غسل الحزب التقدمي الاشتراكي يديه من حلفائه في انتخابات نقابة المهندسين، معلناً سحب جميع مرشحيه من انتخابات الهيئة العامّة. رئيسه وليد جنبلاط، الذي يُعدّ أحد أركان المنظومة السياسيّة التي شاركت بالمحاصصة والفساد على مدى عقود، يريد اليوم أن يترك السلطة وينتقل إلى الجهة الثانية: المُعارضة
يبدو أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي تأكّد أنه لن يكون لأحزاب السلطة خبز في انتخابات النقيب والهيئة العامّة في نقابة المهندسين التي ستجرى في 18 تموز المقبل، استناداً إلى المعطيات الانتخابية ونتيجة فوز «النقابة تنتفض» بمعظم المراكز في انتخابات هيئة المندوبين والفروع.
ويمتلك «الاشتراكي» داخل النقابة «بلوكاً» تجييرياً كان يصب عادةً باتّجاه واحد، والذي يُحصى بأكثر من 850 ناخباً، ما يحوّله إلى «بيضة قبّان» في الصراع الحاصل بين السلطة والمعارضة. وهو الأداء نفسه الذي انتهجه عضو مجلس النقابة المحسوب عليه في المجلس الحالي فراس بو دياب، عندما صار صوته أشبه بالصوت المرجّح عند التصويت على الملفات الخلافية بين الأحزاب الممثلة داخل المجلس.
كلّ ذلك حوّل بو دياب على مدى ثلاث سنوات ونصف سنة إلى ممثل حزبي أثبت جدارته داخل المجلس، وخصوصاً بعد تسلّمه مركز التقديمات الاجتماعيّة. معظم ممثلي الأحزاب افترضوا أن يكون هو ممثل حزبه في انتخابات الهيئة العامة، لكن كانت المفاجأة بإقفال باب الترشيح من دون تسجيل ترشيحه أو ترشيح مهندسين «اشتراكيين» آخرين.
وليس ذلك فحسب، وإنمّا أبلغ «الاشتراكي» حلفاءه «السابقين» أنه غير معني بانتخابات الهيئة العامة وأن أولويته محصورة بانتخاب النقيب؛ وهذا يعني تحرّر «الاشتراكي» من عقد تسوية مع الأحزاب بشأن مرشحه إلى الهيئة العامّة مقابل دعم مرشحهم لمقعد النقيب، على عكس انتخابات المرحلة الأولى حينما خاض المعركة بمرشحين حزبيين إلى جانب أحزاب السلطة.
لماذا انسحب «الاشتراكي»؟
يقول البعض إنّ «الاشتراكي» يخشى إظهار قوّته التجييريّة الحقيقية والتي خفتت جراء الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، فيما يلفت آخرون إلى أنّ انسحابه من المعركة يُعبّر عن عدم رضاه عن أسماء المرشحين إلى مركز النقيب، وخصوصاً أولئك المقرّبين من تيار المستقبل كباسم العويني ومحمّد سعيد فتحة... معتبراً أنّ خوض الانتخابات بأسماء حزبية سيأتي بنتائج سلبيّة على النقابة وعلى جميع القوى السياسيّة.
وعليه، فإنّ «الاشتراكيين» يميلون إلى دعم مرشح مستقل يحمل برنامجاً ينسجم مع طروحاتهم، بالإضافة إلى كونه يمتلك شخصية وسيرة ذاتية تؤهّله لمنصب النقيب. هذا ما يؤكده بو دياب، الذي يقول لـ«الأخبار» إنّ قراره بعدم الترشّح نابع من «إيماني الشخصي بضرورة تداول المسؤوليات، إلى جانب أن الظروف السياسية والاقتصادية والانقسام الحاصل حوّلا المعركة من كونها نقابية ببرامج مهنية إلى مطالب اقتصادية واجتماعية كبرى». يضيف: «دخلتُ إلى النقابة للاهتمام بالمهنة وتطويرها، لكن المعركة الحالية لا تشبه طموحاتنا»، مشدداً على أنّ «التحالفات التي حصلت في المرحلة الأولى من الانتخابات قد تكون غير صائبة ولا نريد تكرارها، ولذلك نحن مهتمون اليوم فقط بانتخاب نقيب مستقل يعمل من أجل النهوض بالنقابة والمهندسين».
الأحزاب غاضبة من خطوة «الجنبلاطيين» الذين يقولون إن السير بمرشّح حزبي سيكون انتحاراً
وإذا كان بعض المعنيين يلفتون إلى أنّ «الاشتراكي» غير راضٍ عن مرشحي «المستقبل» تماماً كعدم رضاه عن مرشحي «النقابة تنتفض»، ما سيُرجّح كفة دعم المرشح عبدو سكرية لمقعد النقيب، ينفي بو دياب الأمر، مشيراً إلى أن حزبه سيتّخذ قراره في غضون أسبوع وعلى ضوء المشاريع التي سُتقدّم.
ومع ذلك، تتعامل أحزاب السلطة الممثلة داخل النقابة على أنّ «الجنبلاطيين» سيذهبون باتّجاه سكريّة، ما يعني أن خسارتهم ستكون حتميّة، مع التعبير عن استيائهم من هذه الخطوة التي يعتبروتها انقلاباً عليهم. ويلفت مهندسون مقربون من حزب الله وحركة أمل إلى أنّ سحب مرشحيهم لمصلحة أحد مرشحي «المستقبل»، في حال عقد تسوية داخل النقابة أو حتّى إذا أتى ذلك خلال اجتماع بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، يعني مزيداً من التململ في قواعدهم الشعبيّة وخفوت همّتهم. يعتقد هؤلاء أنّ الانتخابات الحالية ليست سهلة، إذ «لم يعد بمقدورنا الطلب من المهندسين المقربين منّا الالتزام بلائحة من دون تقديم التفسيرات والمبررات».
ولذلك، يعتبرون أنّ السير باتجاه أحد مرشحي «المستقبل» يعني انتحاراً، لكنّهم لا يملكون رؤية واضحة لما سيحصل في الأيّام المقبلة. هم يدركون أن الحلّ بيد الحريري من خلال التراجع عن تمسّكه باسم النقيب، وخصوصاً أن «الاشتراكي» عندما خرج من التحالف فرض عليه تغيير قواعد اللعبة. بالنسبة إليهم، إن تراجع الحريري يعني أن تذهب الأحزاب باتجاه دعم مرشح مستقل يرفع حظوظهم في إمكانية كسب المعركة في وجه «النقابة تنتفض».
في حين يذهب البعض إلى أبعد من ذلك: ماذا لو باع الحريري موقفاً إلى الثنائي الشيعيّ، مع علمه المسبق بأنّ المعركة خاسرة؟ لهؤلاء رواية تشير إلى أنّ الثنائي أخذ وعداً من المعنيين خلال العامين الماضيين بأنّ النقيب الحالي سيكون شيعياً، إلا أنّ ترشيح «المستقبل» لأكثر من مهندس أثبت العكس. ولذلك، يلفت هؤلاء إلى أنّ موافقة «المستقبل» على دعم مرشح «الحزب» أو «الحركة» يكون أشبه بحل لهذا المأزق، ولو أنّهم يعلمون أنّها ستكون أقرب إلى معركة تسجيل موقف أكثر من كونها رابحة.
عارف ياسين نقيب «النقابة تنتفض»
بعد مناظرة دامت لأكثر من ساعة في مركز «KED» - الكرنتينا بين المهندسين المرشّحين من قبل ائتلاف «النقابة تنتفض» لمقعد النقيب: عارف ياسين، هانية الزعتري وسمير طرابلسي، صوّت القسم الأكبر من المهندسين والمهندسات الذين حضروا المناظرة (173) لصالح ياسين.
وأشار ياسين، بعد إعلان «النقابة تنتفض» أنّه سيكون مرشحها الرسمي لمنصب النقيب، إلى أنّ «أحزاب السلطة تتفق قبل الانتخابات ليقع الخلاف بينها عند لحظة توزيع الحصص والمغانم. أمّا نحن فإننا نتنافس ولا نختلف على خدمة النقابة».
ووعد بـ«أننا سنكون على قدر الآمال لتنفيذ مشروع الائتلاف، وهو مشروع لخدمة جميع المهندسين»، مشدّداً على «أنّنا نريد أن تكون نقابة المهندسين هي خطّ الدفاع الأول عن المجتمع».
يُذكر أن ياسين معروف بانتمائه إلى الحزب الشيوعي اللبناني، وهو عضو ناشط في نقابة المهندسين منذ انتخابه للمرة الأولى في هيئة المندوبين في عام 1998 ثم أسّس مركز التدريب في النقابة قبل أن يتولّى أمانة سر الفروع في عام 2019. كذلك أن ياسين هو مهندس مدني يملك مكتباً خاصاً يعمل في مجال الهندسة والبناء، وعضو في الهيئة العربية الهندسية في اتحاد المهندسين العرب وفي المركز العربي للتحكيم.
تعليقات: