تحوّلت أولى جلسات «الهيئة المشتركة» في مجلس النواب إلى مسرح لنقاش سياسي مغلّف بأطر دستورية، استطاع من خلالها النواب الحاضرون، «مؤقتاً»، تفادي «الحكم الأولي» الصادر عن المحقق العدلي في جريمة المرفأ، القاضي فادي بيطار، المطالب برفع الحصانة عن 3 نواب ــــ وزراء سابقين
الذين اجتمعوا أمس في عين التينة «على المحقّق العدلي» في جريمة تفجير مرفأ بيروت، خلصوا إلى الآتي: «ما تقدّم به القاضي طارِق بيطار مِن حيثيات ليسَ كافياً لاستجابة مجلس النواب إلى طلبه رفع الحصانة عن الوزراء السابقين ــــ النواب الحاليين: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق». ما صدرَ بعدَ اجتماع الساعتين لم يحمل مفاجأة. أصلاً، لم يكُن مُنتظراً أن يُعطى لبيطار ما يُريده «مُعجّلاً مكرّراً»، رغم أن الجريمة تتقدم على كل ما عداها من ملفات «الضرورة». ومهما علَت أصوات أهالي الضحايا الذين اعتصموا على مدخل «قصر عين التينة» ضد المتورطين وحُماتِهم، ثمّة تسليم بأن المعركة لم تعُد بينهم وبينَ هؤلاء. المعركة الأساسية في هذا الملف انتقلت إلى مكان آخر، الجنود الأضعف فيها هم ورثة الدم، ظاهرها دستوري وباطنها سياسي بين طرفين، لكل منهما خلفية تحرّكه (المجلس والقاضي). أما حصيلة الجولة الأولى بينهما، فهي «المزيد من مغمغمة الملف».
لم يكُن مجلس النواب يحتاج إلى أكثر من الطرق التي تركها المحقق العدلي مفتوحة أمامه ليستخدمها «كدفوع شكلية» يتفادى بها مؤقتاً «الحكم الأولي» الصادر عن بيطار. صحيح أن الأخير تنبّه الى ما «سها» عنه سلفه القاضي فادي صوان، ودخل على أعضاء المجلس من أبوابه طالباً الإذن، إلا أنه غفِل ممرات أخرى تستطيع هيئة مكتب المجلس مع لجنة الإدارة والعدل سلوكها سالمين من «الرضوخ للضغوط».
وقد كانت هذه الممرات هي الأفكار المطروحة للنقاش على طاولة الهيئة المشتركة أمس، والتي لا بدّ من الإشارة أولاً قبلَ سردها، إلى الأخذ في الاعتبار أن لا مجال إلا لرفع الحصانة، بعد رفض القاضي بيطار الاستماع الى الوزراء السابقين كشهود قبل الادعاء عليهم، على أن ترفع الحصانة في ما بعد، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلال الجلسة بعدَ سؤال عدد من الحاضرين عن إمكانية ذلك. أما في ما بقي من مداولات، فإن أعضاء الهيئة المشتركة من مختلف الكتل تقاطعوا عند نقطة أن «الجلسة كانَت دستورية، وحصل فيها استعراض للوقائع والنصوص، والكتب الموجّهة من بيطار الى المجلس والمستندات المرفقة بها»، مع السؤال: «ما هو الممكن أن نفعله في هذه الحالة»؟ والممكن معناه مدى القدرة على الاستعانة بالنصوص الدستورية لكسب وقت إضافي.
من هنا، انطلق البحث الذي سبقته مداخلات للنواب (الوزراء السابقين) «المطلوبين للعدالة»، حيث عرض كل منهم ما الذي حصل معه. قال المشنوق إنه لم يتلقّ الا مراسلة واحدة بشأن نيترات الأمونيوم في المرفأ، فيما كان خارج البلاد، «وكانَ المجلس الأعلى للدفاع قد انعقد قبلَ ذلك ولم يتوقف عند الأمر»، مشيراً إلى أن «المعلومات التي وصلت إليه كانت تشير الى أن الباخرة تمرّ بشكل ترانزيت ولا علم بأن هناك مواد سيتمّ إدخالها الى المرفأ، ومن ثم في ما بعد علمنا بها وبوجود حكم قضائي يتعلق بها». وكذلك كانت مداخلات زميليه زعيتر وخليل، فيما جرت الإشارة الى أن «التحقيقات التي حضرها بعضهم قبل ذلك مع القاضي صوان لم تستمر لأكثر من ربع ساعة وأنه لم يتعامل معهم كمدعى عليهم أو كمتورطين».
ألان عون: الحصانة النيابيّة هدفها حماية النائب بسبب قناعاته لا للتغطية على ارتكاباته
كل النواب الممثّلين للكتل السياسية كانوا موافقين على أن «الأوراق الموجودة في عهدة المجلس لا يُمكن الاستناد إليها لبناء موقف قانوني». باستثناء رأي ممثلي حزب القوات اللبنانية النائبين جورج عدوان وجورج عقيص اللذين حضرا الجلسة بـ«حكم مُسبَق»، على حد وصف بعض زملائهم، و«طالبوا برفع الحصانة بمعزل عن أي شيء، ومن ثم يُمكن للنواب تقديم الاعتراضات»، وهو موقف وضعه البعض في خانة «المزايدات الشعبوية ليسَ إلّا»، علماً بأنهما كانا مؤيدين لفكرة أن «المستندات ناقصة». وكانَ عدوان وعقيص قد «اقترحا تقديم توصية برفع الحصانة، ومن ثم تُطلب المستندات الإضافية من القاضي».
النواب الذين تحدثت إليهم «الأخبار» اشتكوا بأن «الكتب التي وصلتنا مرفقة بتقارير من الأمن العام والجمارك مبهمة»، لذا «نطالب بالمزيد من المستندات» وهذا حقنا بحسب ما تنص عليه المادة 91 من النظام الداخلي التي تقول بأن «طلب الإذن بالملاحقة يقدّمه وزير العدل مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز تشتمل على نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة»، في حين أن «كتب المحقق العدلي لا تتضمن كل ذلك»، بحسب ما ادعوا.
هذه أول مادة التجأ إليها المجتمعون لتأجيل بتّ طلب رفع الحصانة عن الوزراء السابقين. بل أكثر من ذلِك، اعتبروا أن هذه المعطيات «ليست كافية بتأليف لجنة تحقيق برلمانية تضع يدها على ملفّ التفجير قبل أن تحيل الادّعاءات بحقّ الوزراء المعنيّين في حال ثبوت تورّطهم»، وهي المادة التي تسلّحوا بها لتوضيح نقطة أساسية، ألا وهي «أن الهيئة ليست هي الجهة المخوّلة بإعطاء الإذن، وإنما على هيئة مكتب المجلس تقديم التقرير الى الهيئة العامة لمجلس النواب وهناك يعطى الإذن أو يُحجَب، وهذا التقرير يجب أن يكون مُحكماً بحسب ما تطلب المادة»، وبالتالي «الحديث عن رفضنا الطلب من عدمه كلام غير دقيق».
كما أخذت المادة المتعلقة بأصول محاكمة الرؤساء والوزراء جزءاً كبيراً من النقاش وهي المادة 70 من الدستور التي تنصّ على صلاحيّة مجلس النواب باتهام رئیس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخیانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة علیهم». حتى على هذه المادة فُتِح الجدال لأنّ «النصوص لم تحدّد ماهيّة الجرم للوزراء، إن كان إهمالاً وظيفياً أو غير ذلِك»، بينما اعترض البعض على قاعدة أن التحقيق «كان يجب أن يكون في الأساس في عهدة المجلس، وكان من المفترض تأليف لجنة برلمانية للتحقيق بدلاً من أن يكون بيد القضاء». غيرَ أن كل هذه النقاشات لا تلغي حقيقة أن أهالي الضحايا يريدون مسؤولاً عن هذه الجريمة «ولا يمكن أن لا تكون الدولة مسؤولة» كما أشار النائب ألان عون مثلاً، الذي اعتبر أن «الحصانة هي فقط لحماية النواب في حال استهدافهم بسبب قناعاتهم السياسية وليس للتغطية على ارتكاباتهم».
كل هذه المداولات اختصرها نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي بالقول «انتهينا بوجوب طلب خلاصة عن الأدلة الواردة بالتحقيق وجميع المستندات والأوراق التي من شـأنها إثبات الشبهات والمتعلقة بكل من المدعوين للاستجواب، سنداً للمادة 98، للتأكد من حيثيات الملاحقة، لنبني على الشيء مقتضاه وأخذ الإجراءات الدستورية الضامنة لإحقاق الحقيقة».
في السياق نفسه، رفض وزير الداخلية محمد فهمي منح الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. فما كان من القاضي بيطار إلا أن «استأنف» قرار فهمي، طالباً من النيابة العامة التمييزية منحه إذن ملاحقة إبراهيم. وسيكون أمام النيابة العامة 15 يوماً لبتّ طلب بيطار، إما رفضاً، أو موافقةً. وفي حال انقضاء المهلة من دون قرار، يُعدّ ذلك موافقة على الملاحقة.
تعليقات: