دفنت الضحية على وجه السرعة (سوشيال ميديا)
عند الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس 29 تموز الحالي، عثر أحد المواطنين على جثة شابة مرمية على الطريق العام بعلبك- نحلة، في محلة حيّ الشُعَب، في مدينة بعلبك. ليتضح لاحقًا أنها جثة المدعوة ساندرا علي الصلح (20 سنة)، مضرجةً بدمائها نتيجة تعرضها لطلقٍ ناريّ في منطقة الصدر. وقد رُميت الجثة بمحاذاة منزل ذويها. وما لبث أن حضرت القوى الأمنية والمباحث الجنائية وباشرت بالتحقيق.
المعطيات الأوليّة
تقول إحدى قاطنات المنطقة لـ"المدن"، وهي ربّة منزل (٤٥ سنة)، وهي قريبة المجنيّ عليها، والتّي رفضت ذكر اسمها، طالما أن آل الصلح رفضوا الحديث عن الواقعة منتظرين نتائج التحقيق، عن مقتل المدعوة الشابة ساندرا، وهي طالبة ثانوية عامة في ثانوية بعلبك الرسميّة، عزباء، ولديها أخوين: "فجر اليوم، وبُعيد اشتباكات عنيفة دارت مؤخرًا في المنطقة، استيقظ أهالي حيّ الشُعَب، على جلبة القوى الأمنية، المحيطة بجثة الشّابة المرميّة على ناصية الشّارع، متلافين النزول أو حتّى الاقتراب تخوفًا من الاشتباه بأي منهم".
وفي الوقائع، عَمدت القوى الأمنية الى جلب المدعو علي الصلح، أب المجنيّ عليها، وأخويها، بُغية التحقيق معهم. وقد أفضت التحقيقات الأوليّة إلى أن القتيلة قد قتلت عن طريق الخطأ، وذلك بفعل رصاصة مفاجئة خرجت عندما كان أخوها يعمل على تنظيف سلاحه الحربيّ. وقد أفاد الطبيب الشّرعي، أن القتيلة قد قتلت نتيجة عيار ناري قريب.
وخلافًا للتقاليد دفنت الضحية على وجه السرعة بعد ظهر يوم الخميس، وذلك السّاعة السّادسة والنصف عصرًا. وقد انطلقت الجنازة من منزل عمها غسان الصلح قرب مسجد المقاصد، ثم أُقفل محضر التحقيق!
سجال
وتبدو الحادثة المروعة من مشاهد كثيرة أخرى مختلفة، مروعة ومعتادة، في منطقة بعلبك قبل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وبعدها، كما بعد انزلاق المنطقة نحو درك التناسي الرسمي المزمن، وفي زمن الاشتباكات العنيفة والمتجددة والدوريّة، حيث باتت هذه الحوادث روتينية عند أهل المنطقة. فجاءت الحادثة هذه لتجدد سجالاً واسعًا بين ترجيحات محتملة ومنطقية وتبريرات وحجج أخرى مصاغة في القالب نفسه والمتكرر عند وقوع حوادث مماثلة.
فقد رجح البعض، ومن ضمنهم جمعية التجمع النسائي الديمقراطي، وعبر تصريحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الإجتماعي، إمكانية مقتل الشّابة بـ"جريمة شرف"، في حين أن البعض الآخر تبنى نظرية مقتلها بالخطأ، وغيرهم ممن اعتبر مقتل الفتاة نتيجة الصراعات والجرائم والأعمال المتفلتة والعابثة بالقانون في المحلة، والنزاعات المسلحة التّي أوّدت سابقًا بحياة آخرين.
وقد أفاد أحد المقربين من العائلة برواية تتضمن محاولة إطلاق النار من قبل أب الفتاة المتعاطي للمخدرات على ابنه، بعد مشادة كلامية وشجار بينهما، لتنتهي الرصاصة مستقرة بصدر الشّابة ساندرا.
على أي حال لا يمكن الحكم على هذه القضية بصورة عشوائية. إذ أن أي صبغة قد تصيب الحادثة لا بد أن تضّر بمجرى التحقيق، وتفضي طرديًا إلى طمر القضية، وإدخالها في درج القضايا الأمنية غير مكتملة المعالم.
دوامة الموت
والحادثة المؤلمة هذه، بكل ما يتداخل فيها من دلالات وشبهات، وفي ظل النفس الاستسلامي والعبثي التاريخي الذي يحيط قسرًا بأهالي منطقة بعلبك، باتت بشكلٍ أو آخر مقبولة ومتوقعة، ومعروفة الخواتيم، ودائمًا ما تأخذ طابعاً أمنياً، ما يؤدي طرديًا لعدم تحويلها إلى القضاء، والتستر عليها. وهنا يبقى التحدي الأصعب على القضاء والأمن في بعلبك، من جهة التعاطي بنزاهة ومسؤولية مع هذه القضية وكل القضايا والحوادث التي سبقتها وستلحقها، وأن تأخذ العدالة مجراها، العدالة للضحايا، ضحايا الاشتباكات، والإفقير، و"الشرف" وغيرها من الآفات الإجتماعية التّي تنتشر في عمق تلك المنطقة، ولم تعالج إلى الآن.
وتبقى السلطات اللبنانية المتقاعسة والعاجزة، والمتواطئة أحياناً، هي المسؤولة المباشرة عن هذا الخراب والموت المجاني.
تعليقات: