حُكي أنّ مؤتمراً عالمياً لمُنظمة “بخلاء بلا حدود”، حمل الرقم 70، انعقد على مدى أربعة أيام في شهر حزيران من العام 2018 في جزيرة “فو كوك” الواقعة في دولة فيتنام. وقد ضمّ هذا المؤتمر أكثر من أربعماية مُشاركاً من أبخل بخلاء العالم على الإطلاق.
ومن نتائج هذا المؤتمر أن اتَفق أبخل بخلاء العالم على التوجه إلى دولة لبنان وإيداع جزء كبير من أموالهم في مصارفها، وذلك بعد أن أَعدَّت اللجنة المالية في المنظمة تقريراً بيّنت بموجبه أنّ مصارف لبنان تُقدِّم لزبائنها فوائد مرتفعةً على الأموال المُودعة لديها، أكانت هذه المبالغ بالعملة المحليّة، أو بالدولار الأميركي، أو باليورو.
وعملاً بهذا الاتفاق، توجّه أبخل بخلاء العالم إلى لبنان وحوَّلُوا معظم أموالهم إلى مصارف هذا البلد، ومنهم من قام بتحويل جزء من ثروته من اليورو أو الدولار إلى العملة المحلية اللبنانية، باعتبار أنّ قيمة الفوائد على هذه العملة أعلى بكثير، ويمكنهم الاطمئنان إلى تزايد مداخيلهم دون عناءٍ أو تعب.
وما زاد من طمأنَة أبخل بخلاء العالم إلى النظام المصرفي اللبناني ما ورد في تقرير اللجنة المالية لمُنظمتهم مِن أنّ النظام الاقتصادي والمالي اللبناني لم يتأثر أبداً بالأزمة المالية التي عصفت بالعالم قبل سنوات، بل ظل صامداً بنتيجة الهندسات المالية التي اتبعها المصرف المركزي في هذا البلد، كما ظلت قيمة العملة الوطنية في لبنان مُستقِرّة وقيمة الدولار الأميركي مُساوياً لـ 1507 ليرات لبنانية منذ ما قبل تلك الأزمة وإلى ما بعدها، وذَكّر التقرير بأهمية قانون السريّة المصرفيّة الذي يعتمده لبنان منذ العام 1956.
حملت هذه الأنباء السارة أموال أبخل بخلاء العالم إلى المصارف اللبنانية، وأشعرت هؤلاء البخلاء بالأمان وبالراحة النفسيّة من اعتماد هذه المصارف كبيتهم المالي.
لاحقاً، وتبعاً لمقولة “دق الحديد وهو حامي” دعتهم المصارف اللبنانية في العام 2019 إلى تحويل ما تبقى لهم من أموال في العالم إلى لبنان، مُقدمة للبخلاء ومُنظمتهم تسهيلات لا توصف، وعروضاً لا تُحصى ولا تُرد أو تُقاوم، وفُرصاً في استثمار أموالهم لا تُفوَّت!
حتى أنّ المصارف شجعتهم في بداية العام 2019 على عقد مؤتمرهم المقرر عقده في شهر حزيران من العام 2021، في لبنان، ووعَدَت بدعم وتمويل هذا المؤتمر بالكامل، لمعرفتها سلفاً بخشية أمين عام المنظمة ومجلسها التنفيذي مِن تنظيم هكذا مؤتمر في بلدٍ يُعدُّ من أغلى البلدان السياحية في العالم، خاصة وأنّ المصارف علِمَت، بعد استقصاءات قامت بها، أن منظمة “بخلاء بلا حدود” كانت قد نظمت مؤتمراتها السابقة في دول سياحية تميّزت بأسعارها المُتدنّية أكان لجهة الفنادق والمطاعم، كمثل فيتنام وماليزيا وسيريلانكا والهند وإندونيسيا…
في الجزء الثاني من العام 2019، بدأ لبنان يدخل أزمته الاقتصاديّة، فشعر البخلاء بالخوف والهلع من عدم إمكانية سحب مبالغ مُتوسطة وكبيرة بالدولار الأميركي من مصارفهم. ولدى محاولة بعضهم تحويل أمواله إلى الخارج، قدّمت لهم مصارفهم عروضاً برفع الفوائد على هذه الأموال أكثر فأكثر، فوقع هؤلاء في ما نُصِب لهم، وتردَّدُوا في سحب أموالهم من لبنان بانتظار مؤتمرهم العالمي الذي تمّ تقريبُه بسبب هذه الازمة المالية إلى شهر نيسان من العام 2021 بدلاً من شهر حزيران من نفس ذلك العام. مع العلمً أنّ المصارف أبقت على دعمها المادي الكامل وبدون شروط لمؤتمرهم العام رغم تقريب موعده، ما جعل البخلاء يتصبَّرون على ما حلّ بهم حتى الموعد الجديد للمؤتمر.
في شهر نيسان من العام 2021 انعقد المؤتمر رقم 71 لمنظمة “بخلاء بلا حدود” في لبنان على مدى أربعة أيام، بحضور أقل من مايتين وخمسين مِمّن تبقى على قيد الحياة من أبخل بخلاء العالم، بعد أن قضى جزء قليل منهم بجائحة كورونا والجزء الآخر الأكبر بالسكتات القلبيّة على أبواب مصارف لبنان.
كانت صرخات الغضب والاستياء تصل من داخل قاعة الاجتماع إلى أسماع الصحافيين المُكلّفين بتغطية هذا المؤتمر في أول يومين منه. وقد سجل الإسعاف والمستشفى القريبة من الفندق الذي استقبل المؤتمر وفاة 76 يخيلاً في هذين اليومين، قضى معظمهم نحبه بحسب تقارير هذه المستشفى التي نُقلوا إليها بالجلطات الدماغية والسكتات القلبيّة.
في اليوم الثالث من المؤتمر أعلمَ أمين عام المنظمة الصحافيين بأنّ أبخل بخلاء العالم قد صدّقوا على الإعلان العام الذي تقرر صدوره في اليوم الرابع والأخير من المؤتمر.
في هذا اليوم الأخير بالذات، شُوهد المُشاركون في المؤتمر يخرجون صباحاً من الفندق الذي استقبلهم ويعودون بعد ساعات وبجعبة كل منهم حقائب كبيرة دخلوا بها إلى قاعة المؤتمر حيث انعقدت الجلسة الختامية للمؤتمر.
وبينما كان الصحافيون ينتظرون مَن يخرج لقراءة البيان الختامي عليهم بعد ساعات على انعقاد هذه الجلسة الختامية، فُوجئ الصحافيون بشبوب حريق كبير داخل قاعة المؤتمر الرئيسية.
حاول عمّال الفندق اقتحام قاعة المؤتمر، غير أنّ الأبواب كانت مُوصدة من الداخل بإحكام. ولدى تمكّنهم من كسرها واقتحام المكان مع رجال الإطفاء، كانت القاعة قد تحولت رماداً والجثث المتفحِّمَة قد ملأت المكان، وقد قَدَّرَ رجال الإطفاء سبب هذه السرعة في انتشار الحريق بمدى شدّة المواد الحارقة المُستعملة في إشعاله.
لم يبقَ أحد من أبخل بخلاء العالم على قيد الحياة، ولا من أوراقهم أو مستنداتهم أو حقائبهم، سوى علبة مُضادة للنيران وُضع فيها الإعلان النهائي للمؤتمر الأخير لـ “بخلاء بلا حدود”. ومما جاء فيه: “قرر المؤتمرون الانتحار الجماعي بإحراق أنفسهم بما تمكنوا من استرداده من دولاراتهم في المصارف اللبنانية، بعد أن تحلّقوا حول هذه الدولارات وصبُّوا عليها وعليهم ما تمكنوا من الحصول عليه من مادة البنزين المفقودة في لبنان”. واختتم المؤتمرُون بيانهم بالعبارة التالية: “وداعاً، نُعلن انقراض أبخل بخلاء العالم اليوم!”.
الكاتب المحامي باسل عبدالله
تعليقات: