عيد الأب يسلّط الضوء على دور الأسرة الحيوي

مهدي وسام الهادي يشعر بالطمأنينة عندما يكون في حضن والده
مهدي وسام الهادي يشعر بالطمأنينة عندما يكون في حضن والده


خبراء علم الاجتماع يفنّدون المسؤوليات التي يتحملها..

انطلاقاً من أهمية دور الأب في الأسرة باعتباره ركناً أساسياً ساهم في إنشائها الى جانب شريكته (الأم)، نشأت فكرة تكريم الأب والاحتفال بعيده تماماً كما نحتفل بعيد الأم. وإذا كان عيد الأم مع بداية فصل الربيع، فقد تمَّ توقيت اختيار عيد الأب ليكون مع بداية فصل الصيف، أي في الواحد والعشرين من شهر حزيران من كل عام، لما له من أهمية في حياة الأسرة كونه المسؤول عن تسيير دفة سفينة الأسرة وتجنيبها الأهوال والوصول بأفرادها الى شاطئ الأمان.

دور الأب في حياة الأسرة لم يعد محصوراً في أداء الواجبات المنزلية والاحتياجات المادية وتأمين الدخل المادي وحماية الأسرة وتوفير اللوازم الأساسية إذ لم يكن هناك احتكاك بين الأب والأبناء وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على حياة الطفل وتربيته. فكان الأب يجهل الكثير عن أبنائه. أما اليوم فقد تطور دور الأب ليصبح دوراً معنوياً له تأثير كبير في تربية الأطفال وإعدادهم وفق طرق وأساليب علمية وتربوية منهجية تقوم على معرفة متطلبات الطفل ومراحل نموه والمؤثرات النفسية وكل ما يتعلق بسيكولوجية الطفل. كما كبر طموح الآباء في بناء جيل قويم يتمتع باستقلالية ويعتمد على نفسه.

عيد الأب

على الرغم من هذا الدور الحيوي للوالد في الأسرة وأهميته على مختلف الصعد، إلا أنه لا يأخذ حيزاً مهماً مثل عيد الأم إذ أنه وفي لبنان لا يزال الغموض يلفّ تفاصيل إقرار عيد الأب الذي يعود في الأصل الى العام 1909 حيث قامت سيدة في ولاية واشنطن بحملة وفاء لوالدها الذي لعب دور الأم والأب بعد وفاة زوجته. وبما أن دور الأب لا يقل شأناً وأهمية عن دور الأم جاء هذا العيد تكريماً لجهوده وتضحياته في الأسرة.

منظمة كفى

في هذا الإطار، تتحدث (منظمة كفى عنفاً واستغلالاً) عن دور الأب الحيوي في الأسرة اللبنانية والعربية عموماً، إذ تعتبر أنه الشخص المسؤول عن حماية أفراد الأسرة وعليه كسب ثقة أبنائه حتى يستطيع معرفة معاناتهم اذا ما اقترب منهم. (عندما يتمكن من الاهتمام ليس فقط بمأكلهم ومشربهم بل بنفسيتهم والتقلبات الحادة التي يمرون بها أحياناً خصوصاً في مرحلة المراهقة حيث تعجز الأم عن مراعاتهم بمفردها، وتحتاج الى السند الذي بإمكانه الحزم عند الضرورة.

غياب الأب

ترى منظمة كفى في غياب الأب عن أسرته بأنه يمس تركيبة الحياة الأسرية كافة. أما تداعيات هذا الغياب فقد توصل الأبناء الى مخاطر عدة باعتبار أن الأب هو الحامي لهذه العائلة، وفي غيابه لا يمكن لأحد أن يحل محله مهما بذلت الأم من جهود لكي لا يشعر الأبناء بالفرق.

وبحسب كفى، فإن حالات غياب الأب قد تكون إما بداعي السفر أو الوفاة. (في حالات السفر، قد يتمكن الأب من توفير هذا الدور عبر التواصل الدائم وتكرار زياراته لأولاده اذا كان بإمكانه ذلك أو الإكثار من الاتصالات الهاتفية. واليوم بات بإمكانه التواصل عبر شبكة الانترنت ما يساعده على الاطلاع أكثر على حياتهم اليومية والأهم في هذا الموضوع هو الاهتمام بنوعية الوقت الذي يقضيه مع الأبناء).

أما في حالات الوفاة، فعلى بقية أفراد الأسرة التفسير للولد ماذا حدث. وعلى العائلة، أن تمنح شخصاً منها كصورة بديلة عن الأب الذي فُقد من أجل الحد من الاضطراب المحتمل في شخصية الولد المستقبلية ودعم شعوره بالأمان.

عنف الآباء على الأبناء

من جانب آخر، تحدثت منظمة كفى عن أهمية التربية المبنية على الاحترام المتبادل والثقة والعلاقة المترابطة بين أفراد الأسرة التي تساعد الأولاد على تفجير طاقاتهم حتى التفوق والابداع. وهنا تكمن أهمية دور الأب بحماية الأولاد من العنف بدلاً من ممارسته لأنه يحطم الولد ولا يوصل الى تربية الطفل أو (تقوية عظمه) كما هو متعارف. فالتجارب أثبتت أن العنف من قبل الآباء على أبنائهم لا يجدي نفعاً انما التواصل معهم وتوفير الأمن والحماية لهم هو السبيل الوحيد.

لذلك، وبحسب كفى، فإن التربية السليمة لا تكون الا بالحوار مع الأبناء، وإضفاء جو من الأمان والطمأنينة للأبناء من جانب الأب تحديداً باعتبار أن هذا الشعور هو تحصيل حاصل من قبل الأم. لذلك، يلعب الأب دوراً حيوياً في بناء الأسرة باعتباره المرشد والموجه للأبناء. كما أن اهتمام الآباء لا يكون فقط عبر تأمين المأكل والملبس وما الى ذلك من متطلبات الحياة اليومية، بل أن كسب ثقة الأبناء هي السبيل الوحيد الذي يمكن الأب من حماية أطفاله من مخاطر العالم الخارجي وانفتاحهم على عوالم جديدة دون التسبب بقوقعتهم.

اليوم الدولي للأسرة

تكرس اليوم الدولي للأسرة موضوع (الأب والأسرة) في شهر أيار من هذا العام حيث تحدث التقرير عن الدور المهم الذي يقوم به الأب في حياة الأسرة والطفل في جميع أنحاء العالم. كما أشار التقرير الى أن الأب، وفي العديد من المجتمعات يتولى تقليدياً مسؤوليات التربية والتأديب وإعالة الأسرة. وحالياً، هناك تركيز متزايد على دور الأب باعتباره والداً يشارك مشاركة تامة في الجوانب اليومية العاطفية والعملية لتنشئة الأطفال، إذ أن العديد من الأبحاث والدراسات تؤكد أن مشاركة الآباء النشطة في نمو أطفالهم لها أثر ايجابي.

أضاف التقرير أن هناك عدداً كبيراً للغاية من الرجال يجدون صعوبة في تحمل مسؤوليات الأبوة وكثيراً ما تترتب على ذلك عواقب تدمر الأسرة، وحتماً المجتمع برمته. فبعض الآباء يمارسون العنف المنزلي ما يترك آثاراً نفسية عميقة لدى الأطفال. وآخرون يتخلون عن أسرهم من دون توفير أي رعاية أو دعم لها.

من جانب آخر، هناك العديد من الآباء الذين يضطرون للهجرة من أجل تأمين لقمة العيش وقد يصطدم هؤلاء الآباء المهاجرون في بلد المقصد بمفهوم للأبوة يختلف اختلافاً تاماً عن مفهوم الأبوة الذي عهدوه في بلدهم الأصلي بل وقد ينبذهم أطفالهم الذين يكبرون في مجتمع جديد. لذلك فثمة حاجة شديدة الى نماذج ايجابية للأباء داخل الأسر.

توفير المال

وكما يعلم الجميع، فإن دور الأب لا ينحصر في توفير المال والسعي لكسب المزيد منه، وهي ليست الطريقة الصحيحة أو الوحيدة لإقامة أسرة مترابطة، بل ان دور الأب يتعدى ذلك ليتضمن توفير حو الأمن والطمأنينة في نفوس الزوجة والأبناء والمشاركة في رعايتهم وتحمّل مسؤوليته كقائد وقدوة لأسرته وأبنائه.

ولا يعتبر انشغال الأب بأي عمل أو مسؤوليات مبرراً للتنصل من واجبه إذ الهروب من تحمل الأعباء لأن ذلك يؤدي الى خلخلة الأسرة. وربما انهيارها لأن كافة المسؤوليات تقع عندها على عاتق الأم. هذه الفجوة التي يحدثها غياب الأب لفترة طويلة عن المنزل وغياب دوره الأسري تبرز في شخصية الأبناء الذين اعتادوا على غيابه وأصبحوا غير مكترثين له. صحيح أن الظروف الاقتصادية تقتضي غياب الأب لفترة طويلة من أجل كسب العيش. الا أنه يستطيع رغم تلك الظروف أن يجد فرصة للمشاركة في شؤون التربية.

دور الأب في التربية

الأطفال بحاجة لأن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشاداً وتقوية تختلف ما وجدوه عند الأم إذ أن الأب هو الراعي للأسرة والمسؤول عن رعيته. وتؤكد الدراسات التي أجريت حول أسباب فشل الأبناء في الدراسة والحياة العملية أو تزايد حالات الإدمان أو العنف أن أحد أهم الأسباب هو غياب دور الأب داخل الأسرة، إما لغيابه المستمر بسبب العمل أو غيره أو لعدم تأثيره واحتكاكه بأبنائه وترك المسؤوليات كاملة على عاتق الأم.

من هنا، يمكن القول إن غياب الأب عن الأسرة ينتج عنه ضياع الأبناء إذ أن وجوده مهم جداً لإرشادهم وتقويمهم في حال انحرف أحدهم. كما بإمكانه استخدام الشدة والحزم الى جانب الرفق والتسامح والتقرب من الأبناء.

دور الأب في توفير الأمن

يحتاج الطفل بشدة الى الأمن سواء الأمن العاطفي أو الفكري أو الاقتصادي، وعلى الوالد أن يوفر هذا الجانب لأبنائه لما له من تأثير على النمو باعتباره ملاذ الأسرة. وهم يحتاجون الى دعمه وحمايته في جميع أمورهم، إذ ينبغي عليه أن يتصرف في محيط أسرته بصورة تسمح للطفل بأن يرتمي في أحضانه متى أدركه الخطر وأن يشعر بالاستقرار عندما يكون الى جانب والده وهي من ضروريات نمو الطفل وسلامته. فالأب هو الذي يرفع معنويات أفراد أسرته ويوفر الأجواء الملائمة للحركة والنشاط، وما أن يتوفر هذا العامل في الأسرة فإن ذلك كفيل بدفع الطفل نحو الأمام، إذ أن الطفل لا يمكنه التقدم والتحلي بالصدق والأمانة إلا في ظل المحيط الآمن للأسرة.

إذن، قد يكون الأب حتماً في العمل يقضي ساعات من الجهد والتعب لتأمين لقمة العيش ويؤمن الوسيلة التي تنشدها الأم والعائلة لتحقيق المتطلبات، ويعود مساء ليطمئن على عائلته، له طرقه الخاصة في احتضان الأبناء وإعطاء النصائح والاهتمام. وتقع على عاتقه مسؤولية تأمين التوازن النفسي للأبناء وإكسابهم العادات والسلوكيات السليمة والضبط وتقويم السلوك الخاطئ، وعليه أن يكون متفهماً الى جانب الأم، الى أسلوب تربية الأطفال من أجل تنشئة أبنائهم التنشئة الصحيحة. فالأب له دور بالغ الأهمية مكملاً لدور الأم في سبيل خلق أسرة سوية تسهم في بناء مجتمع ناجح.

تعليقات: