خلال خمس سنوات: لبنان مخيم كبير لأهله اللاجئين

الغالبية العظمى ستعيش في مخيمات فقراء ومعوزين (مصطفى جمال الدين)
الغالبية العظمى ستعيش في مخيمات فقراء ومعوزين (مصطفى جمال الدين)


قد يتحول لبنان عاجلاً أم آجلاً مخيماً كبيراً للاجئين اللبنانيين. مخيم مقسم إلى مخيمات كبيرة وصغيرة تدار فيها أمور اللاجئين. بعضها "كامبوندات" يعيش رفاهية ما بمدارسها الخاصة ومستشفياتها المرموقة. والغالبية العظمى تعيش في مخيمات فقراء ومعوزين، وتعمل المنظمات الدولية على إعالتهم وتوزيع الأغذية والأدوية عليهم، وإدارة جوعهم.


النفط ودولار المغتربين

ليس هذا من مشاهد الخيال العلمي. لكنه من السيناريوهات التي قد يتدحرج إليها اللبنانيون في السنوات الخمس المقبلة. وقد تتغير الشروط إذا تبين وجود نفط وغاز في البحر. لكن إلى حين استخراجهما، وتوزيعهما على المنظومة ورعاياها، لا أمل في حل للأزمة الحالية. فماذا يمتلك لبنان من مقومات اقتصادية وأخلاقية وسياسية، ليقوم من هذه الأزمة؟ لا شيء تقريباً سوى حميّة المغتربين الموقتة تجاه أهلهم، فيرسلون لهم بعض دولارات تقيهم العوز والجوع.


وموت الليرة

المدارس المرموقة تعمل اليوم على رفع اقساطها تباعاً وصولاً إلى طرد غير القادرين على دفع الأقساط بالدولار، وكذلك تفعل المستشفيات. وواقعياً، تفضل هذه المدارس والمستشفيات القليلة استقبال مئة تلميذ أو مئة مريض يدفعون بالدولار النقدي، على ألف تلميذ ومريض يدفعون بالليرة.

تخفيض عدد الطلاب والمرضى يترافق مع تخفيض عدد الموظفين والأطباء، والإبقاء على المتميزين منهم لخدمة الطلاب والمرضى المنتمين لبعض العائلات المقتدرة.

المطاعم والأماكن السياحية تسلك المسار عينه. تتركز المرموقة منها في كامبوند الطبقة الغنية المقتدرة، والبقية الباقية تصبح "استراحات" ودكاكين شبيهة بتلك الموجودة حالياً في بعض الأحياء الشعبية، ولا يقصدها إلا اللاجئ اللبناني من عليّة فقراء المخيمات.

المدارس الرسمية والعديد من الأهلية الخاصة تستمر على مساعدات الدولة والدول التي ستشفق على فقراء المخيمات، فهي لن تختفي. أما الأساتذة والموظفون فيستفيقون على الواقع الحقيقي المر. فالفقاعة التي كانوا يعيشون فيها بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، انفجرت وصارت مخيمات فقر.

الأطباء والمحامون والمهندسون وأصحاب المهن الحرة يتوزعون على المخيمات كل حسب قدرته. فترى طبيب الفقراء ومحاميهم في مخيمات الفقراء. أما طبيب ومهندس علية القوم ففي بعض الكمبوندات المرموقة.


أحزاب الإعاشة

وظيفة الأحزاب تقتصر على إلإدارة المحلية لمخيمات الجوع وتوزيع صناديق الإعاشة. ولكل حزب منها قدرته الخاصة وفق ارتباطه الخارجي. الدول الغنية ترسل لهذه الأحزاب إعاشات دسمة، من لحوم وخضر والكثير من الأدوية، والدول البخيلة تكتفي بارسال أكياس طحين وأرز وعدس وسكر وملح.

ليس هذا محض خيال. بل نتيجة دردشة صباحية مع أساتذة في القطاعين العام والخاص ولجان أهالي طلاب في بعض المدارس الخاصة. لقد بات ثمن الانتقال بالفان من بيروت إلى صيدا 8 آلاف ليرة. أي أن الموظف يدفع 16 ألف ليرة يومياً. أي ما يوازي الحد الأدنى للأجور في الشهر. وعندما تصبح تنكة البنزين بنحو مئتي ألف ليرة تصبح كلفة التنقل توازي ثلاثة أضعاف الحد الأدنى. ويبقى للموظف والأستاذ نحو خمسمئة ألف ليرة للعيش طوال الشهر. أي ستعيش العائلة بأقل من دولار في اليوم.


القطاع الخاص

هذا أفضل سيناريو لفئة الموظفين. لكن ماذا عن موظفي القطاع الخاص؟ في أفضل الأحوال راتب معظم الموظفين في هذا القطاع لا يصل إلى مليون ليرة. أي لن يستطيع واحدهم الانتقال إلى عمله.

المدارس المرموقة بدأت تعد العدة للسنوات الخمس المقبلة: تحضّر الأهالي رويداً رويداً لتوديع المرحلة السابقة. لا تريد رفع أقساطها دفعة واحدة. والسنوات المقبلة كفيلة بفرار الأهل والطلاب. البقاء والصمود لمن يدفع بالدولار وقادر على تحمل أسعار السوق. والبقية الباقية تذهب إلى الـ"شي التاني" (كما قال أحد الوزراء) أي إلى المخيم المناسب لدخلها ووضعها الاجتماعي. ما الفائدة من 15 ألف طالب في إحدى الشبكات المدرسية لا يدرّون أي أرباح؟ يسأل المدير ملمحاً إلى أن عدم دفع الأقساط بالدولار لن يحل المعضلة الحالية. فليكن العدد ألف طالب مقتدر يتعلمون كما يجب.

تعليقات: