"أيام العزّ والدولار بـ 1500 ليرة ما كان راتبي يكفيني، كيف بهيك أوضاع"؟!
سؤال طرحه بسخرية سعيد، رقيب في قوى الأمن الداخلي، فارّ من الخدمة، مضيفاً في حديث لـ"النهار": "اتخذت قرار ترك السلك العسكري قبل أشهر، فقد تعبت وسئمت العمل في ظل الشمس الحارقة والشتاء، والتوجه من البقاع إلى بيروت لضبط المظاهرات وفي آخر الشهر أحصل على بضع ليرات، فراتبي مليون و400 ألف ليرة، أدفعها في اليوم نفسه بدل إيجار منزل وفاتورة مولد، وانترنت، وفوقها ديون مترتبة عليّ، ومن شهر إلى آخر يزداد الدين، لذلك لم يكن أمامي إلا البحث عن مورد رزق جديد وبالفعل استدنت وانطلقت في عالم بيع الهواتف، وعندما ثبّت قدميّ في المصلحة توقفت عن الذهاب إلى الثكنة".
"جوّعونا"
ابن البقاع ليس نادماً على الخطوة التي اتخذها، بل كما قال "لديّ في شهر تشرين الأول محكمة عسكرية، كون يمنع على العسكري تقديم استقالته، وكأن دخولنا إلى الدرك زواج ماروني لا يمكن العودة عنه"، مضيفاً: "لو أن الدولة التفتت إلينا وخصصت لنا راتباً يحترم جهودنا وتضحياتنا لما كنت بحثت عن مورد رزق آخر، مع العلم أن المئات وليس العشرات من زملائي فرّوا من خدمتهم، ومن تبقى منهم يعيش في أوضاع مزرية، فحتى المنقوشة أصبح الدركي عاجزاً عن شرائها، فنحن على عكس الجيش اللبناني لا تخصص لنا وجبات طعام أثناء خدمتنا... لقد أصبحنا من الطبقة المسحوقة في لبنان".
"علبتا تونا وعلبة سردين"
كذلك حسين الرقيب أول في قوى الأمن، يفكر بالفرار، إلا أنه حتى الآن يخشى تنفيذ قراره وقال: "راتبي مليون 700 ألف ليرة، يحسم منه 500 ألف ليرة قرض مديرية، و300 ألف ليرة قرض لأحد المصارف، يعني أنه لا يبقى لي سوى 900 ألف ليرة أي ما يعادل 55 دولاراً، فكيف لرب أسرة أن يتمكن من دفع بدل إيجار منزله 500 ألف ليرة وتأمين الطعام والحليب، هذا إن وُجد، لأطفاله، باختصار بالكاد أتمكن من شراء علبتي تونا وعلبة سردين مما تبقى من الراتب"، معبراً بغضب عن حاله وحال زملائه في الثكنة العسكرية بالقول: "يميناً بالله هناك عساكر يعجزون عن شراء وجبة طعام، يجلبون معهم ربطة الخبز يأكلون معه الزعتر طوال اليوم، فحتى عبوة البيبسي أصبحت عصية على الشراء بعدما ارتفع سعرها، أي حال وصلنا إليه؟ الديون أغرقتنا".
جريمة موصوفة
لدى حسين 3 أولاد وقال: "لم أشترِ لهم ثياباً جديدة منذ أكثر من سنة، طبخنا اليومي برغل وعدس وأرز، اللحم بات من الماضي والدجاج كذلك، ما نعانيه جريمة بحقنا، فحتى المولّد لم أتمكن من دفع فاتورته، لذلك طلبت إيقافه، وجاري مشكور سمح لي بمد شريط كهربائي من منزله لإضاءة لمبة كي لا نسهر في العتمة"، مشيراً "يقولون عنا حماة الوطن واليوم نحتاج إلى من يحمينا من الفقر والعوز، فأنا أدعو الله في الليل والنهار أن لا يمرض لدي ولد ويحتاج مستشفى كون مؤسسة قوى الأمن تحاسب على سعر الصرف 1500 ليرة ونحن نتحمل الفرق فمن أين نأتي بالمال؟".
"كِنت مِتت من الجوع"
على عكس سعيد وحسين، تمكن العريف لؤي من إيجاد باب رزق للاستمرار، فتح مقهى صغيراً بالشراكة مع صديق، وشرح: "لو بدي اتكل على الدرك كنت مِتت أنا وولادي من الجوع"، مضيفاً: "بقائي في هذه المؤسسة من أجل التأمين الصحي لي ولعائلتي ليس أكثر ولكي لا ألاحق قضائياً فيما لو توقفت عن الذهاب إلى الخدمة، نعم أحب وطني وخدمته، لكن قبل ذلك عليّ أن أحب عائلتي، وأحميها وأؤمن لها احتياجاتها، لم يرحمنا المسؤولون، سرقونا وذلونا، ويريدون أن يموتونا جوعاً، لذلك سأبقى أعمل بكل ما يتاح لي لكي لا أضطر يوماً إلى مدّ يدي لإنسان، مع العلم أن راتب أكبر ضابط في الدرك لا يتجاوز الخمسة ملايين ليرة أي لا يصل إلى 300 دولار".
"لا يمكننا ترك المجتمع للفوضى"
"الوضع صعب بالتأكيد على جميع المواطنين" بحسب ما قاله مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي، شارحاً: "الدرك هم من أفراد المجتمع، وراتبهم لم يعد يعادل المئة دولار بعدما وصل سعر الصرف إلى ما يزيد عن الـ 16 ألف ليرة، لكن على الرغم من التأثير الكبير الذي يطالهم، إلّا أنّ هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم، فقد حلفنا اليمين على حماية المجتمع والناس والحفاظ على ممتلكاتهم وحياتهم وحقوقهم، فالمسؤولية الوطنية كبيرة ولا يمكن التخلي عنها رغم الصعوبات، فحتى لو وصلت رواتبنا إلى ما دون الصفر لا يمكن أن نترك المجتمع للفوضى".
تعليقات: