أحمد عليان وطفله علي عند باب الدكان
تتوزّع في قرى بنت جبيل ومرجعيون أسرٌ أفرادها من المعوقين والمرضى الذين يجهدون لتوفير مصاريف علاجهم. حالة الغلاء تزيد من بؤس غير القادرين أصلاً على العمل لأسباب صحية واجتماعية، من دون أن يثيروا انتباه الكثيرين. في بلدة قلاويه يحبو طفل في العاشرة من عمره، بثياب ممزّقة، بمحاذاة الطريق العام. تحاول الكلام معه، فنكتشف أنه أبكم أيضاً. يسرع والده لالتقاطه خوفاً عليه من السيارات العابرة. من داخل غرفة صغيرة، هي دكان الأب، يخرج طفل آخر (عبد الله: 12 سنة) لا يجيد الكلام أيضاً. تسأل الوالد أحمد عليان عن السبب فيقول «إنها أمراض تصيب الأسرة بأكملها، فقد توفي لي أخوان بسبب هذا المرض، ولي أخت بكماء أيضاً ولا أدري ماذا أفعل. قصدت الأطباء في بيروت لكن هذا يكلفني أموالاً طائلة رغم أنني أعتاش من هذا الدكان الصغير، وأزرع دونمين من التبغ سنوياً». داخل الدكان الصغير بعض علب التبغ والمشروبات الغازية، وهي من المؤكد لا تؤمن دخل هذه الأسرة المؤلفة من 7 أفراد يعيلهم أبو عبد الله وحده، الذي يحاول أن يطلب المساعدة، قائلاً «لم يساعدني أحد، وأنا وحدي أتكبد هذه المعاناة، أريد من الدولة أن تساعدني أو أي جهة أخرى». بالنسبة إليه: «المهم الولد علي، يجب أن يعالج وهو بحاجة إلى جهاز يساعده على الحركة».
في حاريص حالة مشابهة تعيشها عائلة علي محمد موسى. هذا محمد (23سنة) لم يعد يستطيع صعود درج منزل ذويه، فالمرض الذي أصابه وإخوته الأربعة يتفاقم شيئاً فشيئاً. ارتخاء في العصب والعضل يبدأ من الأطراف نتيجة خلل في النخاع الشوكي، ما يجعل حركة الأطراف ثقيلة ومتعبة. محمد هو الولد الأكبر بين 6 إخوة لأبوين مريضين أيضاً وغير قادرين على العمل، ارتأى أخيراً السكن في منزل جده لأنه يستطيع دخوله من دون حاجة إلى صعود السلالم أو مساعدة رفاقه.
أما غالية (20 عاماً) فتوضح أن المرض والوضع الاقتصادي الصعب «جعلانا نترك المدرسة، حالتنا الصحية تتطلب مراعاة خاصة لا تتوافر في المدارس الرسمية». وعن سبل المعالجة تقول «يحتاج الأمر إلى أكثر من عملية جراحية للتخفيف من حدة المرض، أما الدواء فلم نعد نتناوله لعدم توافر ثمنه».
تعتمد هذه الأسرة في معيشتها على حصة تموينية شهرية متواضعة يقدمها مكتب الخدمات الاجتماعية التابع للسيد محمد حسين فضل الله. ويحمل أفرادها بطاقة معوّق يقول محمد إنها «لا تفيد في المستشفيات وعيادات الأطباء».
إلى الصوانة (قضاء مرجعيون) حيث يعيش الشاب محمد حبيب مزنر الذي يعاني مرضاً في رأسه. تقيم معه والدته المشلولة وزوجته وأطفاله الثلاثة من دون أي مصدر حقيقي للدخل، فمرضه أفقده القدرة على العمل بعد أن بات يتعرّض لحالات إغماء متكرّرة. يقول «أعاني هذا المرض منذ الصغر، وتابعت الأمر مع العديد من الأطباء الذين وصفوا لي أدوية تخفف من حالات الإغماء ولا توقفها، ورغم ذلك الأمر مكلف جداً لرجل مثلي لا يستطيع العمل، وبحاجة لأن يؤمن معيشة أطفاله ومعالجة والدته المريضة التي تحتاج إلى الأدوية والعلاج بشكل مستمر».
وفي بلدة خربة سلم يعيش محمد بعلبكي (55 عاماً) في منزل صغير محاط بالقنابل العنقودية في الوادي القريب من بلدة الصوانة. طريق المنزل لا تزال ترابية ولا تتسع لمرور أكثر من شخص واحد. عند سقوط الأمطار تتدفق المياه على هذه الطريق كالنبع وتصل إلى مدخل المنزل. أسرة بعلبكي مؤلفة من خمسة أفراد بينهم الأكبر أحمد (17سنة) الذي اضطر إلى ترك المدرسة ليعمل بالأجرة، أما والده فقد منعه وضعه الصحي من العمل. يقول الأخير: «لا أحد يهتم بوضعنا السيئ، زوجتي تحتاج إلى العلاج والأدوية، وأنا لا أجد عملاً يناسب وضعي الصحي، ورغم كل ذلك فالغلاء الفاحش يزيد من مشكلتنا الاقتصادية».
مساعدات فردية
حين يستعرض الأهالي أحوالهم يتحدثون عن مساعدات فردية يقدّمها خيّرون. محمد مزنر بات ممنوعاً من الخروج وحيداً أو الصعود إلى الأماكن المرتفعة يقول «ليس هناك من يهتمّ بنا سوى بعض الخيّرين الذين يدفعون لي بعض الأموال التي لا تكفي مصروف يوم أو أكثر من ذلك بقليل».
تحاول زوجته سعاد تدبر أمرها فتزرع دونمين من التبغ وتستدين من بعض المحال التجارية بعض حاجياتها المنزلية، على أساس أنها ستحصل على بعض المال من الريجي آخر الموسم: «ماذا أفعل أكثر من ذلك، نستدين قدر المستطاع، لكن لا نعلم إلى أين ستصل بنا حالة العوز هذه، بعض الأطباء يحاولون مساعدة زوجي بالتخفيف من أجرتهم، لكن الدواء الواحد يكلف شهرياً 250 ألف ليرة، وأنا أصبحت أستخدم الأدوية الخاصة بالأمراض العصبية».
تعليقات: