عون لسلامة: مش مطلوب منك شي بقى.. فيك تفلّ (دالاتي ونهرا)
روايتان لقرار حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بوقف الدعم عن المحروقات.
الرواية الأولى، تقول إن سلامة لم يكن ليتخذ قراره هذا من دون غطاء وموافقة ضمنية من قبل المجلس الأعلى للدفاع، الذي يترأس جلساته رئيس الجمهورية ميشال عون. ما يعني أن عون أعطى سلامة إشارة رفع الدعم.. وفيما بعد، يوجه له أكثر من ضربة. الأولى، يجبره على تخفيض السعر الذي حدده للدولار. والثانية، تبرير أي هجوم عليه لمحاكمته، بعد تحديد جلسة جديدة للتحقيق معه، في شهر أيلول المقبل. وبذلك، أيضاً يكون عون قد فتح طريق تشكيل الحكومة أمام نجيب ميقاتي، بناء على اتفاق مسبق بينهما، حول مصير سلامة والتدقيق الجنائي.
أما الرواية الثانية، فهي مناقضة للأولى، وتعتبر أن سلامة (وبعض القوى الداعمة له) استشرف خطراً على مصيره، بنتيجة قرب الاتفاق على تشكيل الحكومة بين ميقاتي وعون، فقرر مع بعض داعميه القيام بخطوة انقلابية، وتفجير الوضع الاجتماعي في البلد.
الساعات المقبلة ستكون كفيلة بتوضيح وتثبيت أي من الروايتين.
التدقيق الجنائي ومصير الحاكم
بالعودة إلى التفاصيل، منذ مدّة يعلن رياض سلامة عدم قدرته على الاستمرار بتوفير الدعم. قبل أسبوعين، أصدر بياناً أكد فيه أنه صرف أكثر من 800 مليون دولار على دعم المحروقات.. وكلها تبخرت. كان ذلك تمهيداً لخطوته بالتوقف عن الدعم. وبنتيجة الاتصالات معه، كان يؤكد حاجته إلى إقرار قانون في مجلس النواب لتغطية الصرف من الاحتياطي الإلزامي، كي لا تتم محاكمته لاحقاً. في هذا الوقت، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يفاوض مع أي شخص يريد تشكيل الحكومة على ضرورة الإطاحة بسلامة.
وكانت "المدن" قد ذكرت سابقاً في مقالات متعددة أن عون يشترط إنجاز التدقيق الجنائي ومحاكمة سلامة قبل أي حكومة ستتشكل. وشكّل هذا البند نقطة أساسية في المفاوضات بين عون ونجيب ميقاتي.
داخل المجلس الأعلى..
منذ بداية الأسبوع بدأت الكواليس تشهد كلاماً متزايداً حول رفع الدعم. تكاثرت التسريبات حول عقد اجتماع للبت بالأمر. كان رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، يرفض الإقدام على هذه الخطوة. وأعلن إصابته بفيروس كورونا. حينها دعا رئيس الجمهورية إلى جلسة للمجلس الأعلى للدفاع، ولم يعد دياب في الواجهة.
انقسمت جلسة المجلس الأعلى إلى قسمين. الأول، تم خلاله البحث بوضع الدعم والوضع المالي وخطوات مصرف لبنان. كان سلامة واضحاً بأنه لم يعد قادراً على الاستمرار بتوفير الدولار للدعم. نوقش سلامة كثيراً، لكن من دون جدوى. كان مصراً على رفع الدعم. فتوجه إليه عون بالقول: "يعني منفهم منك أنو ما عندك حل بديل وما عندك غير طرح رفع الدعم؟" فأكد سلامة موقفه. هنا قال عون: "مش مطلوب منك شي بقى.. فيك تفلّ". غادر سلامة الجلسة، وعقد القسم الثاني من جلسة المجلس.
لدى مغادرته كان سلامة قد قرر إصدار بيان يعلن فيه التوقف عن الدعم. ولدى مناقشته من قبل بعض المسؤولين، قال إنه هو سيعمل على تأمين الدولارات للتجار كي لا يرتفع الدولار بسعر جنوني. واعتبر سلامة أنه حصل على الغطاء اللازم من المجلس لاتخاذ قراره.
الرئيس ينصب الفخ
في المقابل، تقول مصادر إن عون لم يمنح سلامة الغطاء ولم يوافق، لكنه تركه يقوم بما يريد، لتتم محاسبته فيما بعد، والإنقضاض عليه هذه المرة بنتيجة الضغط الشعبي. ولذلك تسارعت المواقف المنددة بقرار سلامة. أوضحها وأسرعها كان موقف رئيس التيار الوطني الحرّ، الذي وصف خطوة حاكم مصرف لبنان بـ"الإنقلابية"، ودعا إلى محاسبته وتوقيفه، لأن ما قام به عمل إجرامي. بينما دعا عون سلامة إلى إجتماع في قصر بعبدا مع وزيري الطاقة والمال، للبحث في صيغة تعديل القرار أو تخفيض سعر الصرف الذي حدده سلامة للدولار. هذا لا يتنافى مع إصرار عون على محاسبة سلامة. وهنا يأخذ عون القضية بصدره، بينما يلعب باسيل دور المعارضة الشرسة في إطار الحسابات الشعبية والانتخابية.
هنا، تقول مصادر متابعة إن الخطوة قد تكون عاملاً مسهلاً لتشكيل الحكومة. خصوصاً أنه لم يكن بإمكان أي رئيس للحكومة أن يأتي ليرفع الدعم، فتنفجر الأزمة الاجتماعية بوجهه، وينعكس الأمر عليه بشكل سلبي، شعبياً. وتشير المصادر إلى أن عون وميقاتي توافقا على هذا الأمر، مع الإصرار على الإطاحة بسلامة لاحقاً، بعد تشكيل الحكومة. ولكن هذا أمر يحتاج إلى غطاء دولي حتماً. وهناك من يعتبر أن الفرنسيين يريدون الإطاحة بسلامة أيضاً. فيشكل ميقاتي حكومته بعد رفع الدعم، ولا يتحمل أي مسؤولية حول هذا القرار. وبحال تمكن من تخفيض سعر المحروقات ولو نسبياً، يكون قد حقق إنجازاً.
الرواية "الانقلابية"
أما تفاصيل الرواية الثانية فتنطلق مما وصفه باسيل بالإنقلاب، من القوى التي لا تريد تشكيل الحكومة. وهنا تعتبر المصادر أن سلامة قد يكون استشعر خطراً محدقاً به، واقتراباً للوصول إلى تفاهم بين عون وميقاتي حول تشكيل الحكومة، والتدقيق الجنائي ومحاسبته، فقرر مع بعض القوى الداعمة له، اتخاذ قرر رفع الدعم بشكل فوضوي ومن دون أي إيضاحات.. لقلب الطاولة، ودفع الناس إلى انفجار اجتماعي يؤدي إلى قلب المشهد كلياً وعرقلة تشكيل الحكومة. لكن هذا الكلام تعترض عليه مصادر واسعة الإطلاع، معتبرة أن قرار الإطاحة بسلامة لا يمكن لأي حكومة أن تتخذه من دون غطاء دولي وتحديداً أميركي. وبالتالي، الإقدام على مثل هذه الخطوة من دون توفير ظروفها، سيؤدي إلى دخول البلد في أزمات متوالية ومعقد جداً.
تعليقات: