حوّلوا بيوتهم إلى مطاعم تخرج عن المألوف
...
بيروت:
يحتار اللبنانيون منذ انتشار الجائحة وفرض الحجر المنزلي حتى اليوم كيف يؤمنون لقمة عيشهم. فهم إما حولوا بيوتهم إلى ورشات عمل فنية ومعارض وإما راحوا يبيعون بعض موجوداته التي يستغنون عنها. ولكن انطلاقاً من حس الإبداع الذي يسكن شريحة منهم، قرروا المضي بفكرة تخرج عن المألوف؛ وتتمثل في تحويل منازلهم إلى مطاعم، ولكن ضمن مفهوم جديد. ففي هذه الحالة يستقبلون زبائنهم شرط أن يؤلفوا مجموعة أصدقاء تعرف بعضها. فتتحوكم حول مائدة طعام واحدة ويتشاركون متعة تناول الطعام اللبناني والإيطالي والفرنسي وما إلى هناك من أطباق محلية وعالمية.
ولعل فصل الصيف أسهم في تسهيل هذه المهمة، إذ ركنوا إلى أسطح وشرفات منازلهم أو إلى حدائقهم والباحات الخارجية فيها. وفي الهواء الطلق وبرفقة هواء عليل صيفي، يجلس رواد هذه الفكرة بعيداً عن إمكانية التقاط فيروس «كورونا». كما أنّهم في هذا النوع من الأماكن يشعرون بأنّهم وسط منازلهم، وبأنهم يمضون الجلسة في «قعدة بيتوتية». فالشيف ومن يحضر لهم الطعام، هم أصحاب المنزل نفسه الذي يستضيفهم.
اللافت أنّ الفكرة غالباً ما ولدت على أساس الطاولة الواحدة التي تتسع لأشخاص معدودين. وكذلك تتم على أثر اتصال وموعد مسبقين. وإذا ما كانت المساحة المستخدمة تتسع لأكثر، فهي بالكاد تستضيف نحو 30 شخصاً. وتقول هيام بو نقول لـ«الشرق الأوسط»: «المهم أن يعرف الجميع بعضهم، وتربطهم علاقة صداقة. ففي (أبو نقول كونسيبت) في بلدة يحشوش الجبلية، (لا نتعامل مع زبائننا على أساس أنهم في مطعم أبداً، بل إنهم يلبون دعوة غداء أو عشاء عندنا، أحضر أنا شخصياً جميع أطباقها)». بدأت القصة مع هيام وزوجها بشارة بالصدفة عندما قررا أن يبيعا منزلهما ويغادرا لبنان. أحد الأصدقاء آثر تلبية دعوة منهما على الغداء، طلب منهما أن يستقبلا مجموعة يعرفها تعمل في الجامعة الأميركية. وتعلق: «هكذا بدأنا في المشروع من حيث لا ندري. عدلنا عن فكرة السفر، كرت السبحة وصارت حديقة منزلنا عنواناً يتداوله الأصدقاء بين بعضهم، يمضون فيه جلسة بيتوتية مع طعام، أهم ما فيه أنّ مكوناته طازجة. وتوضح في سياق حديثها: «كل ما يتناوله الناس هنا هو من نوع الـ(بيو). نقطفه من أرضنا التي زرعناها بكل ما يخطر على البال من بقدونس وجرجير وباذنجان ولوبياء وبندورة وخيار وخس وما إلى هنالك من أصناف خضار وفاكهة». ولكن كيف تستطيعين وحدك ومن دون مساعدة أحد أن تحضري الطعام لنحو 30 شخصاً وأحيانا أكثر؟ «الطبخ هو شغفي وأعتبر نفسي أحضر لأشخاص أعرفهم أدعوهم إلى منزلي. أضع في كل طبق أحضره كمشة حب ورشة فرح ونكهة قلب ينبض من خلال ابتسامة الآخرين. نعمل في هذا المشروع منذ نحو ثلاث سنوات وجميع الذين يأتوننا يعيدون الكرة أكثر من مرة. فهم يجدون في هذا المكان دفء المنزل العائلي وحسن الضيافة».
ومن يقصد «أبو نقول كونسيبت» في إمكانه أن يقوم بمشوار في الطبيعة ويزور نهر شوان في المنطقة. ومن ثم يرتاح في جلسة طعام لا تشبه غيرها حيث تكون هيام قد حضرت لهم الطعام. عمدت ربة المنزل إلى اختيار كراسي الطاولات بنفسها أرادتها «مريحة بحيث يشعر الضيف بأنّه لا يرغب في مغادرة المكان».
لائحة الطعام في «أبو نقول كونسيبت» تبدأ بمعجنات على الصاج، ومن ثم تصطف صحون المازة اللبنانية على اختلافها. «أقدمها في أوان كبيرة تماماً كما أفعل عندما أستضيف مدعوين في بيتي. فأبتعد عن الصحون المنمنة الرائجة وأتبع طريقة والدتي التقليدية، القائمة على الصحون الواسعة».
وفي منطقة مزرعة يشوع حيث يقع منزل مارك نيسان في استطاعتك أن تمضي جلسة مع الأصدقاء في «ماركو بيتزا لوفر» حول مائدة إيطالية الطابع. البيتزا نابوليتانا من عجينتها إلى مكوناتها. أما حجز هذه الطاولة الواحدة التي تتسع لنحو 12 شخصاً، فعليك الاتصال قبل أشهر لتحصل على فرصة للجلوس عليها. ويقول مارك في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء الحجر المنزلي ولأني أقتني فرناً على الحطب، قررت أن أصنع البيتزا الإيطالية من مدينة نابولي مع أني لم أزرها يوما. وبعد عدة محاولات نجحت بشهادة أنطوان رحايل الذواقة، المعروف من خلال موقعه «نوغارليك نو أونيون». كما زارني أشخاص من السفارة الإيطالية أثنوا على طبق البيتزا الذي أحضره. اليوم منزلي تحول إلى عنوان يقصده الناس من كل حدب وصوب. ومع الوقت أصبحوا بمثابة أصدقاء لي. أرفض استقبال أشخاص لا يعرفون بعضهم وأتمسك بالمجموعات التي تتألف من نحو 12 شخصاً يتناولون الطعام بسعادة مع بعضهم البعض». في الشتاء تنتقل الطاولة إلى داخل المنزل حيث يقتني مارك مخبزاً على الحطب أيضاً استقدمه من بريطانيا. ويعلق: «مستثمرون كثر حاولوا تقديم عروض مغرية لي كي نتشارك في المشروع. ولكنني رفضتها إذ لا أريد أن أغير من مفهوم الفكرة التي أطبقها في هذا المكان، حيث يشعر الناس أنهم في منزلهم الخاص». ولمن يهمه الأمر فالحجوزات كاملة في «ماركو بتزا لوفر» لغاية 12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
الفكرة نفسها يطبقها أيف مسعود في منزله تحت عنوان «شي أيفيس» في منطقة القرنة الحمراء. ويقول: «بدأت في فترة الحجر المنزلي أصنع الخبز الغربي بأصنافه المختلفة. بعدها تطورت، وصرت أقدم المنقوشة على أنواعها. الزوار كانوا أصدقائي الذين يستمتعون في جلسة استحدثتها في الباحة الخارجية لمنزل أهلي. اليوم توسعت الفكرة وصرت أقدم طبق البيتزا مع أطباق صغيرة إيطالية (مشهيات) تتألف من سلطات ومازات. المكان لا يتسع لأكثر من 20 شخصاً والجميع هنا يعرف بعضه بعضا. ويستمتع في جلسة على الغداء أو العشاء نتشارك في خدمتهم والدتي وشقيقي وأنا، فتطبعها الحميمية والأجواء المسلية وموسيقى الـ(Fun rock) وأخرى من الستينات والسبعينات».
منطقة جربتا البترونية الجلسة تختلف بطابعها وبأدواتها. فعائلة بشارة جرجورة المؤلفة من شقيقه وزوجته وابنته جيسيكا، يستقبلون الزبائن على أساس موعد مسبق. وبين عرزال خشبي عمّره بشارة على شجرة سنديان منتصبة في الوسط، ويحيط بها عدد من البيوت الصغيرة المصنوعة من الخشب (بانغلوز) تحدث الجلسة في أحضان الطبيعة. وتقول جيسيكا لـ«الشرق الأوسط»: «نحضّر الطعام بموعد مسبق لأن كل مكونات الأطباق هي طازجة ومن أرضنا. في استطاعة العائلات أن يلعب أولادهم في العرزال، وكذلك قضاء ليلة في أحد البيوت الخشبية. أما موائد الطعام فتتنوع بين فطور وغداء وعشاء. وبين المناقيش والبيض بقاورما صباحا وأصناف السلطات اللبنانية والأطباق التقليدية، تتألف لائحة طعام الغداء. أما العشاء فهو يتألف عادة من أطباق يطلبها الساهرون بأنفسهم».
* المصدر: aawsat.com
تعليقات: