عاملات في فريق ماغ ينظفن حقل زراعي من القنابل العنقودية
بنت جبيل ــ
إذا أردت الموت، فعليك أن تعمل مزارعاً فقيراً يبحث عن رزقه في أراضي الجنوب الحدودية، فهناك الاحتمال الأقوى أن تنفجر بك قنبلة عنقودية، أو قذيفة من مخلّفات الاحتلال، أو لغم مضاد للمدرعات، أو عبوة ناسفة يعود تاريخها الى الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، فوقتها لن يتحمل مسؤولية قتلك أحد، ولن يكون موتك مستغلاً للشحن الطائفي. ورغم أن الجهات الوطنية والدولية تعمل على تحديد أماكن القنابل العنقودية والألغام والأجسام المشبوهة وإزالتها للتخفيف فإن الموت يسبق المزارعين إلى الأراضي الزراعية في الجبال والأودية ليقطع عليهم رحلة الحياة الصعبة التي قضوها في البحث الشاق عن مورد رزقهم.
هشام جميل غصين (36 عاماً) لم يكن يريد الموت، بل أراد الحياة لكي يعمل ويزرع ويطعم ولديه هادي ومروان، ويجمع ما تيسر له من المال علّه ينقذ حياة طفله مروان (4 سنوات) من موت قد يكون قريباً إذا لم يستطع تأمين العلاج اللازم له، لأنه مصاب بمرض تشمّع الكبد، الذي يحتاج إلى المال الوفير لعلاجه.
يقصد هشام، كل صباح الحقول الزراعية لجرفها بواسطة جرافته الصغيرة، مورد رزقه الوحيد، التي اشتراها منذ وقت قصير بعدما عمل سنين ليحصل على ثمنها، لكن لغماً أرضياً وقذيفة إسرائيلية من مخلّفات حرب تموز انفجرت به وبعامل سوري يعمل معه ويدعى أحمد، وبجرافته (رأسماله) ما أدى الى استشهاده على الفور وجرح الفتى أحمد في بطنه.
استشهد هشام في 12 حزيران الحالي ودمرت جرافته، وبقي طفله المريض ينتظر العلاج، كما يقول الجد جميل غصين، واجتمعت القوى الأمنية وقوات اليونيفيل حول مكان الانفجار لمعرفة نوع القنبلة المنفجرة، أهي قذيفة؟ أم صاروخ أم لغم أرضي؟، لكن مصدراً عسكرياً أوضح أن الانفجار نجم عن لغم أرضي للآليات الصغيرة وضعت إلى جانبه قذيفة من عيار 155ملم.
سبق هشام شهداء كثر قتلوا بالطريقة نفسها، على يد الاحتلال الإسرائيلي الخفي، ونتيجة لتقصير المعنيين بكشف هذا الاحتلال وتحرير الأرض من المتفجرات التي تمنع الأهالي من الاقتراب إليها للبحث عن أرزاقهم ولو في حقولهم الزراعية.
وقبل شهر انضمّ جريح آخر إلى لائحة المعوقين جرّاء القنابل العنقودية التي نشرتها قوات الاحتلال في الجنوب اللبناني أثناء حرب تموز 2006. سلطان جمال مصطفى (30 عاماً) من بلدة بيت ليف الذي جرّه الفقر والعوز بسبب الحالة الاقتصادية المستعصية إلى البحث عن رزقه في الأودية والجبال، حتى تلك التي تبعد مئات الأمتار عن مسكنه، لعلّه يستفيد من ثمار الربيع لإطعام أسرته المؤلفة من ثلاثة أولاد. فقد اعتاد مصطفى مؤخراً، كغيره من الكثيرين، قصد الأودية لقطف الصعتر البلدي لإعادة بيعه وجني مورد رزقه الوحيد، وقد قصد مؤخراً أحد الأودية القريبة من الخط الأزرق بين بلدتي يارون ورميش الحدوديتين، لكن إحدى القنابل العنقودية انفجرت بالقرب منه، أمام أعين القوات الفرنسية التي لم تستطع فعل أي شيء له سوى الاتصال بمركز التنسيق الخاص بنزع الألغام في منطقة صور، الذي أرسل فريقاً تابع للجيش اللبناني يتبع المركز لأمرة المقدم حسن فقيه، الذي عمل على نقل الجريح المصاب إلى أحد مستشفيات صور للمعالجة، لكن تبين أن القنبلة العنقودية أدت الى قطع رجله اليسرى. وبحسب أحد أقربائه «لا يدري مصطفى ماذا عليه أن يفعل في المستقبل لإطعام أولاده، فحتى الصعتر البلدي لم يرحمه ولن يستفيد الذين في مثل حالته من أي زيادة على الحد الأدنى للأجور، وليس هناك من معين سوى رأفة ربه الذي خلقه».
تعليقات: