السياحة الداخلية داعماً لوكالات السفر التقليدية... مَن هم روّادها؟

من محمية تعنايل
من محمية تعنايل


بعد عام ونصف العام على الإقفال الذي ألحق أضراراً جسيمة بالقطاع السياحي، لا سيما وكالات السياحة والسفر، سواء بسبب انتشار كورونا عالمياً أو الأزمة الاقتصادية المحليّة، بدأ عدد كبير من وكالات السياحة والسفر، في بداية موسم الصيف، بتنظيم رحلات سياحية داخلية هدفها مساندة القطاع المهدّد، وتحريك عجلاته.

وتتركّز السياحة الداخلية حالياً إمّا على السياحة الثقافية وإمّا على السياحة البيئيّة اللتين أصبحتا داعماً لقطاع #وكالات السفر في ظلّ هذه الأزمة.

تشهد السياحة الداخلية حركة نشطة حالياً، بحسب ما يفيد نقيب أصحاب وكالات السفر في لبنان، جان عبود، في حديث لـ "النهار"، الذي يؤكّد أنّها "أنشط من جميع السنوات الفائتة، بالرّغم من أن الأمر لا ينطبق على جميع الأفراد؛ فثمّة لبنانيون قوّتهم الشرائية لا تسمح لهم بالقيام بهذه السياحة أو قضاء ويك-أند مثلاً في منطقة جبليّة ما. فمَن يُنشّط هذه الحركة هم الذين يحقّقون مداخيل ماليّة بالعملة الصعبة والدولار. فتكلفة أقلّ ويك-أند في البترون وجزين وغيرهما تبلغ نحو مليون ليرة مثلاً بدل قضاء ليلة في الفندق. لذلك، فإنّ روّاد هذه الحركة هم لبنانيّون يعملون في الخارج، أو مغتربون يزورون بلدهم الأم، أو من اللبنانيين الذين يتقاضون رواتب بالدولار، وهم النسبة القليلة، ثم العاملين في شركات أجنبية".

لكن، هل يمكن أن تعوّض هذه الحركة القطاعَ خسائره التي أصابته جراء الأزمة الاقتصادية وإقفال البلاد بسبب كورونا؟

يجيب عبود بأنّ هذه الحركة هي داعمة لهذا القطاع لكن ليس كما هو مطلوب؛ فقبل الأزمة تلقّى القطاع "الصاع صاعين" بسبب انتشار كورونا والأزمة الاقتصادية. وقد شكّلت السياحة عنصراً أساسياً ومساهِماً في الدخل القومي في لبنان؛ ومشاركة القطاع السياحي في الدخل القومي في العام 2010 و2011 قُدِّرت بنحو 9 مليارات ونصف المليار وأحياناً 10 مليارات دولار؛ أمّا الآن فتراجع هذا الواقع بطبيعة الحال، وحالياً يعتبر محرّك السياحة الداخلية التحويلات الخارجية، إذ هناك نسبة من اللبنانيين تعيش بفضل هذه التحويلات، التي تُقدَّر بنحو 5 أو 6 مليارات دولار، وهي التي ما زالت تجعلنا "نقف على أرجلنا"، وفق عبود.

لطالما كانت السياحة الداخلية جزءاً من عمل وكالات السياحة والسفر، وكانت تسير بعشوائيّة ظاهرة؛ إنّما حالياً - بحسب عبود - "أصبح لها روّادها عبر وكلاء جُدد، ظهروا خلال هذه الأزمة. وبحسب المناطق، ساندت البلديات هذه النشاطات وشجّعتها، وكلّ منطقة ابتكرت زبوناً محليّاً ينمّي هذه النشاطات ويسوّقها لوكالات السياحة والسفر التقليدية التي باتت تستعين بأشخاصٍ رائدين، ظهروا في قطاع السياحة الداخلية، وهم نشيطون جداً. فمثلاً، في الشوف وجزين وفقرا وسواها، خلقوا منتجاً جديداً، وأسعفوا من خلاله وكالات السياحة والسفر التقليدية. فمنظِّم الجولات كان يستقطب مجموعات من الخارج ليسوحوا في لبنان، إنّما الآن بات المنتج الجديد محليّاً بأشخاص جدد و"برافو عليهن".

مارك عون هو أحد هؤلاء الوكلاء الذين يساندون وكالات السياحة والسفر التقليدية، فهو رئيس منظمة Vamos Todos غير الحكومية، التي تُعنى بالسياحة البيئية والمسؤولة في لبنان. وهناك تعاون بينهم وبين وكلاء السياحة والسفر في ما يتعلّق بالسياحة الداخلية، "بما أنّ هذه الوكالات لا خبرة كبيرة لها بالسياحة الداخلية، خصوصاً السياحة البيئية ورياضة المشي"، ويوضح أنهم "يستعينون بنا لمساعدتهم في تنظيم الباقات داخل لبنان. وقد أعددنا العديد منها لوكالات سفر عديدة".

ويعزو عون ازدهار السياحة الداخلية "إلى الوضع الاقتصادي المتردّي ووباء كورونا، الذي حوّل التركيز باتجاه السياحة الداخلية. ومن المؤكَّد أنّ الوكالات تعوّض حالياً بعضاً من خسائر الإقفال، لكنّ أرباحها قليلة نسبةً إلى ما كانت تسجّله من أرباح في السابق بفضل تنظيم رحلات إلى الخارج. وهناك إفادة داخلية أيضاً عبر مساعدة وكالات السفر وتشجعيها للسياحة الداخلية وهذا هو المطلوب حالياً".

وروّاد هذه السياحة هم من الأجانب المقيمين في لبنان، الذين يهتمّون بشكلٍ كبير لهذا النوع من السياحة، نظراً إلى وجوب ملازمتهم الأراضي اللبنانية وصعوبة السفر بسبب انتشار كورونا. لذلك يصبح تركيزهم على الداخل إلى جانب اللبنانيين المقيمين الذين يستفيدون من الباقات ومن بيوت الضيافة التي يتمّ التسويق لها أكثر وأكثر، وهي نشاطات ناجحة، وفق عون.

لكن لماذا يتّجه الناس نحو وكالات السفر للسياحة الداخلية وليس الى منظّمي الرحلات بشكلٍ مباشر؟

برأي عون، السبب يعود إلى أنّ "قسماً كبيراً من اللبنانيين للأسف لم يكن لديه وعي لما في لبنان من مناطق سياحية وبيوت ضيافة وبرامج، وكانوا عندما تسنح لهم الفرصة يسافرون إلى الخارج فوراً. لذلك، هم يلجأون إلى وكالات السفر بشكل أوّلي، إذ لطالما كانت علاقتهم المباشرة معها، والوكالات توفّر هذه النشاطات مع زبائنها اللبنانيين أو الأجانب الذين كانوا يركّزون نشاطهم خارج البلد".

من جهتها، تقيم إحدى وكالات السفر العريقة جولات سياحيّة يوميّة في لبنان. وتقول مسؤولة في الوكالة إنّهم يقيمون الجولات اليومية في لبنان منذ زمن، لكن بسبب انتشار كورونا توقّفت هذه النشاطات، إلّا أنّ الوكالة استأنفت هذا النشاط منذ بضعة أيام.

وتضيف أنّ روّاد هذه الجولات هم من الأجانب، لأنّ دفع ثمنها بالدولار، والأجانب يهتمّون بالجولات السياحية الثقافية، وهو ما تقوم به الوكالة، بينما اللبنانيون يرغبون في رحلات داخل الباصات مع الاستماع إلى الموسيقى، أو يخرجون بسياراتهم إلى المناطق الجبلية مع عائلاتهم أو مع أصدقائهم للمشي ولا يهتمّون بالسياحة الثقافية. وحالياً، هناك زبائن أجانب لهذه السياحة الداخلية، من البريطانيين والفرنسيين لكن بنسبة قليلة. وبالرّغم من أنّ لبنان مليء بالسيّاح المصريين والعراقيين والأردنيين، فإنّهم لا يهتمّون بالجولات السياحية المماثلة، وإذا ما توجّهوا إلى السياحة الداخلية فإنهم يستقلّون سيارات أجرة أو يستأجرون سيارات خاصة. كما أنّ هناك زبائن لبنانيين أيضاً لم يزوروا المناطق السياحية قط في حياتهم، ويهتمّون بالجولات التي تنظّمها الوكالة.

هل تغطي هذه السياحة بعضاً من خسائر الوكالات؟

"لا، أبداً، فنحن ننظّم هذه الرحلات فقط لكي يبقى اسمنا في السوق، لكن ثمن الرحلة اليومية، ولو بالدولار، لا يغطّي المصاريف الباهظة الحالية". وتضيف أنّه جرت العادة أن يعملوا على الزبائن الأجانب من البرازيل وإيطاليا وغيرها، لكن الآن ومع كورونا، أصبح الأمر صعباً مع وجوب الالتزام بالحجر الصحيّ، لكن هناك مجموعات من الأجانب حجزت لجولات داخل لبنان في شهري أيلول وتشرين الأول.

تعليقات: