بعد 7 أعوام على التحرير القرى تنهض من الرّكام والأهالي يصرخون من غياب الدولة

الجنوب بالعين المجرّدة:

«حزب الله» الأقوى شعبيّا في الجنوب بعد سبعة أعوام على التحرير وعشرة أشهر على انتهاء حرب تمّوز. إنها خلاصة ثلاثة أيام من جولة شملت 20 من قرى الشريط الحدودي وبلداته، قامت بها «السفير» للاطلاع ميدانياً على تطورات الأوضاع هناك. قد لا ترضي هذه الخلاصة كثراً من الأفرقاء اللبنانيين من خصوم «حزب الله» السياسيين، ولكنّ المؤكّد أن المقاومة تمكّنت من الحفاظ على شعبها وتأييده الكامل والحاسم ونجحت في تجنّب عداء القرى والبلدات والفئات المناوئة لها وتأمين حياد الأهالي الإيجابي على الأقل. وإذا كان ثمّة عتبٌ خجول ترصده في بعض القرى جرّاء التجاذبات السياسية الحاصلة، كما في بعض قرى العرقوب على سبيل المثال، فإنّ ذلك لم يتطوّر الى درجة رشق المقاومة بالحجارة، والأمر سيّان في القرى المسيحية حيث يثمّن الأهالي سلوك «حزب الله» المتأني غير المتدخّل في شؤونهم والخصوصيات، ولكن أيضا بسبب التعويضات المسمّاة «إيواء» التي قدّمها الحزب الى سكّان الجنوب المتضرّرين بلا تفرقة بين الطوائف والانتماءات، من دون تجاهل بعض شكاوى المواطنين المتفرّقة عن تعويضات غير عادلة قبضوها من «مجلس الجنوب» أو من الدول التي تعهّدت إعمار القرى.

الجنوب ينهض من تحت ركام الحرب. إنها الملاحظة الثانية المهمّة التي لحظتها «السفير» بالعين المجردة. القطريون نجوم جدد في الجنوب، صور أميرهم ومحبّته لا تضاهيها أو تنافسها سوى صور شهداء المقاومة وقادتها.

أما الوضع الاقتصادي والاجتماعي فسيئ وهو يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بسبب غياب الدولة وخدماتها وإنمائها غير المتوازن. ومن الأمثلة البارزة ما يحدث في بلدية عيناتا التي ستعجز عن دفع رواتب موظفيها التي لا تتعدّى الـ1100 دولار في الشهر المقبل. بطالة مستشرية، حقول تنتظر تفكيك الألغام، متاجر متضررة وشبّان يائسون من التفاتة الدولة التي أشيحت عنهم منذ عقود ولم تزل.

الجيش هو المنافس الأول للمقاومة على محبّة الناس وتأييدهم. بعد أن عاد الى الحدود إثر غياب 30 عاماً يبدو أن البزّات المرقّطة جلبت معها الكثير من الطمأنينة الى قلوب الناس هناك.

تبقى قوات الطوارئ الدولية التي ازداد عددها الى 13 ألف عنصر بفعل القرار الرقم ,1701 الآراء تجاهها متفاوتة، عملها غير مفهوم من قبل الناس وهي «تنقّزهم» بفعل بعض التصرّفات مثل تصوير الشوارع والمنازل كما في الخيام، ولكن ايضاً بسبب دخول آلياتها الثقيلة الى القرى كما في عيتا الشعب من دون إذن البلدية وتسببها بالذعر للمواطنين الذين يهجسون بالحرب ولا يريدونها.

إسرائيل تبقى عدوّاً هدّاماً ومزارع شبعا مقدّسة يجب استعادتها.

الشاهد الأبرز على الهمجية الإسرائيلية بدأ من الجولة في سجن الخيام، رمز انعتاق الجنوبيين منذ سبعة أعوام لتشمل القرى والبلدات الآتية: جديدة مرجعيون، القليعة، إبل السقي، كفركلا، حاصبيا، كفرشوبا، شبعا، عيترون، عيناتا، بنت جبيل، مارون الرّاس، رميش، دبل، عيتا الشعب، مروحين، علما الشعب والناقورة.

ملفّ الجنوب الميداني والسياسي والأمني تفتحه «السفير» في هذه الجولة الواسعة على المناطق الجنوبية.

الخيام

نسمات التحرير هلّت في 25 أيار عام 2000 من بوابة كفرتبنيت. وبعد سبعة أعوام حل حاجز تفتيش للجيش اللبناني وثكناته مكان حواجز جيش لحد حيث خضع أهالي الحزام الأمني لتفتيش مضن لأعوام طويلة بغية الاستحصال على تصاريح خروج ودخول.

تكثر ذكريات أبناء المنطقة: هنا ثكنة غادرها جيش لحد مخلّفا وراءه آليات. وهنا حاجز الخردلي تحت قلعة الشقيف من جهة منطقة دير ميماس حيث وقعت معارك كبرى بين شباب المقاومة والإسرائيليين. وهناك في معتقل الخيام وعلى تلّة من الركام الذي خلّفته حرب تموز مزروع علم «حزب الله» قبالة المستوطنات وأقربها المطلّة.

«اليونيفيل» حاضرة بدورياتها في المصفّحات البيضاء التي تجوب الطرق.

في الخيام، الأكثر تضرراً في حرب تموز، يمتدّ سهل أخضر حضن مجزرة دبابات «الميركافا» في حرب تموز الأخيرة حيث أحرق «حزب الله» عدّة منها ما دفع بالجيش الإسرائيلي الى إحراق البلدة وتدميرها عشوائياً من دون ان ينجح في القضاء على الحياة فيها.

عند مطلع معتقل الخيام يمتدّ سوق الخميس، نصل إليه عبر طرق ترابية يتمّ تزفيتها من قبل البلدية. هناك على الجهتين ترتفع مبان قيد الإنشاء والى جانبها العلم القطري، في إحدى التلال قرية صغيرة متّسقة المباني بناها القطريون، وتكثر البيوت الحجرية القديمة التي يبدو أنها رمّمت مجدداً. تفتح لنا جرافة الطريق حيث كومة بحص كبيرة. الدمار جلي على الأبنية لكن في مقابلها أبنية جديدة تتصاعد أعمدتها في العلاء، إنه الأمل المنتصر على حزن الفقدان: فقدان الأحباء وخسارة الأرزاق، رسالة أمل لا يزال الجنوبي يكتبها عاماً بعد عام بدمائه.

المعتقل

السوق طويل ويحفل بالبضائع والزوّار كثر. أخبار المعتقل هي السائدة وكثر ممن يخبرونك عنها كانوا ضمن المعتقلين. بعد سبعة أعوام على التحرير تغيّر مشهد المعتقل الذي سجن في زنزاناته الضيقة المرصوفة بأدوات التعذيب الكثير من الشبان اللبنانيين. ارادت إسرائيل في حرب تموز الأخيرة إخفاء معالم ظلمها فقصفت طائراتها المعتقل الشهير، الذي أضحى محجّة، ودمّرت معظمه وصار الجزء الأكبر منه ركاما تحوطه بضع آليات إسرائيلية تعلوها أعلام «حزب الله». بعض أعمال الترميم الخفيف تطال المعتقل والتنقّل صعب بسبب الركام حيث بضع زنزانات إفراديّة ضيقة لا تزال شاهدة على احتلال قيّد الجنوبيين أعواماً.

قرب المعتقل خزان مياه عملاق كان الإسرائيليون قد دمروه لكن «اليونيسيف» شيدت خزانا عملاقا جديدا للبلدة المنكوبة.

في سوق الخيام والد شاب يهدهد طفله منتظراً زوجته التي تشتري بعض الأدوات المنزلية، إنه حسين غريب المغترب في ساو باولو منذ .2 عاماً والذي عاد ليمضي شهراً في ربوع الخيام مع الأهل والأقارب. منذ التحرير وحسين لم يزر الخيام، وبالتالي فهو قادر على رصد الفروقات التي حصلت منذ أعوام في البلدة: «تغيرت كثيرا، الأبنية مهدّمة، معظم الطرق غير سالكة لا كهرباء ولا ماء ولا حتى بنى تحتية للمجاري الصحية، الزراعة ضربت، التجارة محدودة، يحاول الناس توفير احتياجاتهم اليومية ولولا كثرة المغتربين من البلدة الذين يرسلون أموالاً لأهلهم لكان الوضع مأسوياً».

إعتقل موسى غصن (35 عاماً) ثلاثة أعوام في الخيام كانت كافية لتزيد الكثير من الأعوام على عمره الحقيقي، خرج من المعتقل ليعمل بائعاً جوّالا، إزدهر عمل موسى بعد حرب تموز لأن «الناس تحتاج الى تأثيث منازلها من جديد»، هكذا صحّ المثل القائل: «مصائب قوم عند قوم فوائد».

يقول موسى اليوم: «التحرير كان مهماً جداً لكنّ إنجاز تموز نوعي غطّى على التحرير، في هذه الحرب قهرنا رابع جيش في المنطقة فانهزم»، البعض في لبنان يعتبرون أن إسرائيل لم تهزم بل لبنان لأنه خسر الكثير، يجيب بسرعة: «المشكلة أننا اعتبرنا النصر للجميع لكنهم أبوا الاعتراف به، وماذا تعني الهزيمة إذا لم تكن عدم تحقيق الأهداف؟».

كاميرات «اليونيفيل»!

في متجر علي عواضة للأدوات المنزلية تكثر صور المقاومين. إنه عضو بلدية الخيام، يتحدّث بحدّة عن إهمال الدولة وبغضب عن الكتيبة الإسبانية ويطالب بمساعدات «لجميع الناس».

وماذا تقدم البلدية لهؤلاء؟

«بلديتنا بلا موازنة منذ 5 أشهر، اقتطعت الدولة هذه السنة 4 في المئة من موازنتنا وحوّلتها لبلدية بيروت وبلديات في جبل لبنان».

يلوم عواضة غياب الدولة في منطقة دمّرت فيها 1200 وحدة سكنية من أصل 4111 منزلا، بنى «حزب الله» بمساعدة دولة قطر 80 في المئة من المنازل وقدم الحزب بدل إيواء سكن للناس وقدّم هدايا مالية للمتاجر المتضررة بقيمة 20 في المئة من قيمة الأضرار».

يجري عواضة مقارنة بين «يونيفيل» اليوم و«يونيفيل» الأمس ومثله الأول الكتيبة الإسبانية «حتى الأطفال الذين كانوا سابقا يلوحون لليونيفيل تحبباً تراهم اليوم خائفين منهم». ما السبب؟ «إنهم يسيرون مدججين بالسلاح وكأنه استعمار جديد، يهينون الناس ويصورون في الأحياء وبين البيوت وكثيراً ما يتم الاتصال فجأة بالبلدية بسبب تواجدهم تحت المنازل في صورة مفاجئة».

في حارة المسيحيين في الخيام 30 عائلة مسيحية وعلى قلّتها (لا تشكّل أكثر من 2 في المئة من السكان) فإنها تتوزّع بين روم أرثوذكس وموارنة وإنجيليين وكاثوليك وبين عونيين وقواتيين!. تسكن الحاجة فوزية عبدو صالح في منزل صغير قرب الكنيسة المارونية بعد أن دمّر منزلها في الخيام، ومن المستحيل أن تعود إليه، تقول «في منزلي أورانيوم بشهادة الخبراء الإيطاليين». يتألف منزل السيدة فوزية من غرفة نوم واحدة وغرفة جلوس وحمام ومطبخ صغير تعيش فيه مع عائلتها المؤلفة من 6 أشخاص بعدما انتقلت من منزل مساحته 600 متر مربّع.

في بعض منازل المسيحيين في الخيام قصص كثيرة لا يفصح عنها أصحابها. تداعت أجزاء كبرى من منزل السيدة سهام شاهين وتصدّعت أبوابه لكنّ السيدة سهام، وهي أرملة منذ 18 عاماً، لم تقبض شيئا والترميم يحتاج الى 7 آلاف دولار «ما يتكلّم به مسؤولو «حزب الله» والسيد حسن نصر الله جميل جدّا، ونحن حملنا رايات «حزب الله» مراراً منذ التحرير لكننا نريد تطبيقاً عملياً على الأرض وليس كلاما فحسب». تكثر الأخبار في المتاجر عن محسوبيات في التعويضات وتتضارب المعلومات بين شاكر لعدالة «حزب الله» ولائم على محاباة البعض مادياً على حساب البعض الآخر.

مرجعيون والقليعة

المشهد لا يتبدّل كثيرا في جديدة مرجعيون. يبرز ضاهر ماضي صاحب محلّ للخرضوات صورا مرمّدة عن محلّه الذي كان يحوي عشية الحرب الأخيرة بضائع بـ147 ألف دولار بحسب قوله، وهو احترق كلياً ولم يقدّم له أحد أيّ تعويض باستثناء «حزب الله» «الذي قدّم لي 14 ألف دولار، لكنّ إسمي لم يرد في لائحة مجلس الجنوب لأنني لست محسوبا على أحد».

أعاد ماضي بناء محلّه على نفقته الخاصّة، «كلمة التحرير حلوة لكننا نريد أن تطبق معانيها فتحرّر النفوس من الطائفية العمياء التي تضرب الجميع». رحل معظم سكان مرجعيون، بعضهم في القافلة الشهيرة التي قصفها الإسرائيليون على طريق البقاع الغربي وسقط من البلدة 8 شهداء، «خرجت 3 آلاف سيارة ولم يعد سوى النصف»، يقول السيد ضاهر ماضي.

يقاطعه عضو بلدية مرجعيون حكمت فرحة: « «حزب الله» هو الوحيد الذي دفع في مرجعيون أما الدولة فلا وجود لها». يضيف: «نحن فرحنا بالتحرير لأنه يعني استعادة الكرامة لكنّ الناس اليوم ويا للأسف تترحم على زمن إسرائيل لجهة الضمانات التي خسرتها فحسب، حيث كان التأمين الصحي لا يكلّف أكثر من 5 دولارات شهرياً وكان مستشفى مرجعيون من الأحدث بمعداته والأفضل بخدماته، وكان كثر من الأهالي يعملون في إسرائيل ويجنون المال الذي يصرفونه في المنطقة. منذ دخول الدولة خسر المواطنون هذه الأمور كلّها».

تعتبر مرجعيون بلدة المغتربين حيث 17 ألفا من ابنائها في الخارج، وتحوي اليوم أقل من 1200 مقيم ويطالب الكثير من أبنائها المتضررين بتعويضات يتهمون مجلس الجنوب بحجبها عنهم: «لا نرى إلا شيكات دخلت من عند خطيب وعلمي (شركة هندسية) وخرجت من عند خطيب وعلمي ولا نقبض شيئاً، يقول ضاهر ماضي.

بعد مرجعيون تبدو القليعة مقفرة. المحال التجارية مقفلة وكأنه يوجد إضراب عام. المشاكل يختصرها أحد السكان الكثيري التحفظ: «لا تجارة ولا عمل. الدولة لا توظف شبابنا. كنا متكلين على الإسبان لينعشوا المنطقة فبقي الجمود نفسه».

كفركلا

أمام بوابة عملاقة صدئة يهيمن السكون. حواجز الجيش اللبناني وعناصر من «اليونيفيل» الإسبانية تقف على بعد أمتار من الشريط الشائك المواجه لمستوطنة المطلة والذي تبدو التحصينات الإسرائيلية مباشرة وراءه. العلم الإسرائيلي يرفرف على الرغم من المنازل المنتشرة على تخومه، إلا أن المنطقة تبدو مهجورة إلا من بضع محال خضار وكاراجات لتصليح السيارات وبعض محال الثياب. في كفركلا يجلس حسن شيت أمام محله لبيع الأدوات المنزلية، «التحرير يعني لي الخروج من سجن كبير والتخلص من حكم الاحتلال وعملائه». بعض أبناء البلدة من المتعاملين سجنوا لأشهر بعد أن حكم عليهم القضاء اللبناني لكنّهم اليوم يعيشون في شكل طبيعي في بلدتهم ولا يزال 10 من أبناء كفركلا في إسرائيل بحسب شيت. الدمار في كفركلا جزئي «من عوّض علينا هو «حزب الله» كان ماشي مظبوط»، يقول شيت. الصرخة من بطالة الشباب كبيرة يطلقها محمد ضاهر صاحب «سناك» صغير «كلّما «تعوكر» الوضع السياسي كلّما ساءت الحالة، قبل التحرير كانت الناس تعمل في الزراعة داخل إسرائيل وتجني المال، أما اليوم فالركود هو سيّد الموقف». لم يهاجر أبناء كفركلا كما بقية أبناء القرى ويبلغ عدد السكان 12 ألف نسمة.

إبل السقي

يؤدّي تواجد القيادة المركزية لقوات الطوارئ الدّولية في إبل السقي الى مشكلات بيئية وعقارية تزعج السكّان، هذا على الأقل ما يفيد به مختارها. هذه القرية التي تعدّ 3500 نسمة لا يقيم من أبنائها فيها سوى 1500 نسمة فحسب، ثلثا سكان القرية من المسيحيين والثلث الآخر من الدروز مع وجود ملموس للحزب الشيوعي بالإضافة الى التقدمي الإشتراكي والقومي السوري وعدد ضئيل من أتباع التيار الوطني الحرّ.

على نقيض القرى الأخرى لم يؤدّ التحرير الى ركود اقتصادي كبير.

لم يعمل من أبناء القرية في صفوف جيش لحد سوى 20 شخصاً بحسب مختارها سليمان الجدع، ولم يبق منهم في إسرائيل سوى عائلة واحدة وشخص واحد. «البلد وطنية، من عمل في إسرائيل كان مكرها وقد سجن من أبنائنا 15 شخصاً في معتقل الخيام وأطلقوا يوم التحرير»، يقول الجدع.

أملاك القرية واسعة ومساحتها العقارية تمتدّ من كوكبا الى منطقة الوزّاني ومواردها من الزراعة ومن متمولين مغتربين ومن موظفين وعمال يعملون مع قوات الطوارئ الدولية وأساتذة مدارس. شهدت إبل السقي قبل التحرير الإسرائيليين وقد وضعوا مركز مدفعيتهم في منطقة الشريفي المقابلة لها والواقعة بين مثلّث مرجعيون الخيام وإبل السقي، حيث كانت إسرائيل تقصف كل المناطق الواقعة ما بعد الليطاني وخصوصا كفرتبنيت حبّوش النبطية عربصاليم إقليم التفاح وسواها. أوقعت حرب تموز شهيداً في القرية وهدمت 4 منازل وتعرّض 100 منزل الى أضرار طفيفة ومتوسّطة وأضرار زراعية، «عوّض «حزب الله» والتيار الوطني الحرّ على الجميع وكذلك الهيئة العليا للإغاثة. لكنّ الهم الأكبر اليوم بيئي وتتسبّب به قوات الطوارئ حيث اختارت مركزها في البلدة»، يخبر المختار الجدع. يضيف: «يومياً ترمى نفايات 3 آلاف عسكري في أرض إبل السقي على بعد 2 كيلومتر من البلدة، يضاف اليها مياه المجاري الصحية التي تصبّ في أراض زراعية في سهل بلاط».

يتابع الجدع: «لقد احتلّت الكتائب الإسبانية والفنلندية والإيرلندية ألفي دونم من أراضي البلدة لبناء مقرّها من دون مشاورة أصحاب العقارات ومن دون دفع إيجارات لهم، ثمّ إن لدينا بعض الطرق الزراعية الجيدة التي خربوها بآلياتهم». ويختم المختار: «أنا خائف على بلدتنا النموذجية الممتلئة حدائق وبيوت قديمة وكنائس اثرية».

كفرشوبا

نعبر الى قرى العرقوب والى كفرشوبا تحديداً عبر جسر الخردلي الحديدي الذي وضع بعد حرب تموز. سهول خضراء مترامية لا تخرق هدوءها سوى دوريات «اليونيفيل». الضباب الكثيف وأمطار أيار لا تجعل الصورة واضحة للحدود وكفرشوبا متاخمة لها. قصّة أحمد ونجله محمد عبد الله هي حديث القرية، ويبدو أن منزل الشهيدين الذي قصفته إسرائيل بطائرتها في ساحة القرية فدّمرته فوقهما قد شرع بناؤه. حرّر أحمد من سجن الخيام في تبادل سبق التحرير وبقي منخرطا في المقاومة مع نجله الى أن قتلا سوياً في حرب تموز الفائت. كان محمد في الـ22 ربيعاً حين قتل ووالده في الـ 50 عاماً. بعد 10 أشهر تقف الزوجة الأرملة والثكلى الى جانب صورة فقيديها وتقول «أذكر فرحة التحرير ووجهي محمد وأحمد وزهوهما بالحدث وبعد حرب تموز تحوّل الفرح الى حزن».

لا تحتاج سميرة شحادة الى التعبير عن حزنها بالكلمات، فهو يترقرق دموعاً خجولة في عينيها «الفراق صعب، اشتاق إليهما، وكنت أتمنى لو لم أفقدهما لكنّ المقاومة هي جهاد ونصر وإيمان ومحبّة».

يروي رئيس بلدية كفرشوبا، عزّت القادري، تاريخ كفرشوبا المقاوم بكثير من العنفوان والزّهو: «حضنت كفرشوبا المقاومة الفلسطينية منذ عام 1948 وأول تظاهرة للعمل الفدائي الفلسطيني عام 1969 انطلقت من القرية، ساهم أبناء القرية في التحرير بالمعلومات وبالسلاح وكان يوم التحرير رائعاً».

كما كل القرى سلّم من تعاملوا مع الاحتلال الى السلطات اللبنانية وكان عددهم 60 شخصاً، بحسب القادري، واليوم لا يوجد إلا شخص واحد بقي في إسرائيل بسبب المرض.

اثرت حرب تموز وتداعياتها السياسية الداخلية قليلاً على النظرة الى المقاومة وإن لم تنزعها البتة من القلوب، «كانت الصورة برّاقة ولا شك في أنها تبدلت بعد الحرب عند بعض الناس بسبب التجاذبات السياسية الداخلية. لكنّ الثوابت في كفرشوبا مقدسة المقاومة واجب ضدّ العدو و«حزب الله» دفع تعويضات للمتضررين بلا تفرقة»، يقول القادري.

لتيار «المستقبل» شعبيته الكبيرة في البلدة التي تعدّ 9 آلاف نسمة، المقيم منهم فيها .1800 دمّر في كفرشوبا 80 منزلا بالكامل بالإضافة الى 32 منزلا تعرّضت لتدمير جزئي، الى 450 منزلا متضرراً. دفع «حزب الله» للمنازل المتضررة بدل إيواء بين الـ7 آلاف والـ10 آلاف دولار، الى مساعدات ترميم الى 80 في المئة من المنازل، في ما دفعت الدولة لأصحاب المنازل المتضررة 20 ألف دولار و8 آلاف للترميم، وهي دفعت لـ40 منزلا مهدّمة بالكامل ولا يزال 40 منزلاً بلا تعويضات بالإضافة الى أضرار الحرب، حيث وقع في القرية 5 شهداء، فإن نسبة البطالة تبلغ 13 في المئة، الى اضرار كبرى لحقت المزروعات في وادي خنسا حيث حجم الأضرار يبلغ 3 ملايين دولار أميركي بالإضافة الى تضرر 45 متجراً عوّض على أصحابها تعويضاً جزئياً بحسب القادري.

للمرة الأولى منذ 35 عاما يتواجد الجيش اللبناني في كفرشوبا وقرى العرقوب «ثمة اطمئنان الى وجوده والتنسيق معه جيد». الكتيبة الهندية هي المتواجدة في تلك المنطقة «لا مشاكل معهم وقائد القطاع الشرقي إسباني اجتمع معي بعض من ضباطهم وأبديت ملاحظات».

شبعا

يلفح هواء شبعا البارد العليل وجه أبو يوسف «الختيار» الثمانيني الواقف على مصطبة منزله في بلدة شبعا. يرفع يده مشيرا الى فوق حيث ضوء لطيف يشعّ من بعيد: أهي نجمة جميلة تلوح في أفق مزارع شبعا أم ضوء القمر يسهر على القرى النائمة في حضن الطبيعة والضباب الأبيض؟ «إنه الرادار الإسرائيلي المركّز في أرض المزارع الـ14 المحتلّة والكاشف لتحركات أهالي شبعا وقرى العرقوب ليلا ونهارا».

تواءم أبو يوسف وأم يوسف مع هذا المشهد اليومي كما أبناء قرى العرقوب التي تعيش في سكون ظاهر يختزن براكين كثيرة بفعل النسيج السياسي المتنوّع.

شبعا هي البلدة الأبعد والأكبر في منطقة العرقوب، يحدّها الجولان وفلسطين المحتلّة وتتعدّد فيها التيارات السياسية، «كل خمسة اشخاص هنا يشكّلون رأيا مختلفا ولا تسترجي أن تحكي خوفا من مشكل»، تقول إم يوسف التي تقدّم على مائدتها اللبنة البلدية التي تتموّن منها القرى، وهي من ضمن المؤونة التقليدية.

تكثر التيارات السياسية في شبعا من الحزب القومي السوري الاجتماعي الى البعث الى «تيّار المستقبل» الطاغي حاليا و«حزب الله» (بيوت قليلة في شبعا). النقاش السياسي حام ولا هدوء إلا في دفأة المنازل المحوطة بسهول خضراء ومواشي الغنم والماعز والأبقار المنتشرة بين الصخور الرمادية الكثيفة.

يبلغ عدد سكان شبعا 25 ألف نسمة منهم 5 آلاف مقيم، أصيب في شبعا 50 منزلا بأضرار طفيفة وأصيب 5 اشخاص بجروح، بحسب رئيس البلدية عمر الزهيري. في شبعا الأغلبية سنية و5 في المئة من أبنائها روم أرثوذكس. أبرز الأضرار طالت بساتين الفاكهة التي تشتهر بها وهي الكرز والخوخ والإجاص والتفاح ولم يعوّض أحد على المزارعين الذين يكتفون اليوم بتربية الماشية وإنتاج الألبان والأجبان.

حاصبيا

في العودة من شبعا نعرّج على حاصبيا. هنا معلم من معالم التحرير، مركز مخابرات الجيش الإسرائيلي سابقاً في منطقة زغلي الذي كان يعرف بثكنة زغلي. يروي مالك ابو غيدا: استولى الإسرائيليون عنوة على تلّة زغلي حيث يقع منزل الشيخ أبو كمال محمّد الخليل، والد الوزير والنائب أنور الخليل، وحوّلوها الى ثكنة عسكرية وقاعدة تضمّ الضباط الكبار. في هذا المركز كان الإسرائيليون يصدرون للمواطنين تصاريح الدخول والخروج من الشريط الحدودي والعودة الى داخله». بعد التحرير لغّم النائب الخليل المركز بكامله وشيّد فيلا جميلة تحوطها حدائق غنّاء «لقد أهدتنا المقاومة هدية ثمينة لن ننساها، ومن يتحدث عن ضيقة اقتصادية بعد التحرير فهو لم يشعر بأن كرامته استعيدت».

بدأت محال سوق حاصبيا تفتح ابوابها، إنها التاسعة صباحا يهيّئ شوقي بدوي (25 عاما) الخضار ويشرف على تقديمها بأجمل حلّة لزبائنه: «التحرير «شي حلو» لكنّ الدولة لم تدرك كيف تحصّنه وتستثمره، خرج الاحتلال وتركت البلاد بلا إنماء ولا خدمات اجتماعية وعادت الضرائب والمشاكل». يضيف بدوي: «قبل التحرير كان الوضع الاقتصادي أفضل وفرص العمل كثيرة لأن أغلبية الشعب تعمل في وظائف هنا أو في إسرائيل، بعد مجيء الدولة عمّت البطالة وحدث نزوح للقادرين ومن بقي لا يمتلك القدرة على المغادرة والسفر». ساء الوضع بعد حرب تموز رغم قلّة المنازل التي تضررت «لكنّ صورة المقاومة لم تزل هي ذاتها». في حاصبيا تنوّع سياسي من الحزب الديموقراطي الى التقدمي الاشتراكي الى القومي، ولسان حال الناس يقول إن «الملامة في ما يحدث هو على الدولة وليس على المقاومة». حاصبيا متنوعة طائفياً مع غالبية درزية تصل الى 70 في المئة.

نصل الى ساحة العديسة التي تحفل بصور للإمام المغيّب موسى الصّدر «إمام الوطن والمقاومة»، لا تكسر هدأة القرى سوى قوافل «اليونيفيل» البيضاء المتّجهة الى سهل حولا حيث قاعدة لقوات الأمم المتّحدة، هنا في ميس الجبل تتكثف أعلام «أمل» و«حزب الله» في تزاحم واضح وتعلّق صور جديدة لشهداء سقطوا. المقاومة تدخل حتى في المطاعم حيث «مطعم التحرير» و«ميني ماركت الوعد الصادق» في بليدا.

سهول زراعية شاسعة تمتدّ أمام ناظرينا في طريقنا الى مثلّث التحرير: عيترون عيناتا وبنت جبيل حيث الإعمار جار على قدم وساق وحيث العنقوديات تتسابق مع أرواح الفلاحين.

قضاء بنت جبيل

متّشحة بالسواد وجالسة عند حافّة الطريق الرابطة بين مثلّث التحرير المتمثّل بعيترون وعيناتا وبنت جبيل، تنظر الحاجة بدرية خنافر الى ورشة الإعمار التي تدور عجلاتها: فقدت بدرية 11 من أفراد عائلتها في حرب تمّوز ولم يبق لها في الدّنيا سوى ابنتها تغريد (35 عاما). دمّرت الطائرات الإسرائيلية بيوتها الأربعة في عيناتا وتداعى أحدها على عائلتها فاختنقت محترقة تحت الأنقاض «لا يمكنني أن أنسى»، تقولها بصوت يشبه الحشرجة، وكيف تنسى هذه المرأة المسنّة أنها هي من سحبت جثّة مريم إحدى بناتها من تحت الأنقاض؟ «لا التحرير ولا المقاومة يعنيان لي شيئاً»، و كيف يمكن أن يعني لها التحرير شيئا هي من تجرّ جسدها المتشح بسواد لن يخلعه يوماً مفكرة طيلة الوقت بمريم وعفيف وفايز وأبنائه الثلاثة وبزوجته وبزينب وأولادها؟

إنه ثمن باهظ دفعته الحاجّة بدرية، لكنّ قصّتها الموجعة معممة على هذه البلدات الثلاث التي شكّلت خطّ التصدّي الأول لإسرائيل في الحرب الأخيرة، وحيث في كلّ بيت مأساة كبرى يحاول أن ينفضها بقوّة العزيمة والإيمان.

بعد 10 أشهر على انتهاء الحرب انتشرت ورش الإعمار على طول الخطّ العام. في داخل عيترون حركة بناء لا تهدأ ولوحات شكر للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عند مدخل المدرسة الرسمية التي أعاد بناءها. عمّال البناء لا يحصون في بنت جبيل «عاصمة التحرير»، بينما أصحاب الأبنية المدمّرة مشغولون بالإشراف عليها وبتقديم القهوة والشاي والعصير البارد للزائرين همّهم القيام بواجبات الضيافة على أكمل وجه.

شظايا وورود تتجاور عند مصطبة منزل تعيش فيه الحاجة السكنة حسن، إنه ليس منزلها، كانت تسكن البناية المجاورة المؤلفة من 3 طوابق وهي تهدّمت كليا للمرة الرابعة ويجري إعمارها «القطريون نصرونا كتّر خيرهم».

لا يشارك حيدر فرج من بنت جبيل الحاجّة السكنة رأيها. هو وشقيقيه حسين وحسن يصرخون النجدة، تهدّمت بنايتهم المؤلفة من 3 طوابق ولم يعوّض عليهم أحد سوى «حزب الله» الذي دفع لهم بدل إيواء.

ينهمك أحد الأشقاء الثلاثة في نصب خيمة مجاورة للمنزل المتضرر ليسكنها مع عائلته المؤلفة من 5 أشخاص، «دفعوا لمنازل مدمّرة منذ أيام الحرب الأهلية». بالسؤال عن هذه الحالة أجاب بعض العارفين في بنت جبيل بأن المنازل التي تحتاج الى هدم قبضت أموالا من الجهات الممولة و«حزب الله» دفع بدلات إيواء وترميم فحسب ولم يدفع للبناء، ومن قبض بدل ترميم لا يحق له قبض أموال للبناء.

تهدّمت في بنت جبيل 1600 وحدة سكنية من اصل 6 آلاف وبدأ بناء 300 وحدة بتمويل قطري، فيما يبلغ عدد السكان 45 ألفا يقيم منهم 5 آلاف فحسب. بعد 7 أعوام على التحرير وعلى الرغم من انعقاد المجلس النيابي بعيد التحرير في ثانويتها الرسمية (الثانوية دمّرت تماماً في الحرب) إلا أن أبناءها يقولون إن الدولة غائبة عنهم تماماً.

أول شهيدين سقطا في حرب تموز كانا من بنت جبيل وهما حسين سعد وهشام بزّي. اعتاد أهالي هذا المثلث تقديم الشهداء، وهذا بنظرهم ثمن الكرامة وردع المحتلّ «لولا دماء هؤلاء لما عدنا الى منازلنا ولما بدأنا الإعمار من جديد، ومثلث عيناتا عيترون وبنت جبيل هو من كسر ظهر إسرائيل فلم تستطع التقدّم بعد محاولات عدة دامت شهراً»، تقول الحاجّة السكنة. لا شكّ بأن هذا المثلث هو معقل المقاومة منذ ما قبل التحرير، وأول احتفال بعد 25 أيار عام 2000 أقيم في ملعب بنت جبيل حيث خطب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

عيناتا

الحياة الطبيعية تعود بدورها الى عيناتا التي دمّر الإسرائيليون منازلها والمقابر وعاثوا فيها ألغاماً وقنابل عنقوديّة.

«عيناتا نكبت كلّيا»، يقول نائب رئيس البلديّة حسين فضل الله. بلدة السيد محمّد حسين فضل الله هدم وسطها القديم بالكامل ودمّر 230 منزلا من منازلها (من أصل 800 ) وسقط من أبنائها 44 شهيدا، وضربت مواسمها، أما أراضيها الملغمة بالقنابل العنقودية فتمنع المزارعين من حراثتها وزراعتها بالحبوب والتبغ وتحول دون اهتمامهم بالدوالي وببساتين الزيتون.

لكنّ عيناتا تنهض بسرعة من كبوتها كما اعتادت لأعوام طويلة، «بدأ القطريون البناء ودفعوا الدفعة الأولى 10 آلاف دولار للوحدة السكنية، وكذلك تم الدفع للمنازل المحتاجة الى ترميم»، يخبر فضل الله، في ما ينهمك بالإجابة على اتصالات ترده من مواطنين يسألون عن تاريخ الدّفعات القادمة.

عائلات الشهداء تعيش ظروفا صعبة، «لدينا كارثة وخصوصا أن الزراعة متوقفة بسبب القنابل العنقودية». 3500 نسمة يعيشون في عيناتا من أصل 8500 «والبلدية لا يمكن أن تساعد الجميع لأن لا مال لديها، والدولة لا تدفع مستحقاتها، في شهر حزيران المقبل لن نتمكّن من دفع رواتب موظفي وعمّال البلدية». نسأل عن المبلغ ويأتي الجواب صاعقا: مليون و700 ألف ليرة! أي 1122 دولاراً! يضيف فضل الله: «دمار كبير في المنازل ولولا دولة قطر لكنّا مكثنا في الشارع». لم تقدّم قوات الطوارئ الدولية أي انتعاش لتلك المناطق.

يخبر أحد المتواجدين في بلدية عيناتا: «جلّ ما يفعلونه هو التقاط الصور أو تقديم بعض القرطاسية للمدارس أو التسبّب بأزمة سير لزيارة البلدية سؤالا عن حاجياتهم، ولا نرى شيئا ثم يحفّرون الطرق السليمة بمجنزراتهم!».

طالما دمّرت عيناتا في الحروب مع إسرائيل لكن هذه المرة كانت الضربة أكثر من شديدة. مدخل البلدة ركام دفعت ثمنه إسرائيل قتلى كثراً من لواء «غولاني» النخبوي، هكذا يروي أبناء من البلدة بفخر واعتزاز.

لا ترصد هنا اي نقمة على المقاومة، الجميع يعتبر أنها لم تخطئ يوما، «لولا «حزب الله» لحلّت بنا كارثة معيشية. منذ التحرير ولغاية اليوم كل الناس هم الحزب فكيف يلتفّون حوله؟!»، يقول مواطن يمشي في عيناتا القديمة المدمرة كليا راويا أن كل المقاومين الذين استشهدوا في حرب تموز كانوا من أبناء البلدة والبلدات المجاورة وليسوا من خارجها.

هنا منزل قتل تحت أنقاضه 18 شخصا وهنا آخر قتل تحت جدرانه خمسة، وهنا أغرون لاما (من كوسوفو) يشرف على عملية نزع الألغام من بين المقابر المشظاة أغطيتها بالعنقوديات. يعمل لاما مع فريق إماراتي من شركة «أرمور غروب»، وفي مقابل المقابر المحطّمة أغطيتها أكوام من البحص والرمل والباطون المجبول تحملها سواعد العمّال لصبّها أعمدة وأبنية جديدة.

مارون الراس

الهواء العليل رفيق الطريق الى مارون الرّاس الحاملة لاسم ناسك ماروني. طرقها محفّرة والمنطقة تبدو مهجورة. تجلس الحاجّة فاطمة فارس أمام منزل من طبقتين تبدو عليه آثار القصف وتنظر الى ابنها أحمد فارس يعمل في ترميم مصطبة المنزل. أحمد غاضب «حزب الله» دفع 1400 دولار ومجلس الجنوب 4 ملايين ليرة والمنزل يكلف 8 آلاف دولار «وأنا أعمل بيدي ونحن عائلة من 7 اشخاص نعيش في غرفة واحدة». الإسرائيليون دخلوا الى مارون الراس بدبابات «الميركافا» وجرفوا الكثير من المنازل، لا يبدو أحمد مهتماً إلا بصبّ الباطون، «التحرير لا يهمّني ولا أريد أن أقدّم سبباً لرأيي!».

مارون الراس مقفرة ومهجورة على الرغم من القول بوجود 95 منزلا مسكونا من أصل .500 نزح السكان الى مناطق أخرى بسبب الحرب ولا تسأل عن الوضع الاقتصادي والمعيشي «إنه تعيس».

دمار ورماد، وأعمدة بناء قليلة باشرت في الصعود، ورشة البناء خجولة في مارون الراس والترميم جار ببطء.

هنا عند أطراف البلدة يربض الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، يشرف موقعه على مستوطنة «أفينيم»، وقبالته موقع لقوات الطوارئ الدولية المحوط باستراحة البلدة المدمرة والتي شرع ترميمها، وفي مقابل الموقعين يرفرف علم «حزب الله» على مشارف المستوطنة المذكورة. وسط الدمار تلفت الحقول المزروعة بشتول التبغ وبالخضار من زرعها في ظلّ القفر والدمار؟

من تلّة مارون الراس الاستراتيجية المشرفة على الجنوب بأكمله ننزل الى يارون بلدة الفيلات الأنيقة والمشظاة والتي بوشر ترميمها أيضا.

رميش ودبل

الطريق ملتوية كالأفعى وهي ضيقة جدّا وترابية. الماشية ترنّ أجراسها في الحقول الشاسعة حيث التبغ وبساتين الزيتون المترامية التي تنتهي برميش، البلدة المسيحية التي احتضن أبناؤها في الحرب جيرانهم من عيتا الشعب فامتلأت مدارسها وقاعات كنائسها ومنازلها بـ4 آلاف شخص، فيما عدد سكان رميش 5 آلاف! ولم يتوقف الأمر عند هذا الرقم إذ عادت واستقبلت نازحين من عين إبل ومن يارون وبنت جبيل وعيترون.

لم تهدم بيوت كثيرة في رميش بل احترق بيتان «عوّض عليهما «حزب الله» بالتعاون مع «التيار الوطني الحر»»، يروي الأستاذ المتقاعد يوسف شوفاني.

يتوزّع الإنتماء السياسي في رميش بين «التيار الوطني الحر» والقوات اللبنانية والكتائب والأحرار، وماذا يعني التحرير لأبناء البلدة؟ يجيب شوفاني: «إنه باب الفرج، أنقذنا من إقفال الطرق والتصاريح والانتظار المذلّ على المعابر. البعض هنا يربط التحرير بالركود الاقتصادي لأن الشباب انضوى بعضهم في جيش لحد وبعضهم الآخر عمل في إسرائيل».

لم يبق من ابناء رميش في إسرائيل سوى ثلاثين شخصا فحسب بحسب شوفاني. اليوم يرسي أبناء البلدة علاقات طيبة مع الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية التي يقول شوفاني «إنها لم تدخل اي إنعاش اقتصادي الى المنطقة».

ماذا عن «حزب الله»؟

«إن الناس هنا يحترمون المقاومة، ومنذ التحرير الى اليوم والحزب متواجد وهو لم يحتكّ بأحد. الاحترام متبادل وهم لا يتدخلون في شؤون السكان ولم نرهم يوما مسلّحين».

الطرق المحفّرة تقودنا الى دبل حيث مركز للجيش عند مدخل البلدة المسيحية. السكون قاتل يعمّ الأرجاء والطرق متعرجة تقودنا الى منزل مهجور حيث كومة من الكراسي الصدئة عند مدخله «إنه منزل عقل هاشم أحد ضباط جيش لحد الكبار الذي قتلته المقاومة في كمين». في جوار المنزل دكّان لفارس فارس (21 عاما) يقول الشاب بأن الفراغ الموجود يعود الى البطالة التي دفعت سكان القرية الى هجرتها الى المدينة. يقول بعض أبناء القرية بأنه لا يزال يوجد 30 عائلة من ابنائها في إسرائيل ويهمسون بأن شبابها مرفوضين لغاية اليوم في وظائف الدولة لأن معظمهم كان منضوياً في جيش لحد «حتى أنهم رفضوا في مهمات نزع الألغام وقبل بعضهم بعد وساطات».

يقول احد ابناء البلدة: «قبل التحرير كان وضعنا المادي أفضل بكثير لأن الشبان كانوا يعملون ويحرّكون الدورة الاقتصادية وبعد 7 أعوام نرى القرية مهجورة وشبه فارغة».

عيتا الشعب

ترتع على تلّة مقابلة للأراضي الفلسطينية المحتلّة بلدة عيتا الشعب حيث خطف «حزب الله» على تخومها الجنوبية الجنديين الإسرائيليين اللذين اندلعت بسببهما حرب تموز من العام الفائت. ومثل عيناتا دمّر قلب البلدة القديم حيث البيوت المتراصّة والمتلاصقة دفعت الإسرائيليين الى الاعتقاد بأن المقاومين يتحصّنون في داخلها فإذا بهم يحيلونها ركاما.

لكنّ الإعمار عاد بقوّة الى عيتا الشعب حيث الكبار والصغار يتشاركون في البناء مع العمّال في حماسة بادية على الأوجه السمراء، والعمل ليس سهلا بسبب حجم الأضرار: 900 وحدة سكنيّة دمّرت في شكل كامل من أصل ,1800 «حتى اليوم تمّ البدء ببناء 750 وحدة سكنية في ما تنتظر 250 وحدة الدفع الذي تتولاه قطر»، يخبر عضو بلدية عيتا الشعب علي قاسم.

قدّم «حزب الله» لأبناء البلدة مبالغ تتراوح بين الـ10 آلاف والـ12 ألف دولار كإيواء، ويبلغ عدد السكان 12 ألفا منهم 8 آلاف مقيم.

نالت عيتا القسط الأكبر من الخراب نظراً الى موقعها الاستراتيجي العسكري، وبعد 25 يوما من القصف المركّز من البرّ ومن الجوّ حاول الإسرائيليون التوغّل في الأيام الـ8 الأخيرة من الحرب عبر هجوم برّي موسّع، فتمكّنوا من الوصول الى أطراف البلدة وليس الى قلب الضيعة، إذ واجهتهم مقاومة كثيفة وسقط منها 9 شهداء في صفوف المقاومة، «حرب تموز لم تلغ التحرير المحفور في قلوب الناس وقصص الاضطهاد والاعتقال في الخيام وفي سجون فلسطين ليست بقليلة»، يقول قاسم. مثل القرى والبلدات الجنوبية تعامل بعض أبناء عيتا مع جيش لحد وحوكم قسم منهم في لبنان وأفرج عنهم وهم يعيشون في شكل طبيعي ولم يزل في إسرائيل زهاء 3 أسر من البلدة بحسب قاسم.

تحتاج عيتا الى كلّ شيء والدولة هنا غائبة منذ عقود، «تنقصنا مقوّمات الحياة كلّها لا مستشفى ولا كهرباء ولا مياه، يعتمد الناس هنا على بئر أرتوازية ويحتاجون الى كميات هائلة من المياه غير متوافرة، أما نسبة البطالة فتصل الى 90 في المئة لذا تشهد البلدة نزوحا وسفرا كثيفين».

تعتمد عيتا على الزراعة والمغتربين كموردين اساسيين لها. موسم التبغ أتلف كله في العام الماضي والدولة لم تعوّض شيئا على المزارعين، وهذه السنة لم يحرث هؤلاء حقولهم بسبب القنابل العنقودية التي تغطي زهاء 35 في المئة من الأراضي، بحسب قاسم.

الانزعاج من قوات الطوارئ الدولية لا يخفيه قاسم كما كثر من أبناء عيتا، «إنهم يعيدون بآلياتهم ومصفّحاتهم وجنازيرهم التي تقلق فجأة راحة الأهالي صورة الاحتلال الإسرائيلي. يدخلون القرية بلا استئذان البلدية مستعرضين دباباتهم بلا إقامة وزن لأحد. الناس هنا يشعرون بأنهم على قاب قوسين من حرب جديدة وهم متضايقون من ذلك»، يروي قاسم، مضيفاً بأن البلدية اعترضت وجاء الجواب بأنها مشكلة عابرة لكن لا يبدو أنها كذلك».

بعد عيتا الشعب نتوجّه الى مروحين قرية الـ23 شهيداً حيث تشكّل قصّة السيدة مريم وابنتها زينب عبرة مؤلمة عن جحود السياسيين في حقّ الناس وآلامهم.

قضاء صور

مروحين، من ينسى هذا الاسم؟ من ينسى قرية الشهداء الـ23 الذين سقطوا على طريق شمع ـ البيّاضة هاربين من النيران الإسرائيلية التي لاحقتهم حتى أحرقتهم بعد أن رفض استقبالهم مركز قوات الطوارئ الدّولية في البلدة؟

طرق محفّرة توصل الى القرية الحدوديّة النائية وشبه المقفرة حيث تعلّق صور للرئيس الشهيد رفيق الحريري، فالقرية ولاؤها كبير لـ «تيار المستقبل». معظم سكان القرية غادروها الى بيروت وصور والمنصوري وخصوصاً بعد حرب تموز، وبالتالي لا يوجد أحد من أهالي الشهداء. هنا منزل آل غنّام الموصد بعد أن فقد كلّ أفراده، والى الجهة الثانية منزل مريم اسماعيل عبد الله التي تعيش وحيدة مع ابنتها زينب (19 عاما) بعد أن فقدت 9 من أفراد عائلتها في الباص المشؤوم الذي كان يقوده زوجها علي.

تخرج مريم (65 عاما) بعد أن تناديها زينب من بين شتول التبغ حيث تعمل محاولة جني بعض المال بعد فقد معيلها وأولادها. يخونها الكلام وهي تستعيد مأساة 15 تموز من العام الفائت. تدخل الى المنزل وتجلب صورة كبيرة تعرّف على شهداء العائلة وتطبع قبلات على صورة كلّ واحد منهم: زوجي علي، إبني محمّد (16 عاما)، أولاد إبني كامل: حسين (11 عاما)، حسن (9 أعوام)، لمى (سنتان)، زوجة كامل الحامل ووالدة زوجي الى شخصين قريبين آخرين.

كانت العائلة في قطاف الدخان حين بدأت مكبرات الصوت الإسرائيلية تناشد أهالي القرية الرحيل عنها. سارع علي الى باصه الصغير لينقل 23 شخصا من العائلة ومن أبناء القرية الى مكان أكثر أمانا، أراد إنقاذهم، لكنّهم قتلوا جميعاً ولم تسلم إلا زينب التي سحبتها مريم من بين الجثث المتفحّمة بعد أن هرعت من المنزل حيث بقيت من أجل حراسة الماشية والحقل.

تعيش الأم والإبنة في فقر مدقع لا يلتفت إليهما أحد. «تيار المستقبل»، والعائلة من ناخبيه، اكتفى بإرسال وفد للتعزية فيما قدّم «حزب الله» للسيدة مريم 3 آلاف دولار والجماعة الإسلامية ألف دولار. «أموال العالم كلّها لا تساوي قطرة دم واحدة لأهلي وإخوتي»، تقول زينب شاهقة بالبكاء فتحضنها الوالدة الباكية أيضا في مشهد تنفطر له القلوب. «لولا السيكارة لانتحرت وأحلف بدم عائلتي أنه لا توجد ليرة واحدة في هذا المنزل!».

ـ هل يعني التحرير شيئا وسط هذه النبكة؟

ـ «الله يهدّك يا إسرائيل لأنك ظالمة»، تجيب مريم باكية.

ـ ماذا عن قوات «اليونيفيل» المجاورة؟

ـ «لا أحبّهم ، لو أبقونا في مقرّهم في ذلك اليوم لما خسرت عائلتي»، تسارع زينب الى الإجابة، وتساندها مريم: «خلّيها بالقلب تجرح...».

نترك مريم وزينب تبكيان مصيبتهما وتندبان وحدتهما وسط قرية شبه مقفرة.

علما الشعب

بعد مروحين نتوجه الى علما الشعب المسيحية حيث للتحرير معنى خاص وخصوصا أن بنات القرية وأبناءها عمل قسم منهم في إسرائيل زمن الإحتلال ولا يزال 10 من أبناء البلدة في إسرائيل، علما بأن قلّة من أبناء علما الشعب انخرطوا في جيش لحد، كما يروي مختارها جميل زعرب.

يعيش في علما الشعب شتاء 800 نسمة وصيفاً 1500 نسمة في ما يبلغ عدد سكانها 4 آلاف وهي موالية انتخابيا للرئيس نبيه برّي ولآل الحريري. أصيب في البلدة في حرب تمّوز 80 منزلا تضررت بشكل قوي أو متوسّط، «عوّض «حزب الله» ودفع للجميع وكذلك مجلس الجنوب، ولا يزال بعض الأشخاص ينتظرون قبض مستحقاتهم وكذلك دولة الكويت عوضت». يعتبر زعرب بأن التحرير «كان نعمة على الرغم من تراجع المستوى الاقتصادي، ويرى ان شعبية «حزب الله» قوية في المنطقة»، «إنهم يداروننا مداراة المدللين ولم يظهروا السلاح يوما لا قبل التحرير ولا بعده، هم لا يتدخّلون في شؤون لا تعنيهم بل على العكس يحافظون على البيئة ويمنعون قطع الأشجار إلا بإذن من المختار».

الناقورة

من علما الشعب الى الناقورة حيث القيادة المركزية لقوات الطوارئ الدّولية وآخر نقطة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة حيث مقرّ للأمم المتحدة وموقع للجيش اللبناني. تصطفّ على طول الحدود مجموعة من المحال التجارية القديمة منها والمستجدة والتي تحاول اكتساب زبائن من جنود «اليونيفيل»، إلا أن المهمّة تبدو صعبة بعض الشيء لأنّ هؤلاء يقصدون مدينة صور حيث تمكث عائلات الضباط منهم وحيث الأسعار أرخص من الناقورة. «الحركة التجارية عادية جدّا هنا، «تحت معَظْمينا كتير» يقول علي عواضة صاحب محل للثياب، مضيفاً: «صور أفضل منّا والزبائن هم انفسهم فرنسيون وإيطاليون وهم يناقشون في الأسعار أكثر من اللبنانيين ينزلون الى صور ويشترون بضاعة رخيصة ولا تهمّهم النوعية».

يقول عواضة إن ما يزعج أبناء الناقورة أن بعض هؤلاء يصوّرون منازل الناس ولا يحق لهم ذلك. افتتح على خطّ الحدود محلين جديدين للألبسة الى مطعم أضيف الى 5 مطاعم أخرى. وفي أحد محال النراجيل يقف محمّد السيد مشيراً الى مجموعة من القمصان والفناجين التذكارية المرسومة عليها شعارات «حزب الله»، «إنها مطلوبة بكثرة من الجنود وخصوصا الفرنسيين يشترونها تذكارات ويدفعون ثمن الكوب 5 دولارات في ما لا يكلفني أكثر من دولار واحد». يقول السيد الذي يعرف المنطقة منذ زمن بأن الحركة تراجعت عن السابق، «في السابق كان إيجار المحل 700 دولار، تراجع هذا المبلغ اليوم بشكل ملموس لأن الجنود لا يشترون». مدير مطعم «أنديغو» محمّد فقيه يروي بأن افتتاح المطعم منذ شهرين جاء لتلبية حاجات الأجانب، «الإقبال كثيف في أيام الأسبوع كلّها ولا نغلق حتى منتصف الليل والزبائن من الفرنسيين والإيطاليين والبولنديين».

صور: سهر ملتزم وغير ملتزم!

يعجّ شارع صور البحري بالمطاعم، فيما تبقى أماكن السهر خجولة. وباستثناء مطعم الإسكندر، حيث تعلو الموسيقى حتى ساعات الفجر الأولى، تبقى المطاعم كلاسيكية مع وجود ملموس للمطاعم الملتزمة دينياً.

في الماضي كان شارع «بو ديب» الأكثر شعبية فيما حلّ مكانه اليوم الشارع البحري المعروف بجادة الرئيس نبيه برّي.

أنعش تزايد أعداد قوات «اليونيفيل» مدينة صور، لكنّ الأسعار ارتفعت في شكل ملموس وخصوصا للشقق السكنية حيث يصعب إيجاد شقّة لاستئجارها لأن الضباط الكبار جلبوا معهم عائلاتهم وأسكنوهم في صور، يبلغ إيجار الشقة المتوسطة 500 دولار ويصل السعر الى 1500 دولار، حتى أسعار الغرف في الفنادق تضاعفت أسعارها فبينما كان سعر الغرفة في استراحة صور 75 دولاراً في الصيف الماضي بات اليوم 125 دولاراً.

الى جانب هذه الشوارع الأنيقة هناك شارع «السنغال» الشعبي الذي يرتاده شبان المخيمات الفلسطينية. يقول ابراهيم شرف الدين مدير مطعم «شواطينا» التابع لمؤسسات الإمام موسى الصّدر بأن نسبة ارتياد المطاعم «خفّت كثيرا بعد الأزمة السياسية الحادة في البلد وامتنع كثر من سكان بيروت من ارتياد صور للسهر وخصوصا المسيحيين منهم». افتتح في الشارع البحري 5 مطاعم جديدة أكثرها شعبية مطعم «اسكندر» لصاحبه حسان لحّاف من بلدة انصار الجنوبية، وهو مغترب عاد الى لبنان منذ عامين وافتتح هذا المطعم الذي بات يرتاده اليوم جنود وضباط وعاملون في جمعيات اهلية، وهو شجّع أهالي المنطقة على السهر «صور هي سيدة المتوسّط ويجب أن تبقى كذلك»، يقول لحّاف مؤكدا بأن «عمله يلاقي صعوبات إذا ترفض الكثير من ماركات الأغذية والبوظة العالمية إمداده بالبضائع» ولا يتردد في القول بأن «السبب سياسي كي لا تنتعش المنطقة».

يضيف: «تركت الغربة لأستقر في بلدي. لم أكن اسأل عن الطوائف، اليوم انا مرغم على ذلك بسبب جوّ البلد لكنني مصر على الاستمرار في عملي لتنتعش صور مجدّدا».

تبدو مدينة صور في حالة انتعاش لم تشهدها من قبل بسبب تزايد عديد القوات الدولية. ارتفع ايجار الشقق فيها وفي محيطها الى الف دولار في الشهر وأكثر بسبب الطلب المتزايد من موظفي اليونيفيل الاجانب على السكن في المنطقة.

في صور بلدية ناشطة يرأسها ابو ظافر الحسيني الذي يطلق عليه الاهالي لقب«الخال». هو حركة لا تهدأ ليل نهار. تحولت صور الى مدينة سياحية من الدرجة الاولى، او هي استعادت كثيرا من بريقها السابق قبل الحرب الاهلية. يعترف الكثيرون في صور ان الرئيس نبيه بري اعطى الكثير من اهتمامه للمدينة ووفر لها الكثير من الاموال التي اخرجتها من حالتها السابقة والمزرية.

تعرضت صور خلال حرب تموز لضربات عدة لكن نسبة الدمار فيها تكاد لا تقاس بما اصاب بنت جبيل والقرى الاخرى. هي خرجت بسرعة من تحت الركام. قلّ ما تلحظ فيها اليوم صورة الحرب.

جوّ من الرّقص والفرح يغمر الساهرين في «اسكندر»، وجلّهم من اللبنانيين والصوريين الذين شجّعهم تواجد قوات «اليونيفيل» على ارتياد المطاعم والمراقص فباتوا يفوقونهم عددا على ما يروي حسّان لحّاف ضاحكا!!!

تعليقات: