الشهيد أبو غالب حسين عكر
بمناسبة عيد الأب لا بد من أن نتذكر قصة الخيامي حسين عكر الذي ترك بلدته متوجهاً إلى بيروت في 14 نيسان عام 1975 بعدما أشيع في البلدة أن إبنه البكر غالب كان من بين ضحايا بوسطة عين الرمانة:
سار حسين عكر ولم يتطلع وراءه غير آبه بالحياة، وجهته نجله غالب الذي كدّ وتعب وسهر من أجل أن تتحلق العائلة يوما ما شبّاناً وصبايا حوله في الشدائد والفرح.
قطع أبو غالب حسين عكر نصف الطريق الطويلة وعيناه مغرورقتان بالدمع، فهو لم يتصور يوما ان ولده البكر هو اول الضحايا المظلومين الذين بدمهم فجر حفار قبر الوطن شرايينه لكي يتوقف قلب لبنان عن الخفقان.
سمع ابو غالب خبر استشهاد إبنه لكنه لم يصدق لان الأمل بالحياة عنده اقوى وامضى، ومع ذلك ركب سيارة الاجرة من بلدته الخيام الى بيروت وركبت كل الاماني وفي مخيلته شريط طويل عن نجله منذ الطفولة حتى آخر لحظة عندما ودعه على مصطبة البيت واعداً إياه انه سيعود يوماً وبيده شهادته العلمية.
وانطلقت السيارة باتجاه بيروت لكن قلبه وعقله كانا اسرع بالوصول، يدوران في شوارع العاصمة، يفتشان عن شاب اسمر لم يتجاوز العشرين من عمره، وكلما اقتربت السيارة من العاصمة كانت التساؤلات الممزوجة بالدموع لدى ابي غالب تتزايد:
هل ارى غالب حياً واضمه واحضنه؟
هل اعود به الى الخيام ملعب احلامه الى جانب رفاقه الذين يسكنون وجدانها؟
أخذته الهواجس كثيرا ولكنه بقي على امل أن يصل في النصف الاخير من الطريق الى إبنه وفلذة كبده وعندها يفي نذرا قطعه على نفسه بانه سينام في لحده مسرورا زاهدا بعمره.
قالوا له لا تخاطر ابو غالب، فبيروت تحت فوهة المدفع وصليات المدافع الرشاشة وتنبعث من شوارعها رائحة الموت التي بدأت تنتشر في سماء العاصمة. ابتسم ابو غالب ورد قائلا المخاطرة ان ابقى حيا واترك ولدي غالب وحيدا انه محتاج اليّ كما انا محتاج اليه.
وبين ازيز رصاصة ورصاصة يقول ابو غالب هذا اجلي قد دنا لكن امنيتي ان يطول خطوتين ليس اكثر الى حين اكحل عيني بوجه طالما احببت وطالما تمنيت لو ان الله ياخذ من عمري ليطيل عمره.
لكن القدر قال لابي غالب ستموت بحسرة ولدك غالب الذي خطفته من الحياة رصاصات الغدر والجبن والطائفية لتخطف الوطن الى الجحيم.
وعلى بعد خطوتين من مستشفى الكرنتينا حيث يرقد غالب شهيداً غاضباً على قتلته وقتلة لبنان، سقط ابو غالب شهيداً ويده مرفوعة متضرعاً الى الله معاقبة القتلة الذين حرموه النظرة الاخيرة لولده الشهيد...
وعاد ابو غالب وسط السواد والدموع الى الخيام ليلتحق به بعد ايام قليلة جثمان ولده غالب الذي طاف على أكف رفاقه في شوارع بلدته التي احبّ فيما كانت الحناجر تصدح في السماء معاهدة الشهيدين على الوفاء للوطن، مفتتحا عهد الشهادة الخيامية فبدأت الخيام بين حين وآخر تستقبل ابناءها محمولين على الراحات في زوارق تسبح في بحور من البشر.
اذكر حين وصلت سيارة الاسعاف التي تحمل الشهيد غالب الى الخيام قال لي سائقها هل هذه الجموع كلها تعرفه؟
قلت انها حزبه. وبعد ثلاثة عقود ونيف يكبر حزب غالب ووالده ليصبح على مدى الوطن كله حزب الشهادة ومقارعة الظلم.
أبو غالب حسين عكر جسّد شخصية الاب الكادح من أجل أسرته والمتفاني حتى الشهادة.
الشهيد غالب حسين عكر
صورة من العام 1966 لغالب عكر حين كان رضيعاً يحمله والده
تعليقات: