وسط أزمة الكهرباء في لبنان، وضآلة التغذية بالتيار، وسياسة التقنين لدى مولّدات الاشتراك، شهدَت السوق طلباً على شراء أنظمة الطاقة الشمسيّة البديلة لضمان حاجات السكّان من الطاقة.
فهذه الأنظمة المبتكرة منذ زمن طويل تسمح لأصحابها بتخزين الطاقة، ويمكنها أن توفّر الدفعات الشهرية المخصّصة لمصادر الطاقة المختلفة، بالإضافة إلى اقتصار صيانتها على أعمال دورية طويلة الآجال؛ والأهم، اليوم، أنها تستغني عن المحروقات والزيوت.
لكن هذه الأنظمة ذات تكلفة غير متيسّرة لعموم المواطنين، لأنّها في الأساس منتجات مستوردة، أو هي سلع مجمّعة في لبنان من قطعٍ مستوردة، ما يلزم تسعيرها وفق مستويات الدولار المتأرجحة ثمناً لموادّ التصنيع والقيمة المضافة لبنانياً.
وسط كلّ ذلك، تشكّل أنظمة الطاقة البديلة النظيفة حلاً في متناول الجميع، وإن يكن الذين يطالونها هم المقتدرون، الذين أنعشوا قطاعاً لم يشهد هذه الحركة منذ وقت طويل.
يروي أحد المواطنين أنّ بعد تحركات 17 تشرين، اتّخذت الأزمة منحى تصاعدي، ما دفعه إلى اقتناء نظام الطاقة الشمسية في منزله الذي كان يبنيه في قريته، "رغم أنّني كنت بأمس الحاجة إلى هذه الأموال".
ولم يكن يمتلك روجه الدولار ليدفع ثمن هذا النظام، إلّا أنّه سحب ما يُسمح له بسحبه من المصرف بالليرة وصرفه على الدولار، والجزء الآخر من المبلغ دفعه عبر شيكات مصرفية "كلّها خسارة بخسارة لكن لم يكن أمامي سوى هذا الخيار لو مهما كلّفني، وإن لم أؤمّن الكهرباء لن أستطيع حتى الخروج من منزلي فبوابة المنزل تعمل على الكهرباء"، بحسب روجيه.
وبعد أن نصح إبنته بإعتماد هذا النظام في منزلها في بيروت، أخذت بالنصيحة. فهي أمّ لولدٍ وحامل، ومن الصعب أن تستمر دون كهرباء.واشترى روجه نظام الأربعين أمبير، وتكلّف عليه ما يفوق الـ 15 ألف دولار.
في شركة Kypros الرائدة في تأمين الطاقة الشمسية، تفيد صاحبة الشركة، سمر عكر، بأنّ الطلب هائل وكثيف على #أنظمة الطاقة الشمسية، والشغل "نار". فالناس متخوّفون من انقطاع شامل للكهرباء، ويريدون أن يؤمّنوا لأنفسهم مصدراً للطاقة، سواء عبر اعتماد أنظمة تسخين المياه عبر الطاقة الشمسية أم عبر أنظمة توليد الكهرباء التقليديّة، في ظلّ ارتفاع بدلات الاشتراك لدى المولّدات، التي أصبحت باهظة، وقد ترتفع مستقبلاً مع ارتفاع أسعار المحروقات.
قبل اليوم، مرّت الشركة خلال سنوات بفترات صعبة، تضاءل فيها حجم الأعمال. لكنّها في هذا العام، عاودت أعمالها والانطلاق بقوة؛ فقَبل اليوم - بنظر عكر - لم يكن الناس مستعدّين لأن ينفقوا 10 أو 20 ألف دولار لتأمين نظام كهرباء خاصّ بهم، لكنّهم اليوم أصبحوا مستعدّين بسبب انهيار نظام التغذية الرسميّة والبديلة المرتكزة على المولّدات.
في السياق، تشتكي عكر من صعوبات استيراد المستلزمات؛ فاستيراد أقلّ حاوية يكلّف حوالي 150 إلى 200 ألف دولار، ويتطلّب الدولار الـfresh، الذي لا يتوفّر بسهولة. وإذا ما توفَّر، فلن يكون المستورِد قادراً على استلام بضاعته قبل حوالي ثلاثة أشهر.
إضافة إلى ذلك، ثمّة مخاوف تراود المنتج والصناعي وسط بلاد غير مستقرّة من الناحية السياسية والاقتصادية، حيث لا يدري أنّه يستطيع بيع منتجاته واستعادة مبالغه المصروفة وتحقيق أرباح، خصوصاً لمن كان كالسيدة عكر (صاحبة مصنع لتصنيع أنظمة تسخين المياه)، مضطرّاً إلى شراء الموادّ الأوليّة للصناعة أيضاً بالدولار، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الشحن التي تزيد كلّ أسبوع.
أصغر نظام توليد كهرباء لدى عكر تبلغ طاقته خمسة أمبير، وثمنه 3300 دولار، والزبائن مستعدّون لأن يدفعوا لقاء اقتنائه، وفق تأكيد عكر.
في السياق نفسه، تُفيد مديرة شركة Dawtec لتأمين الطاقة الشمسية، ساندرا عون، أنّ الطلب كبير جداً على أنظمة الطاقة الشمسيّة لتوليد الكهرباء حالياً، "وقد زاد المبيع 8 أضعاف عن شهر تموز من العام الماضي، فمنذ عدّة سنوات لم نشهد هذه الحركة". الإقبال على هذه الأنظمة واسع جداً، لأنّ وجودها أصبح ضرورة في ظلّ تقنين الاشتراكات وانقطاع كهرباء الدولة، والناس يريدون أقلّ قدر من الطاقة من أجل الحفاظ على أطعمتهم في البرادات، مع الإضاءة والإنترنت والتلفزيون، إذ هذه الأمور أساسية في حياتنا المعاصرة، ولا يُمكن الاستغناء عنها؛ لذلك أصبح اللجوء إلى اعتماد أنظمة الطاقة الشمسيّة هو الحلّ الأمثل في هذه الظروف.
وبحسب عون، يُستَعاض عن اشتراك مولّدات الكهرباء بنظام الطاقة الشمسيّة، الذي يجب أن يترافق مع تغذية كهربائيّة من الدولة، "إلّا أنّنا نعيش وضعاً استثنائياً؛ فحتى كهرباء الدولة مقطوعة. لهذا، تُقبل الناس على اعتماد نظام توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. لكن على الراغبين في نظام كهذا أن ينتبهوا إلى استهلاكهم، وأن ينظّموه بحسب حجم النظام الذي اعتمدوه، فهناك أنظمة بعدّة باقات من 5 إلى 40 أمبيراً و أكثر، بحسب حاجات الأشخاص والمساحات المُتاحة".
وفي سؤال عن إمكانية التوفير في اعتماد هذه الطاقة، في ظل ارتفاع أسعار اشتراكات المولّدات، تشرح عون أنّ كهرباء الدولة حالياً على سعر 1500 ليرة هي أوفر من وضع نظام الطاقة الشمسية، لكنّ هذه الكهرباء مقطوعة، ونظام الطاقة الشمسية يبقى أوفر من اشتراك المولّدات، خصوصاً مع أزمة شحّ المازوت وارتفاع أسعاره.
وأما أسعار الأنظمة الشمسيّة فتتبع طاقتها، إذ يبلغ سعر نظام الخمسة أمبير 2800 دولار، ويؤمن كهرباء لمدّة أربع ساعات ليلاً، بالإضافة إلى ساعات تشغيله خلال النهار، والعشرة أمبير 3900 دولار، والعشرين أمبير 6600 دولار.
وعن مدى قدرة الناس على شراء هذه الأنظمة مع تراجع قدرتهم الشرائية، تقول عون إنّ معظم الناس لجأوا إلى هذا الخيار، ويعتمدون العشرة والعشرين أمبيراً. لكن بهدف تخفيض بعض التكلفة على الزبون، تلجأ الإدارة إلى بيع جميع مكوّنات الأنظمة إلى الزبون، وتوكل إليه تركيبها بإشراف مهندس من قِبل الشركة. وهناك أيضاً أشخاص لديهم UPS، لكنّهم غير قادرين على الاستفادة منه بسبب غياب الكهرباء من المولِّد والدولة؛ لذلك يعتمدون نظام الخمسة أمبير فقط، وبذلك يخفّضون التكلفة عليهم.
جميع أدوات هذه الأنظمة مستورَدة، والأسعار جميعها بالتالي مدولرة. وبحسب عون، من الصعب أيضاً استيرادها بسبب أزمة المصارف والقيود التي وضعتها على الحسابات، إلى جانب ارتفاع تكلفة الشحن بسبب انتشار كورونا عالمياً.
هل نشهد إقبالاً على صناعة ألواح الطاقة الشمسيّة في لبنان؟
من جهته، يُشير المدير العام لوزارة الصناعة، داني جدعون، إلى أنّ لوحات توليد الطاقة الشمسيّة تُصنّف كصناعة تجميعيّة في لبنان، وليست صناعة أصيلة تبدأ من الدرجة صفر؛ وهناك حركة في إطار الطلب على هذه الأنظمة، لكنّ المشكلة في أنّ تكلفتها ما تزال باهظة. فحين كانت الكهرباء رخيصة في لبنان، لم يكن الناس يتّجهون إلى اعتماد هذه الأنظمة كخيار، لكن من الممكن جداً أن ينشط هذا القطاع في ظلّ أزمة المحروقات وارتفاع أسعارها.
والمشكلة الأخرى، برأي جدعون، تكمن في أنّه إذا أراد المستوردون زيادة استيرادهم لهذه الأنظمة، فهم يواجهون صعوبات في عدم تمكّنهم من التصرّف بحساباتهم المصرفية، بالرّغم من أنّها الفرصة المؤاتية لأن تقوى الصناعة المحلية. مع ذلك، هذه الصناعة يمكن أن تنتعش، مضيفاً أنّ الطلب على تراخيص صناعة هذه اللوحات محدود.
وشجّعت وزارة الصناعة وتشجّع على اعتماد الطاقة الشمسيّة في الاستثمارات، لا سيّما في المصانع ابتداءً، حيث عقدت اتفاقيّات لاعتماد الطاقة البديلة والصناعة الخضراء، بالإضافة إلى دعم مَن يعتمد الطاقة البديلة في الاستثمارات بالتحفيزات مع غير ذلك من المشاريع.
تعليقات: