مع بدء ظهور علامات الانهيار الاقتصادي شيئاً فشيئاً، فيما أمعنت بعض القنوات المحلية، في السير قدماً نحو تلميع صورة الحاكم، والدفاع عن المنظومة المصرفية، واستمرت حتى أيامنا هذه. أضف إلى ذلك ضخّ بروباغندا إعلامية «مستوردة» من دول الخليج، تحمّل أيضاً «حزب الله» مسؤولية انهيار الليرة، وتحرّض ضده، وتتهمه بإقامة نظام اقتصادي موازٍ للاقتصاد اللبناني، لنأتي بعد ذلك، على قضية التدقيق الجنائي، الذي أعيد إحياؤه في نيسان (أبريل) الماضي، مع تجديد العقد مع شركة Alvarez & Marsal، وإقرار «مجلس النواب» رفع السرية المصرفية، التي شكّلت في السابق إحدى الذرائع الأساسية لإعاقة التحقيق الجنائي المالي. قضية وضعها ميشال عون في أولوياته، ورأت فيها otv، مسألة «حياة أو موت للوطن». لكن سرعان ما حوربت على باقي المنابر، وعُتّم عليها، لمصلحة التواطؤ الحاصل من قبل بعض القنوات مع حاكمية مصرف لبنان، أو في أقل التقديرات التشكيك في نجاح مهمة الشركة الأميركية في التدقيق المالي في ملفات الحاكمية والمصارف وباقي المؤسسات الحكومية، وكشف المتورّطين في هدر المال العام، وسرقة أموال اللبنانيين.


انضمّت nbn أخيراً إلى محور «الجديد» مع احتدام الصراع بين الرئاستين الأولى والثانية

بعدها، كنا أمام ما يمكن تسميته بـ «الانقلاب» الذي دشّنته قناة «الجديد» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. انقلاب قد يصح القول فيه، بأنه انقلاب داخلي على هُويتها والأسس التي ارتكزت إليها لتبني مكانتها الإعلامية بين القنوات اللبنانية، ألا وهي محاربة الحريرية السياسية. وإذ بها، تحتضن سعد الحريري الرئيس المكلف، وتلقي سهامها تجاه رئاسة الجمهورية وفريقه السياسي، سيّما مع فقدان الحريري أدوات دعائية إعلامية لتياره (إقفال وأفول قنواته التلفزيونية والورقية). في ذاك الوقت، سجّلت المحطة، عبر مقدمة نشرتها الإخبارية التي بثّتها في 15 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، خروجاً فاضحاً عن أدبيات التخاطب والتعاطي الإعلامي السياسي، عبر الدخول من خطّ عرقلة تشكيل الحكومة، إلى الهجوم المباشر على ميشال عون، وصل إلى التهكم الشخصي عليه، وعلى صحته العقلية. لم تكتف المحطة بهذا الهجوم، بل سارعت بعد شهرين، إلى استضافة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في حلقة خاصة من «وهلق شو؟». استضافة أثارت الجدل والتساؤل حول أجندة المحطة التي تتلوّن مع كل تغيير، وتستخدم لأجلها أدوات مشروعة وغير مشروعة، وصلت إلى فرض شخصية لطالما حاربتها «الجديد» واتهمتها بالفساد، وإذ بها تطل عبر شاشتها، وتمنح مساحة معتبرة و«تقديراً» لافتاً. ورقة السنيورة التي استخدمتها المحطة، وازاها استخدام ورقة سياسية أخرى، تمثلت في دعم «القوات» اللبنانية، الخصم التاريخي للعونيين.

هكذا، أضحى لهذا الحزب منبر داعم له إعلامياً، تكرّس بشكل أوضح، لدى استضافة رئيس «الهيئة التنفيذية» للقوات اللبنانية سمير جعجع، في آذار (مارس) الماضي، عبر حلقة خاصة أيضاً استمرت ساعتين من الزمن، بعدما خاطبت المحطة في نشراتها الإخبارية «القوات»، بصفتها «المنقذ» السياسي للمأزق الحكومي!

هكذا، تحوّلت «الجديد» بسحر ساحر إلى المنصة الإعلامية الأكثر شراسة وهجوماً على «العهد»، من خلال إعادة إحياء وجوه سياسية على شاشتها، فقط لأنها معارضة لـ«التيار الوطني الحر» أو عبر «الانقلاب» على مبادئها التي قدّمت نفسها في الإعلام على أساسها. على سبيل المثال الصحافي جوزيف أبو فاضل، الذي كان يتسم خطابه بالتشدد «العوني» إن صحّ التعبير، ها هو يتنقّل بين «الجديد» وبرامج أخرى على منصات إعلامية رديفة، ليهاجم هذا الفريق بشراسة أيضاً. بعد «الجديد» انضمت nbn أخيراً إلى هذا المحور، في الشهر الحالي، مع احتدام الصراع بين الرئاستين الأولى والثانية، وتبادل الاتهامات بشأن عرقلة تشكيل الحكومة، وصلت إلى سقف مرتفع فرض واقعاً مغايراً في الشارع وعلى الشاشات. إذ دشّنت nbn، الأسبوع الماضي، حملةً ممنهجة ضد عون وفريقه السياسي، ولامس خطابها سقفاً عالياً من الاتهامات بالفساد للفريق البرتقالي، وبتحميله وزر كل ما وصلت إليه البلاد من مصائب، في ملفات الكهرباء والمحروقات والأدوية والاستشفاء، والجيش. بذلك، اصطفّت القناة إلى جانب «الجديد» وسارت على نهجها، في استخدام ورقة «القوات» أيضاً، في وجه «العونيين»، من خلال استضافة بعض الوجوه القواتية. إذ كنا أخيراً، مع أعنف هجوم شنّه النائب السابق أنطوان زهرا عبر شاشة nbn، على جبران باسيل، تعدّى بالطبع الخلاف السياسي لنصل إلى مفردات مشخصنة. هكذا، وفي خلاصة الأمر، تتظهّر أمامنا مشهدية إعلامية، اختلفت بشكل جذري عما قامت عليه في السابق. مشهدية تعكس بشكل جليّ الصراعات السياسية بين الأطراف الحزبية، وحتى أجندات التمويل السياسي، التي تشتغل من خلاله على تصفية الحسابات، وتبادل الاتهامات في انهيار البلد. وسط ذلك، تعجز otv، المحطة البرتقالية، عن الوقوف في وجه هذه الجبهات المعادية التي كثر عددها في الآونة الأخيرة، وترجّح الكفة إلى مساحات إعلامية أوسع وأشرس تعادي عون وفريقه السياسي، وتهاجم «حزب الله» وقت «اللزوم».


تعليقات: