أصحاب شبكات غير مرخصين يتحكمون بـ «قدرنا» التلفزيوني!
منذ اشهر تطالب باسمة (37 سنة)، وهي أم لثلاثة أطفال، موزع «الدش» في مكان سكنها بمنطقة الرويس، بإدراج قناة «الجزيرة للاطفال» على لائحة القنوات التي يوصلها لها. ومؤخراً أجابها صاحب الشبكة ان أولاده يفضلون «ام.بي.سي.3» للأطفال. وعندما سأل احمد موزعاً آخر في الصنائع، تأمين محطة «المنار» الفضائية، أجابه الأخير ان عدد طالبيها لا يكفي لإدراجها على الشبكة.
اما مخايل الذي كان يلح على تأمين «الجزيرة الرياضية» في الاشرفية، فقطع الأمل اخيراً مع تأكيد الموزع، بأن شبكته لا تتسع لقنوات اضافية.
هذه النماذج تعطي صورة عن المعايير المعتمدة لدى الموزعين وأصحاب الشبكات في اختيار او فرض القنوات التلفزيونية على المشتركين. فإذا كانت الشبكة لا تتسع إلا لعدد معين من القنوات، فما الذي يتحكم باختيار قناة دون اخرى؟ واذا كان عدد طالبي القناة لا يلامس المعدل المطلوب الذي يحدده الموزع بنفسه، فماذا يعني إهمال رغبات مشتركين على حساب آخرين؟ وفي نهاية المطاف نستنتج انه من اجل إدراج قناة معينة، يكفي ان يعجب اولاد صاحب الشبكة بها، باعتبارهم المعيار الذي على اساسه يقاس الذوق العام!
هذه المزاجية، تخضع ايضاً في جانب آخر، الى العامل الجغرافي والايديولوجي. فقناة «الحرة» الحكومية الأميركية على سبيل المثال محظورة في الضاحية الجنوبية. وقناتا «العالم» و«سحر» الايرانيتان غير محبذتين في بعض المناطق كالأشرفية والظريف. و«تيلي لوميير» مطلوبة بالدرجة الاولى في القسم الشرقي لبيروت.
واللافت هو ان المتحكمين «بالقدَر» التلفزيوني للمواطنين، هم بمعظمهم غير حاصلين على تراخيص. فالممنوح من التراخيص من وزارة الاتصالات محصور اليوم بأربع شركات: «كابل فيزيون»، «إايكونات» وشركتين لم تنطلقا عملياً بعد.
وتجدر الإشارة الى أن الشركات القانونية لا تعتمد فقط على الترخيص، بل ان الامر مقرون ايضاً بشراء حقوق البرامج من اصحاب المحطات لإعادة بيعها الى المواطنين، وذلك بموجب اتفاقيات إما مدفوعة، او قائمة على تبادل خدمات بين المحطة الساعية للترويج، وصاحب الشبكة المهتم بإعادة توزيعها.
اما الشركات غير المرخصة فإنها تعتمد اما على الصحون اللاقطة من دون شيفرة، او على البطاقات الذكية التي توزع من خلالها الاقنية للمشتركين، متجاوزة حقوق اصحاب القنوات. ويتم تأمين البطاقة الذكية عبر تهريبها من الاسواق الخارجية، او عبر وكلاء معينين في لبنان لا يحق لهم بيعها إلا لأصحاب الشبكات القانونية، او ما يعرف بـDTH (direct to home) اي مباشرة الى المنزل.
كيف تعمل «إيكونات»؟
وخارج الاطار القانوني، نجد ان منطلقات اختيار القنوات متشابهة لدى الفئتين. عن الفئة المرخصة يرفض القيمون في «كابل فيزيون» التحدث بالموضوع. اما مدير عام «ايكونات» جوزف معلوف فينطلق من ثلاثة معايير في استبعاد القنوات: منافاتها للآداب العامة، عدم احقيتها للبث في لبنان، وذات الحقوق المرتفعة جداً.
ولا يخفي ان الاعتبارات السياسية او الدينية مأخوذة لديه بعين الاعتبار. يقول مثلاً ان إدراج «المنار» يفرض تأميناً لـ«التوازن» عبر إرفاقها بـ«تيلي لوميير» في بعض المناطق! وان وجود محطات «ذات طابع سياسي نافر» في مناطق اخرى يستثير اعتراض بعض المواطنين.
ولكن لماذا لا تنطلقون من إحصاءات معينة تقيسون من خلالها أهواء المواطنين تبعاً للمناطق؟ يرد معلوف «ان الاحصاءات ستكلفنا كثيراً، ونحن في سوق نعاني فيه من المضاربة غير المشروعة». ويضيف «لا اخاف من المضاربين، بل اخاف على مستقبل شركتنا. لدي 53 موظفاً ندفع لهم مستحقاتهم والضرائب وغيرها. اما صاحب الشبكة غير القانوني فمتحرر من كل هذه الاعباء. بل انه احياناً يسمي شبكته باسم غيره حتى لا يطاله القانون».
وتوزع «ايكونات» 120 محطة خاضعة الى عقود مع اصحاب المحطات. وتصل قيمة بعض العقود احياناً الى 150 الف دولار سنوياً. ويقول معلوف «إن محطتي «الجزيرة» و«السي.ان.ان» على سبيل المثال مجانيتان. لكنه يُمنع علينا اعادة ارسالهما من دون عقود قانونية».
و«ايكونات» هي الوكيل الحصري لـ«اي.ار.تي» في لبنان، وتملك ايضاً حق البيع لطرف ثالث، وعلى هذا الاساس تجرى مفاوضات بين الشركة وبعض اصحاب الشبكات منذ عام ,2001 الا انها لم تفلح. «لأنو كل واحد بدو يعمل راس»، حسب معلوف.
ولتخفيف المضاربة، تستعد الشــركة الـيوم لتقديم عرض، يتلخــص بتقــديم جهــاز استقبال (ديجيتال) للمشــترك، يمــكن تشـغيله عبر جهازي تلفزيون بدلاً من واحد، بصورة منفصلة في الوقت ذاته. ولا يحدد معلوف عدد المشتركين. بل يكتفي بالقول إن الشركة تغطي كل لبنان بمعدل 15 دولاراً شهرياً لكل مشترك، وان عدد المشتركين لديها متواضع قياساً الى امكاناتها. واذ يأمل معلوف تطبيق «قانون حقوق الملكية الفكرية والادبية» قبل إفلاس الشركات الشرعية، الا انه يعود ويتساءل متهكماً: «لكن من سيهتم بالملكية الفكرية في ظل ما يمر به البلد اليوم؟!».
غداً وجهات نظر بعض أصحاب الشبكات غير الشرعية، وقناة «الجزيرة»
أصحاب شبكات غير مرخّصة يتحكّمون بـ«قدرنا» التلفزيوني
كيف يختار موزعو «الدش» ما يجب أن نراه؟
فاتن قبيسي
في مقابل الشركتين المرخصتين «كابل فيزيون و«ايكونات» واللتين تحدثنا عنهما في حلقة أمس، يقدّر مدير عام الثانية جوزف معلوف عدد الشبكات غير المرخصة في لبنان بحوالى الف شبكة. ويشير الى ان بعض اصحاب القنوات كانوا رفعوا دعاوى على مجموعة من اصحاب الشبكات في العام ,2001 الا انها لم تؤد الى نتيجة.
يرفض موزعو القنوات غير المرخصين ذكر اسمائهم كاملة. يقولون انهم يدفعون ضريبة الدخل الى وزارة المالية، ويتحررون من اية اعباء اخرى. كذلك يرفضون ذكر عدد المشتركين لديهم. وتتراوح قيمة الاشتراكات الشهرية بين 15 الف و25 الف ليرة.
سامر يوزع على المشتركين في منطقة بيروتية حوالى 97 محطة. يشكو بعض مشتركيه من انه «يحرمهم» من محطات عدة. كما يتذمرون من مزاجية توقيت عرض أخرى. ويبرر سامر ذلك بقوله ان «أوربت» محجوبة عن أصحاب الشبكات، «لأن القيمين عليها يفضلون إيصالها الى الزبون مباشرة» (عبر تركيب صحن). ولا يجد حرجاً في القول «بما أن القنوات الخاصة بالمسلسلات مطلوبة خلال رمضان تحديداً، فإننا نؤمن خلاله فقط عبر السرقة كلاً من قنوات «س» و«اليوم» (اوربت) و«الديرة». «اما «الجزيرة الرياضية» فيدرجها «عندما تكون هناك مباراة هامة». ويضيف «واذا حجبنا «الجزيرة الوثائقية» لبعض الوقت، نعيدها لأنها مطلوبة». في حين ان «المنار الفضائية» غير مطلوبة كثيراً باعتبار ان المنطقة طابعها سني».
اما اكرم فيشعر بانه يقدم «خدمة كبيرة لاصحاب القنوات عبر اعادة توزيعها في الاشرفية». ويتساءل: «من كان يعرف «أوربت»؟ او «اي.آر.تي»؟ او «شوتايم» قبل ان نسوقها نحن؟»! ثم يندفع قائلاً: «بعض اصحاب المحطات هم الذين يتصلون بنا ويدفعون لنا الاموال لتوزيع قنواتهم».
ويلفت الى انه كان أدرج محطتي «العالم» و«سحر» الايرانيتين، فـ«طلعت الصرخة من بعض المواطنين»، فعدل عنهما. ويشير الى ان البعض يطالبه أحياناً بمحطات مختلفة، الا انه لا يخضع «لرغبات الاقلية».
قناتا «الحرة» و«فاشن تي في» محظورتان لدى فادي في الرويس. أما «الجزيرة للاطفال» فمطلوبة. لكنه أدرجها لفترة اختبر خلالها انطباعات اولاده، وعندما وجدها غير مشجعة استبدلها بـ«ام. بي.سي3».
ولكن هل تكفي انطباعات عائلية لتعميم قنوات على منطقة بأكملها؟ يستسهل فادي الإجابة «ان «ام.بي.سي.3» افضل في كل الاحوال، لأنها ناطقة باللغة الانكليزية، في حين ان زميلتها «الجزيرة» ناطقة باللغة العربية!».
وفي حين يقر بأن قنوات «اوربت» مطلوبة، الا انه يؤكد عدم إمكانية تأمينها، بعد خلاف وقع مع اصحاب المحطة منذ ثلاث سنوات.
بن جدو: قرصنة ومزاجية
ولكن إزاء هذا الواقع، الا يلعب اصحاب القنوات دوراً في اعادة توزيع محطاتهم؟ ام ان الامر متروك غالباً لأمزجة قراصنة الشبكات؟ لأخذ فكرة في هذا المجال، حاولنا الوقوف على رأي القيمين في محطتي «العربية» و«الجزيرة». في الاولى لم نلق تجاوباً، فيما أخبرنا مدير مكتب بيروت في الثانية غسان بن جدو «أن «الجزيرة الرياضية» مشفرة، ولكن اصحاب الشركات (غير المرخصة) يتعاطون معها بقرصنة، اي انهم يوزعونها من دون ان يعطوا الحقوق لأصحابها».
ويتحدث عن مشكلة اخرى تتعلق «بالجزيرة الانكليزية»، فيقول «ان اصحاب الشبكات لا يعتمدونها، ويتذرعون بانها لا تلاقي صدى، مفضلين محطة «السي.ان.ان». ولكنني غير مقتنع بذلك، لأنه يجب تسويقها باعتبارها محطة جديدة من أجل ان يعتاد الناس عليها».
اما محطتا «الجزيرة للاطفال» و«الجزيرة الوثائقية» فتبث في بعض المناطق فقط، لأنها خاضعة باعتقاده لمزاج اصحاب الشبكات تارة، ولاهواء الجمهور طوراً.
ويشير بن جدو الى عدم وجود اي نوع من انواع الاتفاقيات بين القيمين في المحطة واصحاب الشبكات، «باستثناء امنيات شفوية نطلب بموجبها منهم توزيع قنواتنا». وأكثر ما يتمناه هو ان يدفع القراصنة الحقوق الخاصة ببث «الجزيرة الرياضية».
التباسات التعامل الرسمي
وتبرز المشكلة الاساسية في عدم تطبيق «قانون حقوق الملكية الفكرية والادبية» الصادر في العام .1999 واللافت ان كلاً من اصحاب الشبكات الثلاث الذين تحدثنا معهم، يبدي استعداده لقوننة عمله. صحيح ان الامر سيرتب عليهم مصاريف اضافية، برأيهم، الا انهم سيرتاحون من الشعور بالتهديد الذي يلازمهم، عند كل مرة يرفع فيها صاحب محطة دعوى قانونية على المخالفين. إذ فنهم يضعون الكرة في ملعب المسؤولين. فلماذا لا يبادر هؤلاء الى معالجة هذا الواقع؟
واللافت هنا هو طريقة تعاطي المسؤولين في هذا المجال. كأن يستدعي القضاء في العام 2004 مجموعة من اصحاب هذه الشبكات غير الشرعية، لمنعهم من بث القنوات. وبعد فترة يوّقع هؤلاء فجأة على سندات إقامة ويغلق الملف. او ان تتعامل مع هذه الشبكات كأمر واقع معترف به خلال المونديال الكروي الاخير، من خلال تجميع مبلغ 500 الف دولار من اصحابها، وتقديمه الى شركة «رايا»، من أجل إلغاء حصرية بث المباريات التي كانت ممنوحة «لإيكونات» عبر «رايا».
ولجلاء هذه الالتباسات كان من المهم الوقوف على وجهة نظر المعنيين في وزارة الاتصالات، الا ان الامر تعذر بسبب وجود المدير العام الدكتور عبد المنعم يوسف خارج البلاد.
تعليقات: