تخوض القوى السياسية في لبنان معركتها اليوم تحت عنوان: عليّ وعلى أعدائي. وفيها يتحول الناس إلى الأعداء والضحايا. فخطوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم، وعلى النحو الذي أعلنه، تؤكد أنه يخوض معركته الأخيرة، وأنه الخاسر في هذه المعركة، ولا يفكر بمستقبل سياسي أو يسعى إليه.
خانق البلاد يختنق
لقد احترق رياض سلامة أو أحرقه واستنزفه كل من خطب ودّهم وطلب رضاهم. وما يريده اليوم لا يتجاوز الحفاظ على نفسه وحماية رأسه، وتوفير مخرج آمن له، عندما تحين اللحظة ويحصل التوافق الخارجي والداخلي على تنحيته. وما يعمل عليه هو تجنّب وقوعه بين يدي رئيس الجمهورية ميشال عون قضائياً. لا مشكلة لديه بالاحتراق سياسياً، وكان قد بدأ يحترق منذ إبرام التسوية الرئاسية في العام 2016، ولذلك جدِّد له لولاية كاملة، انتجت سياسات نقدية مدمّرة.
لم يعد لدى سلامة ما يخسره. وهو مهدد بإصدار مذكرة توقيف وحكم قضائي بحقه. ويحاول تجنّب ذلك. يستند على دعم قوى داخلية وخارجية. وقد أصبح في معادلة طردية مع العهد، تنعكس سلباً على لبنان واللبنانيين، وعلى كل من وما يتحرك ويتنفس في البلد. عندما يشتد الخناق عليه يلجأ إلى اتخاذ قرار ما، وكان آخرها رفع الدعم عن المحروقات. لذا تعنف الحملات ويشتد الضغط عليه أكثر. وهناك من يشد الخناق عليه، فيطوقه في منزله وعلى الطريق التي يسلكها. فيضطر إلى فتح باب البازار والتفاوض للوصول إلى تسوية. تسوية تحميه موقتاً وتلبي احتياجات القوى السياسية: تجميد قرار رفع الدعم والبحث عن صيغة مرضية أو أقل تفجراً. والبحث عن مخرج لائق لسلامة وعدم محاكمته.
وهذه القاعدة قديمة جديدة. في السابق كان عون واضحاً مع سلامة: لايمكن التفكير برفع الدعم في العهد العوني ولا بأي شكل من الأشكال. فذلك سيعني ضربة قاصمة للعهد. وافق سلامة مقابل التفاوض على مغادرة منصبه، وتوفير مخرج لائق وآمن له. التزم بما طُلب منه، لكنه لم يسلم من الحملات. لذا، عاد إلى الضرب تحت الحزام لاستدراج التفاوض مجدداً: تفاوض على مصائر شخصيات سياسية، على حساب مصير شعب وبلد.
وعون يريد رأسه
وميشال عون يخوض بدوره آخر معاركه وعلى القاعدة إياها: عليّ وعلى أعدائي. لم يعد لديه ما يخسره في عهده. وهو مستعد للدخول في معارك طاحنة لتوفير مستقبل خلفه ووريثه.
لا، لا يتحمل قط رفع الدعم بهذه الطريقة. ولا يمكنه التنازل عن قواعده الثابتة في عملية تشكيل الحكومة، واضعاً نصب عينيه عدم تسليم البلاد لأحد سواه. فالحكومة المزمعة هي حكومة إدارة انتخابات، وربما إدارة فراغ. ولن يسلمها عون القرار في البلاد. لذا يتشدد في مطالبه وشرط موافقته على كل الوزراء ويكون شريكاً في اختيارهم. أو تسميته في الحد الأدنى 9 وزراء تابعين له.
والأهم أن عون يريد تصفية حساباته الأخيرة مع رياض سلامة، واقتحام امبراطورية لبنان المالية المفلسة. ويريد عون من ميقاتي الالتزام بالتضحية برأس رياض سلامة، من بوابة التدقيق الجنائي. وحتى الآن لا يبدو عون واثقاً ثقة كاملة بالتزام ميقاتي ذلك.
معركة ميقاتي
الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، يخوض بدوره إحدى أهم معاركه: تشكيل حكومة في هذا الظرف الصعب. وهي مغامرة حقيقية. لكن ميقاتي يسعى إلى تثبيت جملة وقائع، رغم أن الظروف تفرض عليه خوض معركته على قاعدة عليّ وعلى أعدائي، وربما على حلفائي أيضاً.
وفي حال نجح في التشكيل، يكون ميقاتي حقق إنجازاً شخصياً لم يحققه أحد من قبله. وإذا تمكن من إحداث بعض انفراجات وأحسن إدارة بعض المبالغ المالية التي يحصل عليها لبنان من مستحقاته في صندوق النقد، يعتبر أنه حقق إنجازاً. وهذا ينعكس عليه إيجاباً، حكومياً وانتخابياً.
ويحاول ميقاتي الحفاظ على ماء وجهه لناحية توزيع الحقائب، وخصوصاً الداخلية التي نجح في تثبيتها من حصته مقابل توزير شخصية يقبلها عون. لكن هذا كله يظل بلا أهمية، في حال وافق ميقاتي على مساعي عون "المالية" وعلى تشكيل حكومة تلبي الشروط العونية.
تعليقات: