الكشك لم يعد «مونة الفقراء»


ما إن يهلّ شهر أيلول على المناطق الريفية، حتى تبدأ ربّات البيوت بالتشمير عن سواعدهن إيذاناً ببدء التحضير لمونة الشتاء على اختلاف أصنافها، وأبرزها الكشك.

من بين أصناف كثيرة من المونة، كالبرغل والقمح والزيت والزيتون والتين وغيرها، يحتل الكشك مرتبة متقدّمة، إذ يكاد لا يخلو بيت من بيوت الريف منه. وتقوم ربّات البيوت بتحضيره يدوياً، أو بشرائه من سيّدات يعملن على إنتاجه بكميات أكبر من حاجتهن بهدف بيعه، حتى بات هذا العمل مصدر دخل لا بأس به لهنّ.

غير أن الكشك الذي لطالما اعتُبر «مونة الفقراء» باعتباره أقلّ كلفةً، لم يعد كذلك، فبعد ارتفاع أسعار الحليب واللبن والبرغل أضعافاً عمّا كانت عليه السنة الماضية، بات تأمين مونة الكشك مهمّة صعبة للكثير من عائلات، بالكاد يكفيها دخلها اليومي لسدّ رمقها.

فإنتاج كيلو واحد من الكشك يكلّف أكثر من 150 ألف ليرة لبنانية، موزّعةً بين 10 كيلو من الحليب أو اللبن، وكيلو من البرغل الخشن الأسمر أو الأبيض الذي يتم اختياره حسب الرغبة والذوق، وإذا جرى احتساب زيادة الكمية إلى ما بين 4 ـ 5 كيلو لتكفي عائلة مكوّنة من 5 أفراد على الأقل طيلة فصل الشتاء، فهذا يعني أن تكلفة مونة الكشك إذا جرى تحضيرها منزلياً ستصل إلى حدود المليون ليرة، أما إذا جرى شراؤها، فإن السّعر سيزيد ضعفاً واحداً على الأقل، وأحياناً ضعفين.

منذ أيام، بدأ مدّ الكشك على أسطح بعض المنازل في الضنّية، فوق شراشف تكون بيضاء اللون غالباً يوضع تحتها حُصُر من النايلون أو القماش السميك، تمهيداً لفركه وتجفيفه وطحنه. غير أن هذا المشهد تضاءل هذا العام، فبعدما كان يندُر وجود سطح لا توجد فرشة كشك فوقه، إنقلبت الصورة كليّاً هذا العام، إذ بالكاد يمكن العثور على سطح منزل بدأت ربّته «فلش» مونتها فوقه.

إرتفاع أسعار المواد الأولية لتحضير مونة الكشك هو السبب الرئيسي برأي كثيرين، ذلك أن ارتفاع كيلو الحليب أو اللبن هذه الأيام، ليصل إلى ما بين 12 و15 ألف ليرة، والبرغل بنوعيه الأسمر أو الأبيض إلى حدود 15 ألف ليرة، جعل كثير من عائلات بلدات الضنّية والمناطق الريفية الأخرى يقيمون ألف حساب قبل إقدامهم على تحضير مونتهم من الكشك، أو الإكتفاء بتحضير كمية أقل من تلك التي كانوا يحضّرونها في السابق.

يؤكّد هذا الأمر بعض أصحاب محالّ السمانة والسوبرماركت في الضنّية، الذين يلفتون إلى أن إقبال المواطنين على شراء البرغل والحليب واللبن لتحضير مونتهم من الكشك ما يزال خجولاً، بينما بالمقابل، يشهد بيع الزعتر إقبالاً لافتاً، باعتباره مونة أقلّ تكلفة وأرخص سعراً، سواء ليكون مونة العائلات في فصل الشتاء، أو لطلّاب المدارس، إذ أن تحضير سندويشة زعتر لهم في البيت صباحاً، تبقى أقلّ تكلفة بكثير من شراء منقوشة في المدرسة.

بعض ربّات المنازل ممّن التقت بهم «الأخبار»، لفتوا إلى أن تحضير مونتهن من الكشك أمرٌ لا بدّ منه، ولا يمكن تجاهله وتعويضه بغيره من أصناف المونة الأخرى، خصوصاً أنه يُعتبر وجبة كاملة، إذ أنه يؤكل نيئاً، أو مطبوخاً بالزيت والبصل، أو بعض خلطه بالخبز والثوم والزيت وهو ما يُطلَق عليه محلياً إسم «الغمرون».

إرتفاع أسعار المواد الأولية لتحضير مونة الكشك، جعل مشاهد كثيرة سابقة تغيب عن تحضيره هذا العام، سواء تجمّع نسوة عائلة واحدة أو حارة أو بناية معاً لهذه الغاية، أو تحضير كمية كبيرة من الكشك لتوزيعها على الأهل والأقارب والجيران، أو إرسال مونة الكشك إلى أقارب في الخارج، فكل هذه الأمور أصحبت من الماضي، لأن «الجيل الجديد أكثره "منّو خرج"، وكل واحدة منا بالكاد تدبّر أمورها لتحضير مونتها من الكشك» تقول إحدى السّيدات.


تعليقات: