ثلاثة قطاعات على شفير الهاوية: المستشفيات والأفران والكهرباء

شحّ النفط سيخرب قطاعات اقتصادية كثيرة (مصطفى جمال الدين)
شحّ النفط سيخرب قطاعات اقتصادية كثيرة (مصطفى جمال الدين)


فَرَضَت الشركات المستوردة للنفط قراراتها على وزارة الطاقة، فكسرت تسعيرتها الجديدة "المنخفضة" ورَضِيَت مؤقتًا بزيادة نحو 10 آلاف ليرة إضافية، لتصبح صفيحة البنزين بنحو 70 ألف ليرة والمازوت بنحو 54 ألف ليرة.

كان من المفترض وفق ما روَّجَ له أهل القطاع النفطي، أن تتراجع حدّة الأزمة مع ارتفاع الأسعار والبدء بتفريغ حمولات البواخر. غير أن رقعة الأزمة آخذة بالاتّساع، وبالقضاء على كل القطاعات.

طمأنة غير مجدية

يَعي أهل القطاع النفطي صعوبة المرحلة وخطورتها، ولا يملكون سوى الشعارات والتمنّي، عسى أن يكون الغد أفضل من اليوم. فهؤلاء يروّجون إلى هدوء تدريجي "ستشهده" المناطق تباعًا، مع حلحلة عقدة مستوى الدعم الذي سيحظى به القطاع من مصرف لبنان، لاستيراد المحروقات.

الحلحلة إسمية وليس فيها ما يدعم دعوات عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البراكس، وممثل موزّعي المحروقات، فادي أبو شقرا، لعدم الهلع وعدم التهافت على المحطات. والأخيرة تشهد اضطرادًا في معدّل الطوابير يمتص الكميات الإضافية التي أتت بها البواخر. علمًا أن الزيادة المعلن عنها في المخزون الموَزَّع، تتركَّز في البنزين وتتقلَّص في المازوت المؤثّر في الشارع والاقتصاد بشكل أكبر، وافتقاده يهدد جملة من القطاعات. أما الاستعانة بمخزون الجيش بمقدار 5 مليون ليتر توزَّع في مصفاتيّ الزهراني وطرابلس، فلا تعدو كونها "رشوة" من وزارة الطاقة للمواطنين والقطاعات الاقتصادية، لتمويه حجم الأزمة والإيحاء بأن الحلول ممكنة بالطرق الملتوية. والوزارة لم توضح كيفية إعادة الكميات المعارة إلى مخزون الجيش، كما أن تعويض تلك الكمية سيكون على حساب السوق، أي أن النقص الفعلي لن يُعَوَّض سوى إسميًا.

مستشفيات وخبز ومولّدات

التنظير الكلامي تدحضه المؤشرات الخطرة التي تقدّمها ثلاثة قطاعات، المستشفيات والأفران ومولّدات الكهرباء الخاصة، وهي ما يحتاجه المواطنون بشكل يومي.

المستشفيات تعرب يوميًا عن فقدان أو اقتراب فقدان المازوت من خزاناتها. يجري تعويض النقص بشكل شبه يومي، فتتأكَّد بذلك الشكوك حول عمق الأزمة وطول أمدها. ونقص المازوت في المستشفيات ليس تفصيلًا صغيرًا، إذ يحمل تهديدًا مباشرًا لصحة المواطنين. ولا تشكّل التحاويل الموسمية للمستحقات من وزارة الصحة إلى المستشفيات، عبر وزارة المالية، أي فرقٍ وسط الارتفاع الدائم لسعر صرف الدولار، الذي يمتص سيولة المستشفيات لتغطية المستلزمات الطبية.

وبالتوازي، ترتفع أسعار الخبز مع رفع الدعم التدريجي عن عناصر هذه الصناعة. فبعد التوقف عن دعم السكَّر والخميرة، رُفِعَ الدعم تدريجيًا عن المحروقات، فارتفع سعر ربطة الخبز تلقائيًا، ليعود للارتفاع مجددّا إلى 4000 ليرة مع "انتفاض" المستوردين ضد أسعار وزارة الطاقة. واحتمال الارتفاع الإضافي في أسعار المحروقات وأكلاف صناعة الخبز، يعني تحليق أسعار الربطة التي تشهد بعض المناطق بيعها بالمفرَّق جرّاء فقدان الرواتب والأجور قيمتها الشرائية. وزيادة أسعار المحروقات وارد في أي لحظة، ليس بقرار رسمي من وزارة الطاقة، عن طريق تغيير جدول تركيب الأسعار، وإنما بفعل ارتفاع أسعار النفط عالميًا، أو بسبب التقلّب الحاد لسعر صرف الدولار في لبنان.

أيضًا، يُلام أصحاب المولّدات الخاصة على تحكّمهم بالطاقة في ظل ارتفاع تقنين التيار الآتي من معامل مؤسسة كهرباء لبنان. فعلى مدى سنوات، وَضَعَ هؤلاء شروطهم التعجيزية ورفضوا الاقتراحات والأسعار التي وضعتها وزارة الطاقة وفَضَّلها المواطنون. كما أنهم اعترضوا على تركيب العدّادات لتحديد حجم الاستهلاك لدى كل مواطن. وبرّروا زيادة فواتيرهم بارتفاع أسعار المحروقات والأكلاف التشغيلية.. وما إلى ذلك. حتى أتت الكارثة وجَعَلَت تبريراتهم مُسنَدة.

في المحصّلة، تأمين الكهرباء بات في يد أصحاب المولّدات الذين "يشترون المازوت بالغالونات ومن مخازن البيوت المخصّصة للتدفئة"، وفق ما يشير إليه رئيس تجمّع أصحاب المولّدات، عبدو سعادة. هذا الواقع استتبع رفع تسعيرة المولّدات مِن قِبَل وزارة الطاقة، ورفعًا إضافيًا من قِبَل الكثير من أصحاب المولّدات، من دون تدوين مجموع الأكلاف الصحيحة في الفاتورة، وهو ما دأب عليه أصحاب المولّدات قبل الأزمة، حيث كانوا يتقاضون رسم اشتراك أعلى مما يكتبونه في الإيصال.

وإن كانت الأسعار قديمًا تُثقِلُ جيوب المواطنين، فإنها اليوم تَمسَح ما تبقّى منها. فالأسعار ارتفعت إلى ما بين 500 و600 ألف ليرة للمشتركين بقدرة 5 أمبير. ولفت سعادة النظر إلى أن انخفاض هذه الفاتورة مرتبط بزيادة مؤسسة الكهرباء حجم انتاجها.

لا شيء لدى أصحاب المولّدات ليقدّمونه سوى المزيد من الأرقام مستقبلًا. ولا مجال للاعتراض، فقبل ذلك، يجب السؤال "عمّا إذا كان بمقدور أصحاب المولّدات الاستمرار"، يقول سعادة ويشرح بأن "صاحب المولّد كان يدفع 50 مليوناً (ليرة) ثمن شراء محروقات في الشهر، أما اليوم على تسعيرة المحروقات الجديدة سيدفع 100 مليون ليرة، بينما 80 بالمئة من أصحاب المولّدات لا يملكون هذه المبالغ. وبالتالي نحن نتخوف من كسر القطاع اذا استمر هذا النهج بالتعاطي".

القطاعات الثلاث لن تقفل أبوابها قريبًا، لكن عددًا منها لن يتأخَّر عن ذلك مستقبلًا. فالأكلاف ترتفع، ولا قدرة للناس على الاستهلاك، ما يُهدد حجم الانتاج واستمرار العمل في تلك القطاعات، أو بأحسن الأحوال خفض زخمه بمعدّل مقلق.

تعليقات: