الانسحاب من شبعا يعزز سلاح المقاومة

العميد حطيط يوقع كتابه -  من الأرشيف
العميد حطيط يوقع كتابه - من الأرشيف


فجأة، بعد طي الأمر والنسيان أو الإنكار الدولي للبنانية مزارع شبعا، يعود البحث بوضع هذه المنطقة اللبنانية الى الواجهة، ما يجعل البسطاء يعتقدون أن «العدالة الدولية» نزل عليها الوحي الإلهي، فاستفاقت وقررت عبر القيمين عليها إعادة الحقوق الى أصحابها، بدءاً من لبنان. لكن تاريخنا مع هذه العدالة التي لم تعرف يوماً العدل يجعلنا نرتاب ويدفعنا الى الخلفية التي حملت على هذا السلوك المفاجئ، وهنا تكون العودة الى المراحل التي تقلبت فيها المواقف من مزارع شبعا اللبنانية مفيدة، حيث نجد فيها مراحل تتالت كالتالي:

ـ في عام ,1983 وكان أمين جميل في رئاسة الجمهورية. فاوض لبنان إسرائيل للانسحاب بعد اجتياحها ووصولها العاصمة، وقد انتهت المفاوضات بالرعاية أو الأصح بالمشاركة الأميركية الى صياغة اتفاقية تختصر باستسلام لبناني لإسرائيل التي منحت الحق الضمني بالمراقبة الامنية على الجنوب الذي ستنسحب منه، ولم تكن مزارع شبعا ضمنه، أي إن اتفاق 17 ايار كان تخلى عن هذه المنطقة اللبنانية.

ـ في عام 2000 عندما فرضت المقاومة ـ دون أي مصدر آخر ـ على اسرائيل الانسحاب من لبنان، وجاءت الأمم المتحدة لتتحقق من الانسحاب بمقتضى القرار ,425 حاولت اللجنة الاممية بقيادة لارسن أن ترسم خريطة على هواها للحدود اللبنانية، فأفشلنا المحاولة وفرضنا الخط الحقيقي للحدود بعد أن عدنا الى كل الوثائق والمحاضر والدراسات والاتفاقات بهذا الشأن، ولما بهت لارسن وفريقه من قوة حجتنا القانونية، تذرعوا بأن «اليونيفيل» التي تطبق القرار 425 لم تدخل يوماً هذه المزارع وأن أمرها يعود الى «الاندوف» (قوات الفصل الدولية في الجولان السوري المحتل). وبعد الإصرار المتبادل على المواقف منا ومنهم، كان المخرج ما اقترحه الرئيس سليم الحص بأن يتحفظ لبنان على خط الامم المتحدة ويتمسك بلبنانية المزارع، وأن تتم عملية التحقق من الانسحاب مؤقتاً وفقاً لذاك الخط. وهكذا كان الأمر واستمرت المقاومة في بذل جهودها التحريرية.

ـ في عام ,2004 صدر القرار 1559 ونص على خروج كل جيش أجنبي من لبنان، فخشي لارسن أن ينطبق الأمر على اسرائيل وتلزم تنفيذا له بالخروج من مزارع شبعا، وهو الذي تبرع ببقائها فيها في عام 2000 ليحفظ لها ورقة تفاوض لبنان عليها. ومن غير سبب أو حجة أو مستجد ثبوتي أعلن لارسن أن المزارع سورية، وهو موقف جوبه بالرفض الفوري من لبنان رسميا وشعبيا ومقاومة، وكان لارسن يقصد بموقفه الجديد، بإسقاط لبنانية مزارع شبعا، إسقاط شرعية سلاح المقاومة من جهة، وإبقاء الاحتلال الاسرائيلي من جهة ثانية. لكن الموقف اللبناني أجهض انقلاب لارسن وبقي السلاح في يد المقاومين على شرعيته التامة، واستمر الوجود الاسرائيلي في المزارع منطبقاً لتوصيف الاحتلال.

ـ في عام 2005 وبعد «الانقلاب السياسي والامني» الذي حصل في لبنان اثر جريمة 14 شباط، تحولت مواقف لبنانيين أنكروا لبنانية المزارع لتلاقي لارسن في ما كان يزعمه. لكن المقاومة وفريقها الحاضن سفه الطرح وأكد لبنانية المزارع، وعجزت السلطة اللبنانية التي أصبحت بعد حزيران 2005 ممسوكة بالقرار الأميركي، عجزت عن إصدار قرار تسقط فيه لبنانية المزارع، خاصة أن السلطة التي كانت سبقتها قد أكدت هذه الجنسية لها والحكم كما يعلم الجميع.

ـ في عام ,2006 أقرت طاولة الحوار بلبنانية المزارع، ما يعني بوضوح العجز عن حمل المقاومة على نزع السلاح، فاتجه الحوار الى الفشل وجاءت اسرائيل بحرب على المقاومة لتعوض هذا الفشل. ولكن هزمت اسرائيل بحربها في عام 2006 وبقي السلاح في يد المقاومين في شرعية أكبر أضافت الى شرعية التحرير شرعية الدفاع.

ـ سلاح المقاومة لم ينزعه القرار ,1559 ولم ينزعه الحوار، ولم تنزعه الحرب الاسرائيلية، وأميركا وإسرائيل لا تحتملات بقاءه لان في هذا البقاء قضاء على احتمال نجاح المشروع الغربي الصهيوني في الشرق، لذلك كان لا بد من التفتيش عن حل عملي للمعالجة، حل اعتمد وحشد لتنفيذه كل من جند أو تطوع لخدمة المشروع الاميركي.

ـ قدم الرئيس فؤاد السنيورة، «حلاً» مفاده أن تخرج إسرائيل من المزارع 1200 جندي (هم القوام الأقصى لجيش الاحتلال في مزارع شبعا) وتسلّمها الى الأمم المتحدة، وتكون القوى الداخلة من تلك الاطلسية التي تعمل تحت علم الامم المتحدة، حل اقترحه السنيورة منذ 2006 ولم يقبل في مجلس الوزراء، وتجاوزه مؤتمر القمة العربية في الرياض بعد أن أغفله القرار ,1701 ولكن السنيورة ما زال متمسكاً به ... فهو الحل الذي يسقط وصف «الاحتلال الاسرائيلي» لمزارع شبعا نظرياً ويبقي المزارع خارج السيادة اللبنانية فعلياً، ولا يفقد اسرائيل الورقة التفاوضية التي تريدها مع لبنان انطلاقاً من المزارع.

ـ اذا قبل الحل، تكون اسرائيل جاهزة لإكمال الخطوة التالية، وهي الدعوة الى التفاوض مع لبنان ومن باب المزارع التي تودع رهينة بيد الامم المتحدة لا تسلمها الى لبنان إلا اذا وافقت اسرائيل، ولا تكون موافقة اسرائيلية إلا اذا تعهد لبنان بمعاهدة سلام معها و طبعاً بشروطها.

ـ أميركا والامم المتحدة أداتها، تتلقف واقع خروج اسرائيل من المزارع، وقبل أن تعاد المنطقة الى لبنان وتطالب الدولة اللبنانية بإسقاط شرعية سلاح المقاومة بقرار رسمي لبناني لانتفاء الحجة والعذر المبرر، ويتحول رجال المقاومة بذلك وحسب التخطيط الاميركي الى خارجين عن القانون ينبغي ملاحقتهم وإحالتهم أمام القضاء المختص.

على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن المحرك الرئيسي لكل الحركة حول المزارع اليوم هو سلاح المقاومة المطارد من أصحاب المشروع، والآن، بعد أن وصلت الامور الى ما وصلت اليه، وتراءى للمطاردين بأن إسقاط كلمة «احتلال» عن مزارع شبعا، يمكن أن يكون حلاً لهذا السلاح، فإنهم تبرعوا بالحل المنقوص المتمثل بالانتقال من الاحتلال الى الانتداب. انه نصف الطريق الى التحرير وهذه الخطوة، على نقصها في مجال التحرير، ستكون لو تمت وتم خروج اسرائيل من مزارع شبعا، ثمرة أكيدة ومباشرة لسلاح المقاومة وفرضها السلاح هذه المرة من غير أن يطلق النار ... ما يجعلنا نقول بأن السلاح هذا يحقق غاياته اذا استعمل وأطلقت النار منه على العدو، كما يحقق أهدافه اذا حمل العدو على الانسحاب من غير إطلاق نار. فالسلاح حرر في عام 2000 بالنار، ودافع عن لبنان في عام 2006 بالنار ايضاً، أما الآن فقد يخلي المزارع من اسرائيل بغير نار، فهل ستسقط مشروعيته بسقوط الاحتلال؟

الجواب بسيط: اسرائيل كيان لا يعترف ولايفهم إلا بمنطق القوة، ولان السلاح هو وجه من وجوه القوة التي لا تفهم اسرائيل إلا بها، ولان السلاح بالنار يحرر ويدافع، وبمجرد وجوده ومن غير ناره يحمي ويحرر، لذلك فإن خروج اسرائيل بالطريقة التي تتداول وبصيغة السنيورة المذكورة، سيعطي المقاومين وجمهورهم حجة إضافية على الحاجة الى سلاح المقاومة، وسيجد أصحاب الحل للتخلص من السلاح أنفسهم يقدمون للسلاح خدمة ليبقى في إطار استراتيجية دفاعية لا بد منها للبنان.

باحث في الشؤون العسكرية و الاستراتيجي

تعليقات: