قطاع الغاز الذي ظل حتى الأمس القريب محيداً عن أزمة المحروقات نظراً لحجمه الصغير، لحقته "لعنة" عدم فتح الإعتمادات، وتوزيعها بحسب المحسوبيات. ونظراً إلى كون المخزون الموجود لا يكفي لأكثر من أسبوع، فان أزمة غاز بدأت تلوح في الأفق وتنعكس انقطاعاً لهذه المادة في الكثير من الأسواق والمحلات وتحولها كالمازوت إلى سوق سوداء. الأمر الذي دفع برئيس نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز فريد زينون إلى مناشدة المسؤولين عموماً، ومصرف لبنان خصوصاً، فتح الإعتمادات سريعاً وعدم جر قطاع الغاز إلى حفرة المازوت والبنزين. "أمّا إن كانت هناك نية بعدم فتح الإعتمادات، فليصارح المسؤولون المواطنين بحقيقة الوضع، وليضعوا آلية لرفع الدعم لكي يتمكن المستهلكون من تأمين أبسط حاجاتهم ومتطلباتهم في ظل هذه الأزمة. ذلك أن الغاز مادة أساسية لتحضير الطعام في المنازل، وتعتمد عليه آلاف المؤسسات الصناعية والخدماتية الإستشفائية على صعيد الوطن. وفقدانه يعطل الحياة اليومية"، كما يقول.
أزمة المحروقات التي تذل المواطنين ما هي إلا النتيجة الطبيعية لـ"نقل ملف الدعم من مكانه الطبيعي في الحكومة إلى مكانه غير الطبيعي في مصرف لبنان"، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي. فـ"من المستحيل إيكال إدارة ملف إقتصادي وإجتماعي وإنساني بهذه الضخامة والدقة إلى مصرفيين بخلفيات حسابية فقط، وإنتظار نتيجة مغايرة. وعدا عن طريقة الحساب المتعلقة بالربح والخسارة، فان فشل الحكومة وتخليها عن الملف، حتى قبل استقالتها وتحولها إلى تصريف الأعمال مع إطلاق يد المركزي، جعل الأخير يستنسب في فتح الإعتمادات. فلم يعد هناك من معيار موحد لكيفية فتح الإعتمادات وتوزيعها بين القطاعات والمستوردين، مع غياب تام لقواعد الوضوح والشفافية والعدل التي يجب أن تحكم مثل هذه العملية. وما "زاد الطين بلة" من وجهة نظر الخولي هو: "دخول السياسيين على خط الدعم وتحصيلهم من المركزي إمضاءات على اعتمادات لمصلحة مقربين وشركاء وداعمين قبل غيرهم، وعلى حساب بقية الملفات".
هذا الواقع المشوه "لم يكن دعماً" كما حاولت السلطة ومصرف لبنان الإيحاء، بحسب الخولي، "إنما استمرار لسياسة تثبيت سعر الصرف على سلع محددة بهدف كسب الوقت وتأخير الإنفجار". من هنا لا يمكن الإنتقال من سياسة التثبيت إلى سياسة الدعم من دون المرور بآلية واضحة، عكس التي انتهجت منذ بداية الأزمة. وعلى الحكومة الجديدة استعادة ملف الدعم من مصرف لبنان، وإعادة هيكلته بما يتفق بشكل حقيقي مع مصالح المواطنين وحاجاتهم. خصوصاً في المرحلة الأولى التي تتطلب إدارة الأزمة قبل البدء بالمعالجة. والحلول التقنية لذلك كثيرة ولا تتطلب أكثر من قرار سياسي للبدء بالتطبيق والتنفيذ سواء كان في ملف الدواء أو المحروقات أو غيرهما من السلع والمنتجات. فما جرى في الملف المعروف بالدعم يرقى إلى مستوى الجريمة التي تتطلب معاقبة ومحاسبة المقصرين من وزراء ومسؤولين. فكيف يعقل ان يمر موت مواطنين مرور الكرام لانه لا يوجد دواء، أو إذلالهم لأشهر على المحطات وأمام الصيدليات.
* المصدر: نداء الوطن
تعليقات: