عقبات لا تعد ولا تحصى لتأمين مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء.. العتمة باقية
عقبات لا تعد ولا تحصى، ستتعثر بها كل من وزارة الطاقة والمعنيين بتنفيذ خطة استجرار الغاز المصري عبر خط الغاز العربي، الذي يمر بسوريا والأردن، بهدف زيادة ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية.
لنضع جانباً الأمور السياسية والأمنية، لضمان سلامة مرور الغاز عبر الأنابيب السورية المهددة، ماذا عن التكاليف التقنية- المالية لتنفيذ هذا المشروع؟
العراق قبِل مبدأ المقايضة والدفع بـ"اللولار" اللبناني لتسديد تكاليف إرسال الفيول، ولكن هل ستفعلها مصر والأردن وسوريا لتأمين تصدير الغاز ونقله؟ ومن أين ستؤمن وزارة الطاقة والحكومة مجتمعة الدولارات، في ظل جفاف مصرف لبنان من العملة الصعبة؟
الفيول العراقي غير كاف
سرعان ما تبين أن الفيول العراقي لن يكفي وحده لتخفيف حدة أزمة الكهرباء في لبنان (راجع "المدن")، فحسب مصدر في شركة "كهرباء لبنان" تبين أن "المرحلة الأولى والمتمثّلة باستبدال 84 ألف طنّ من الفيول العراقيّ بـ30 ألف طنّ من الفيول "grade B"، و33 ألف طنّ من "الغاز أويل"، لن تؤمّن إلا 54.5% من حاجة مؤسّسة كهرباء لبنان الشهريّة لإنتاج 800 ميغاوات، ما يعني أن ساعات التغذية الضئيلة التي ستؤمن من الفيول العراقي لن يلتمسها المواطن اللبناني حتى في يومه".
وأضاف المصدر "إن المؤسسة تحتاج لإنتاج الكمية عينها من الطاقة التي أنتجت في السنوات السابقة إلى 3 ملايين طن من الفيول أويل والغاز أويل. وتشكّل الكمية الآتية من العراق إلى لبنان ما يقارب الـ25% فقط من حاجة لبنان".
عوائق تقنية ومالية لاستجرار الغاز
وهنا تبرز أهمية نجاح خطة استجرار الغاز لزيادة ساعات التغذية الكهربائية، والتي تحتاج إلى خطة تمويلية، إضافة لتفاصيل تقنية متشعبة، يشرحها الخبير في قوانين وسياسات الطاقة، المحامي علي برّو في حديث إلى "المدن"، موضحاً أن "معمل دير عمار يحتاج لتشغيله 500 مليون متر مكعب غاز سنوياً، إذ إنه مؤهل لاستجرار الغاز، بينما لا توجد قدرة على إضاءة معمل الزهراني، فلا أنبوب يصل إلى هناك".
ويتابع برو بشرح التفاصيل التقنية، مشيراً إلى أن "هناك أعمال صيانة وحماية كيميائية للأنابيب، منعاً من التآكل يجب أن تتم من الجانبين الأردني والسوري لإجراء اختبارات، قبل البدء باستجرار الغاز، مفضلاً وضع أنابيب في الأردن بدلاً من الموجودة في سوريا، خصوصاً بعد الهجمات الإرهابية عليها منذ عدة أيام، إذ لا تقارير تقنية واضحة حتى الآن حول هذا الأنبوب".
وعن الجانب المالي، أوضح برّو: "في السابق كان هناك دعم سنوي بملياري دولار للطاقة، والآن لا يوجد دولار واحد. اليوم هناك استحقاقات أساسية بالدولار يجب دفعها، تتمثل بكلفة بتشغيل المعامل وصيانتها. وهناك شركات صيانة تهدد بنسف العقد مع "كهرباء لبنان" والتوقف عن العمل، فضلاً عن مستحقات البواخر".
وعن مصدر تمويل عقد استجرار الغاز، أشار إلى أن "المصدر غير معروف حتى الآن. إذ لا موازنة، وغير واضح إذا كانوا سيلجؤون للاحتياطات الإلزامية. أما لجهة مصر، فرسوم العبور ستكون بالدولار وقد يكون "البنك الدولي" جزءاً ومصدراً لهذا التمويل، لأن لبنان لا يمتلك العملة الصعبة. وحتى الآن لا يبدو أن هناك تسهيلات مالية من الجانب المصري، كما فعل العراق".
مستحقات غير مدفوعة
وفي سياق آخر متصل بمعضلة الكهرباء، ينتهي بعد أسبوع العقد الموقّع مع شركة "كارادينيز"، ما يشير إلى أن مغادرة الباخرتين "فاطمة غول" و"أورهان بيه" الشاطئ اللبناني بعد توقف معامل إنتاجها باتت وشيكة، خصوصاً أن مستحقات الشركة التركية تجاوزت الـ200 مليون دولار ولم تدفع بعد.
وفيما يخص معمليّ الذوق والجية، فما زالا متوقفين. وحسب الشركة المشغلة لهما، فهما بحاجة إلى صيانة وتأمين قطع غيار وزيوت. وكان مصرف لبنان يرفض تأمين الـ "fresh dollars" لتحالف شركات MEP/OEG/ARKAY، فيما انخفضت القدرة الإنتاجية في معملي الزهراني ودير عمار حتى حدودها الدنيا، وتشغلهما شركة "Prime south"، للسبب ذاته.
وقد أظهرت المشاورات مع هاتين الشركتين، أنّ الأولى كانت تصرّ على حاجتها إلى خمسة ملايين دولار لإعادة تشغيل معمليّ الذوق والجية، وذلك لتأمين الزيوت وقطع الغيار والصيانة، فيما كانت الثانية تطالب بداية العام بنحو 60 مليون دولار.
هذه العقبات المالية ومستحقات الشركات، تحدث عنها مدير الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون إلى "المدن"، مشيراً إلى أن "كهرباء لبنان لا تمتلك أي مصادر مالية باستثناء السلفة من خزينة الدولة، ومصرف لبنان صرح مراراً وتكراراً بجفاف العملة الصعبة، فمن أين سيأتون بالدولار لاستجرار الغاز؟ خصوصاً أن هناك اتجاهاً عاماً بتحرير سعر الصرف والذهاب للسوق الموازية، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في سعر الصرف".
أكثر من أربعين مليار دولار، تكلفت الخزينة اللبنانية على مدى سنوات لمعالجة أزمة الكهرباء. وبهذا المبلغ الضخم كان يمكن بناء معامل إنتاج على الطاقة النظيفة ليصبح لبنان بلداً مصدراً للطاقة الكهربائية بدلاً من استيرادها. وبعد تصريحات حاكم مصرف لبنان بنفاد العملة الصعبة نهائياً، لا بد من تولي الجهات المانحة، مثل "البنك الدولي" تمويل خطة استجرار الغاز المطروحة. فهل ستستطيع الحكومة استقطاب هذه الجهات ونيل ثقتها وتنفيذ شروطها القاسية؟
تعليقات: