على الرغم من استئناف التمويل الأميركي لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، بعد حملة تضييق قادتها إدارة دونالد ترامب ضدّ الوكالة، إلّا أن تجديد الدعم هذا لم يأتِ إلّا بعد توقيع اتفاق إطار بين «الأونروا» وواشنطن، يستبطن الكثير من الفلاتر التي من شأنها تضييق دائرة المستفيدين من الخدمات الأممية بما يلائم المعايير الأميركية. والمعايير هذه، المغلّفة بلبوس «الحياد»، يعني الالتزام بها، عملياً، حجْب المعونة عن كلّ من تسوّل له نفسه المجاهرة بدعم المقاومة، أو حتى التضامن مع قضايا القدس والأسرى، ولو عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، في تصعيد ممنهج ورسمي لسياسات بدأت الوكالة الأخذ بها منذ سنوات، تحت شعار «محاربة الكراهية ومعاداة السامية». هكذا، ستصبح «الأونروا» وكيلاً أمنياً للولايات المتحدة، مهمّته الأولى تعقّب الفلسطينيين والتجسّس عليهم بهدف التقرير مَن منهم يستحقّ «كرت التموين»، في ما يمثّل، بصورة أو بأخرى، امتداداً للسياسات الأميركية والإسرائيلية القائمة على استغلال الوكالة واستعمالها كأداة للضغط على الفلسطينيين، وإنْ مع تباين في ما يمكن تحقيقه عبرها، عاد ليظهر بعد توقيع الاتفاق الأخير، والذي عدّته إسرائيل «خطأ» جديداً يضاف إلى سلسلة «أخطاء تاريخية» مرتبطة بـ«الأونروا»، بينما أعلنت الفصائل الفلسطينية رفضها لها، مؤكدة أنها ستسخّر كلّ إمكاناته لإفشاله
«الأونروا» وكيلاً للاحتلال: الغذاء مقابل نبذ المقاومة
رجب المدهون
لم تكن عودة الإدارة الأميركية إلى دعم «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» بعد انقطاع دام أكثر من ثلاث سنوات، غير مشروطة؛ إذ وقّع الطرفان، قبل فترة قصيرة، اتّفاق إطار يتيح لواشنطن التدخّل في إدارة الوكالة وعملها بدعوى ضمان «حيادها»، وهو ما يعني سيطرة أميركية ناعمة على المساعدات والخدمات التي تُقدَّم للاجئين، ومعاقبة أولئك الذين يعملون لمصلحة المقاومة أو يُنظَر إليهم على أنهم على علاقة بها. وكانت الولايات المتحدة أعلنت، مع نهاية نيسان الماضي، استئناف تمويل «الأونروا» بشكل جزئي بمبلغ قدره 150 مليون دولار، وبعد قرابة أربعة أشهر أعلنت عن تبرّع إضافي بقيمة 135 مليون دولار، إلّا أن المبلغ الأخير لم يُمرَّر إلّا بعد اتفاق بين الطرفين يقضي بالتزام الوكالة بـ«المبادئ الإنسانية للأمم المتحدة وعلى رأسها الحياد»، ومراقبة مدى تطبيق هذا الالتزام في الخدمات والمستفيدين والموظفين، بالإضافة إلى بنود أخرى. وأثار الاتفاق المذكور حفيظة الفلسطينيين الذين رأوا أنه سيسمح بتدخّل الولايات المتحدة في عمل «الأونروا» التي يُفترض أنها تتمتّع بحرية في اختيار أنشطتها وعملها الذي يخدم اللاجئين في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة والإعمار. ومع أن الدعم الأميركي خفّف، بالفعل، من حجم الضائقة المالية التي عانتها الوكالة بفعل سياسة التضييق التي انتهجها بحقها الرئيس السابق دونالد ترامب، ضمن سياق العمل على تصفيتها وإنهاء عملها، إلّا أن الفصائل الفلسطينية تؤكّد رفضها الإطار المعمول به حالياً لأنه يكبّل «الأونروا»، ويمثّل مقدّمة لحرمان فئات كبيرة من اللاجئين من الخدمات، على رغم طمأنة الوكالة، الفلسطينيين، إلى أنّه لا تغيير جوهرياً في عملها، وأن ما اتّفقت عليه مع الأميركيين يُعدّ آلية تقليدية يتّبعها المانحون لتحديد الأولويات المشتركة والبرامج التي يرغبون في تمويلها. وعانت «الأونروا»، خلال الأشهر الماضية، أزمة خانقة بفعل تراجع الدعم المقدَّم لها، وخاصة من الولايات المتحدة التي تُعدّ الداعم الأكبر، وهو ما أدّى إلى تقليص السلة الغذائية المخصّصة للفقراء، بالإضافة إلى تقليص رواتب الموظفين وإنهاء عقود عدد منهم، وتجميد عدد من الأنشطة والخدمات.
تتضمّن وثيقة اتفاق الإطار تعهّداً من «الأونروا» بسلسلة التزامات سياسية لعامَي 2021 و2022
وتتضمّن وثيقة اتفاق الإطار، بحسب النسخة التي نشرتها الفصائل الفلسطينية، تعهّداً من «الأونروا» بسلسلة التزامات سياسية لعامَي 2021 و2022، مقابل تأكيد الولايات المتحدة أنها لن تقدّم أيّ إسهامات للوكالة إلّا إذا اتّخذت الأخيرة جميع التدابير الممكنة «لضمان عدم وصول أيّ جزء من هذه المساهمة إلى أيّ لاجئ يمارس أعمالاً عدائية». وبحسب الوثيقة، «تلتزم الأونروا بالإبلاغ عن أيّ انتهاكات جسيمة للحياد في الوقت المناسب، ومعالجة أيّ انتهاكات من هذا القبيل، وتحسين قدرة الوكالة على مراجعة الكتب المدرسية المحلية والمواد التعليمية لضمان الجودة (...) واتخاذ التدابير (اللازمة) لمعالجة أيّ محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية». ويتناول الاتفاق، أيضاً، طبيعة الدورات التدريبية التي يُفترض أن تُعطى للموظفين على أساس «الحياد»، كما ويلزم «الأونروا» بالإفصاح عن المبالغ المالية التي تحصل عليها ولو كانت أقلّ من 30 ألف دولار، وتقديم تقارير دورية عن كيفية صرفها بما يضمن «الشفافية»، فضلاً عن إجراء عمليات الفحص والتدقيق لموظفيها والمنتفعين من خدماتها والمتعاقَد معهم والمورّدين والمانحين من غير الدول كلّ 6 أشهر، بما يشمل حتى منشورات موظّفي الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من التزامهم «الحياد». وسيكون على «الأونروا»، كذلك، أن ترفع تقاريرها بشكل دوري إلى الولايات المتحدة، أي أنها ستكون، بشكل أو بآخر، الوكيل الأمني الذي يراقب ويرصد ويصنّف أصحاب الحق في تلقّي خدمات الوكالة وأولئك المخلّين بمبدأ «الحيادية»، فضلاً عن تزويد الإدارة الأميركية بتلك الأسماء وإبلاغها بالعقوبات المتّخذة بحق أصحابها. وستُلزَم «الأونروا»، إلى جانب ما تَقدّم، بتفتيش مراكزها في مناطق عملها كافة لأربع مرّات في السنة بدلاً من مرّتَين.
في المحصّلة، ستؤدّي تلك الإجراءات إلى حصر اللاجئين الفلسطينيين في أولئك الذين تنطبق عليهم المعايير الأميركية، الأمر الذي يشكّل امتداداً لخطّة ترامب التي حاولت إعادة تعريف اللاجئين المستحقّين لخدمات «الأونروا»، بل على نحو ربّما يكون أسوأ هذه المرّة، بدعوى إحداث إصلاحات داخل «الأونروا»، بحسب ما يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فيما يبيّن المتحدّث باسم الخارجية نيد برايس، أنه «تمّ تخصيص المساعدات بما يتّسق تماماً مع القانون الأميركي، بعد الحصول على ضمانات سارية بعدم وقوع الأموال في أيدي المسلحين، ولا سيما في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس». ويعتبر المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني، من جهته، أن «توقيع إطار عمل الولايات المتحدة والأونروا يوضح مرّة أخرى أن لدينا شريكاً مستمرّاً في الولايات المتحدة يتفهّم الحاجة إلى تقديم مساعدة حرجة لبعض اللاجئين الأشدّ عرضة للمخاطر». ولعلّ الأخطر في الاتفاق المذكور، أنه سيؤدّي إلى قطع المساعدات عن الفلسطينيين الذين ينتمون إلى الفصائل، وهو ما يعني أن نسبة غير بسيطة من اللاجئين وعائلاتهم ستُحرم من المساعدات على خلفية انتمائها السياسي، وخاصة في قطاع غزة الذي تنتمي أعداد كبيرة من اللاجئين فيه إلى الفصائل. ومن هنا، أثار الاتفاق غضب الفصائل التي نظّمت عدداً من الفعّاليات الرافضة له، باعتباره «محطّة أميركية جديدة من محطّات التآمر للنيل من القضية الفلسطينية والقضاء على الأونروا»، بحسب ما أكدت حركة «حماس»، مُعلِنةً «تسخير كلّ الإمكانات والمقدّرات لإنجاح الخطوات العملية لصدّه وإنهائه، جنباً إلى جنب مع كلّ قوى الوطن». وسلّمت «لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية»، بدورها، رسالة إلى لازاريني دعت فيها إلى التزام «الأونروا» بالقرار المنشِئ لها الرقم «302» لعام 1949، و«تجنّب أيّ مساس بهذا الدور بما يشكّل مدخلاً لإلغاء تفويضها»، مطالِبة بـ«توضيح مكتوب من رئاسة الوكالة حول هذه الوثائق وحيثيات توقيعها».
موظّفون تحت التهديد: الانسلاخ عن فلسطين أو الفصل
يوسف فارس
موظّفون تحت التهديد: الانسلاخ عن فلسطين أو الفصل
تَفرض الوكالة على الموظفين الاستقالة الطوعية في حال تَبيّن أنهم فاعلون في أيٍّ من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة (من الويب)
كأنه لم يكن ينقص موظّفي «الأونروا» في غزة سوى أن يدقّ مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد آران، مسماراً جديداً في نعش أمانهم الوظيفي، باتّهامهم بالتحريض على الكراهية ومعاداة السامية، بل وبتقديم لائحة بأسماء عدد منهم، والمطالبة بطردهم نهائياً من العمل. «مِن قَبل الوحام مريضة»؛ بهذا المثل الشعبي يعلّق محمد إبراهيم (اسم مستعار) الذي يعمل معلّماً للمرحلة الإعدادية في مدارس الوكالة، على تصريحات آران، لافتاً إلى أن «الأونروا» شرعت منذ سنوات في ممارسة أعلى مستويات الإرهاب النفسي تجاه موظّفيها، وأعدمت هامش حرية الرأي والتعبير لديهم، بل وحرمتهم من المجاهرة بالانتماء السياسي إلى أيّ من الأحزاب الوطنية، وحتى التفاعل الإيجابي مع قضايا مجتمعهم. ويضيف إبراهيم، في حديثه إلى «الأخبار»: «يطبّق مدراء الأونروا العرب تعليمات مسؤوليهم بإخلاص غير مفهوم، يراقبون سلوكنا الثقافي والسياسي بأمانة، ويلوّحون دائماً بإمكانية التبليغ عنا عند كلّ تجاوز لحماية أنفسهم، ثمّ يجبرون الموظف على التوقيع على مجموعة تعهّدات، يتقيّد بموجبها بجملة بنود فضفاضة، يمكن تفسيرها من وجهة نظر المسؤولين وفق الموقف أو المخالفة التي يرونها تستحقّ العقوبة». يكمل مدرّس المواد الاجتماعية: «معنى كلامي، أنّنا نوقّع على عدم التحريض على العنف والكراهية، ومن الممكن أن تُدان بهذا البند وتُفصل من وظيفتك، فقط لأنك قدّمت موقفاً وطنياً تدعم فيه المقاومة أو تعبّر عن مناصرتك لقضية مثل الأسرى أو القدس».
هذه الإجراءات انعكست خوفاً هائلاً يعيشه موظّفو الوكالة، بعد أن أصبحوا عرضة للطرد والفصل الوظيفي لمجرّد منشور أو مشاركة لمنشور على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى بسبب تعليقات تخالف هوى «الأونروا» من بعض أصدقائهم على منشوراتهم. دفع ذلك بالموظفين إلى إلغاء حساباتهم الرسمية، وإنشاء حسابات بأسماء مستعارة، يعرّفون بها أصدقاءهم وأقرباءهم من الدرجة الأولى، أمّا الخيار الآخر، فأن يُبقوا حساباتهم خاملة، بلا أيّ تفاعل مع الأحداث الوطنية أو المجتمعية. هذا في الفضاء الافتراضي، أمّا في الواقع، فإن الموظفين يحاذرون ممارسة أيّ نشاط حزبي أو وطني داخل المؤسسات الرسمية، بل ويحرصون على أن لا يكونوا جزءاً من مشكلة عائلية في مكان سكنهم، لأن أيّ شكوى ستُقدَّم لمدير متنفّذ في الوكالة قد تكون كفيلة بفصل الموظف، من دون التثبّت من تفاصيلها. وهنا، يروي عاصم أحمد، الذي يعمل نائب مدير مدرسة إعدادية تابعة لـ«الأونروا»، أن أحد الموظّفين العاملين معه أُوقف عن عمله بعد شكوى تقدّم بها أحد جيرانه إلى مدير المنطقة التعليمية، من دون أن تُشكّل للنظر بها لجنة تحقيق. ويتساءل أحمد عن السبب الذي يدفع الوكالة إلى ممارسة دور الحاكم والجلّاد تجاه موظفيها، وما إن كان لها الحق أصلاً في أن تحاسب موظّفاً على مشكلة عائلية حدثت في حيّه؟! يتابع نائب المدير الذي أمضى أكثر من 18 عاماً في وظيفته: «للأسف، تتحيّن الأونروا أيّ فرصة لعقاب الموظف ومحاسبته، وفي السنوات الأخيرة، تضاعفت الإجراءات العقابية وتدنّى هامش الحريات، وأصبحت وظيفة الوكالة التي كنّا نُحسد عليها في مجتمعنا بسبب راتبها الجيد، أسوأ الوظائف على الإطلاق».
أصبح الموظّفون عرضة للطرد والفصل الوظيفي لمجرّد منشور أو مشاركة لمنشور على صفحاتهم
غير أن كلّ ما سبق ليس إلّا جزءاً من الممارسات التي يتعرّض لها الموظفون؛ إذ في حال تَبيّن أنهم فاعلون في أيٍّ من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، تَفرض الوكالة عليهم الاستقالة الطوعية كي يستطيعوا الحصول على مدّخراتهم الوظيفية، وهو خيارٌ لا مفرّ من القبول به، بالنظر إلى أن البديل منه هو «الخروج من المولد بلا حمص»، مثلما يقول أبو أحمد، وهو معلّم لمادة التربية الإسلامية، وصلت وشاية إلى رئاسة «الأونروا» بنشاطه في أحد فصائل المقاومة. يقول أبو أحمد لـ«الأخبار: «لم يضعوا أمامي خياراً آخر، الاستقالة فقط، لكي تستفيد من مدّخراتك، أو الطرد من دون أيّ حقوق، ولديهم المسوّغ القانوني الذي بموجبه سأُحرم من كلّ حقوقي». يتابع الرجل الذي خدم 21 عاماً في الوكالة: «أدركنا جميعاً منذ استشهاد زميلنا عوض القيق الذي كان يعمل مدير مدرسة، وقضى في عملية اغتيال عام 2008، ورفضت رئاسة الوكالة صرف مدّخراته الوظيفية لعائلته، لأنه تَبيّن لها بعد استشهاده أنه قائد بارز في وحدة التصنيع العسكري في إحدى فصائل المقاومة، أدركنا منذ ذلك الحدث أن الوكالة تتّجه إلى قرارات أكثر صرامة تجاه القضايا الوطنية».
وبالعودة إلى الشكوى الإسرائيلية في الأمم المتحدة، والتي استندت إلى تقرير قدّمته «منظّمة مراقبة الأمم المتحدة» زعمت فيه أن بعض الموظفين انتهكوا السياسات العامة لـ«الأونروا»، لا سيما المتعلّقة بنشر الكراهية ومعاداة السامية، يوضح علي هويدي، وهو مدير «الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين»، أن التقارير التي تنشرها المنظّمة المذكورة تحتوي على مغالطات، وهي تسعى إلى اقتناص أيّ كلمة قد تتضمّن مخالفة لمبادئ «الأونروا»، وتستغلّها لصناعة رأي عام دولي منفّر حول الوكالة، وصولاً إلى تقليص عملها، ثمّ تقويضها لإنهاء قضية اللاجئين. ويضيف هويدي، في تصريحات صحافية، أنه «بعد متابعة قائمة أسماء الموظفين التي قدّمتها المنظمة وطالبت بإقالتهم، تَبيّن أن عشرة منهم هم فعلاً من العاملين في مؤسّسات الأونروا، وبقيّتهم ليست لهم علاقة بها، وهو الأمر الذي يثبت عدم مصداقية تلك المنظمة». وعلى رغم أن الوكالة أصدرت تقريراً ردّت فيه على تلك المزاعم، لافتةً إلى أن للمنظّمة المشار إليها «تاريخاً طويلاً من تعويم مزاعم عارية عن الصحة، وتُحرّكها أهداف سياسية»، إلا أن البيان ذاته استدرك على نحو أظهر أن الوكالة ستنحني للريح، إذ تعهّدت بأنها «لن تتسامح مع خطاب الكراهية وتأخذ كلّ ادّعاء على محمل الجدّ، وأنها فتحت تحقيقاً في صدقية المعلومات التي تضمّنها التقرير».
زعَل إسرائيلي من واشنطن: تجديد التمويل «خطيئة»
يحيى دبوق
لا تُخفي تل أبيب معارضتها، بل وعداءها، لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)؛ إذ إنها ترى فيها تهديداً للمشروع الصهيوني ووليدته إسرائيل، عبر إدامة الهوية الفلسطينية، داخل فلسطين وخارجها. ومن هنا، سعى الكيان العبري، منذ تأسيس الوكالة، إلى توقيت انتدابها وتقليص صلاحياتها وحرف مهامّها، بما يخدم إنهاء القضية الفلسطينية. لكنّ الظروف كانت غير مؤاتية لإسرائيل لفرض إرادتها تلك على الوكالة حين تشكيلها، كما على الدول الداعمة لها، وفي المقدّمة منها الولايات المتحدة، التي تدعم «الأونروا» تقليدياً بما يزيد عن ثلث موازنتها العامّة السنوية، وهو ما ترى فيه واشنطن توجّهاً حيوياً يتيح لها السيطرة على الوكالة بما يخدم سياساتها تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، ويمنع الآخرين من تثقيل حضورهم ونفوذهم فيها، على حساب النفوذ الأميركي.
وتنظر إسرائيل إلى «الأونروا» على أنها منظّمة أممية تأسّست بقرار خاطئ على خلفية خاطئة، واستمرّت في مراكمة أخطائها حتى بعد سبعين عاماً على إنشائها، الأمر الذي أسهم، بحسب ادّعاءات تل أبيب، في إدامة الصراع مع الفلسطينيين، وتعزيز «الإرهاب»، وتشكيل خطر دائم على الدولة العبرية، سواءً داخل فلسطين المحتلة أو في خارجها. وفي مرحلة التسوية والعملية السياسية التي بدأت مع «اتفاق أوسلو» عام 1993، شكّلت الوكالة، وفق الرواية الإسرائيلية، عقبة في طريق «السلام» مع الفلسطينيين. وعلى هذه الخلفية، جاء الترحيب الإسرائيلي بقرار الإدارة الأميركية السابقة عام 2018، قطع التمويل عن «الأونروا»، مع الأمل بإمكان إنهاء وجودها. وعلى الخلفية نفسها أيضاً، جاء الأسف لاستئناف الإدارة الحالية عملية التمويل، والذي عُدّ «قراراً خاطئاً». وكانت تل أبيب تأمل، من خلال وقف التمويل عام 2018، إيقاف نشاط «الأونروا» أو تقليصه إلى حدّ تحوّلها إلى مجرّد شعار، مع إجراءات رمزية تدفع الفلسطينيين في الداخل والشتات إلى البحث عن بدائل لها، وتضطّر الدول المضيفة للاجئين إلى تولّي تقديم الخدمات الأساسية لهم بشكل مباشر، بالاستفادة من مساعدة دولية لتلك الدول في مرحلة انتقالية، بما يمهّد لاحقاً لتوطين الفلسطينيين، وإنهاء هويتهم الفلسطينية في الدول المضيفة.
وترى إسرائيل أن الخطأ الأوّل المرتبط بالوكالة، هو في تأسيسها عبر نزع صلاحيات «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، وتحويلها إلى وكالة فرعية مستقلّة للفلسطينيين سُمّيت «الأونروا»، الأمر الذي كان من شأنه إبراز قضية هؤلاء بشكل دائم، في وقت تريد فيه تل أبيب طمسها. أمّا الخطأ الثاني فهو أن انتدابها، الذي بدأ مؤقّتاً وكان يُفترض أن ينتهي خلال سنوات قليلة، بات دائماً ويتجدّد تلقائياً كلّ ثلاث سنوات، بعدما تسبّبت الوكالة، بحسب الرواية الإسرائيلية، في مضاعفة عدد اللاجئين الفلسطينيين من 700 ألف في عام 1948، إلى ما بات يقرب من ستة ملايين لاجئ حالياً، كونها تُصنّف ابن اللاجئ الفلسطيني لاجئاً أيضاً، بينما عليها أن تبقي الصفة فقط على من «غادر» فلسطين المحتلة، دون أولاده وأحفاده. والمفارقة، أن نفس إسرائيل هذه، تقرّ لأيّ يهودي في العالم «غادر» أجداد أجداده منذ آلاف السنين فلسطين المحتلة، بحسب الرواية المعهودة، أن يعود إليها، على رغم أنه ليس اللاجئ الأصلي الذي «غادرها».
انطلاقاً من تلك السردية الإسرائيلية، يبرز تباين في الموقف من «الأونروا» بين كلّ من واشنطن وتل أبيب، من دون أن يعني ذلك إمكانية الإضرار بالأخيرة، إذ تنظر الولايات المتحدة إلى الوكالة من منظور المصلحة المشخَّصة في الإقليم بمركّباته وتعقيداته، وفقاً للسياسات والأهداف الأميركية الكبرى في المنطقة، الأمر الذي يفسّر تمسّك الإدارات الأميركية المتعاقبة ببقاء «الأونروا»، على رغم التحفّظ الإسرائيلي. أمّا قطع التمويل عنها في عهد إدارة دونالد ترامب السابقة، فجاء نتيجة تغليب نظرة طموحة ومتطرّفة في شأن إمكانية إنهاء القضية الفلسطينية، عبر الدفع في اتّجاه تطبيع العلاقات مع الدول العربية بمعزل عن الفلسطينيين أنفسهم. وطالما أنه ثَبُت فشل هذه الرؤية، فكان لزاماً على الإدارة الجديدة العودة إلى تموضع ما قبل سياسات ترامب، مع التمسّك بما يُعدّ إنجازاً حَقّقه الأخير، كما هو حال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فيما تبْقى «الأونروا» أداة تمكين وضغط أميركيَّيْن في الملعب الفلسطيني. باختصار، تُمثّل الوكالة أداة، سواءً من ناحية واشنطن أو من ناحية تل أبيب، مع تباين في ما يمكن التوصّل إليه عبرها. وإذ عمدت الإدارة السابقة إلى استغلالها للضغط على الفلسطينيين وفرض الإرادة الإسرائيلية عليهم وفشلت، فإن الإدارة الحالية لم تجد بدّاً من استرداد تلك الأداة، ومعاودة العمل على تحقيق المهمّة المرسومة لها، وفقاً للسياسات الأميركية الموضوعة للوكالة، وفي ذلك حديث آخر يطول
«لعبة» الأزمات المالية: اللاجئون رهينة الابتزاز
رجب المدهون
تُواصل الأزمة المالية التي تعصف بـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) تأثيرها على حياة اللاجئين الفلسطينيين وظروفهم، بعدما تمّ الدفع إليها دفعاً، من قِبَل الدول الكبرى في الأمم المتحدة، لتكون أداة ابتزاز تمارَس عبرها الضغوط السياسية على الفلسطينيين. وتعاني الوكالة من عجز مالي كبير يزيد عن 55% من إجمالي موازنات الطوارئ، التي تُقدّر بـ713 مليون دولار، كما تواجه ميزانيّتها الاعتيادية عجزاً مالياً يُقدّر بـ100 مليون دولار، بحسب ما تفيد به دائرة شؤون اللاجئين في «منظّمة التحرير الفلسطينية»، لافتةً إلى أن هذه الضائقة، إلى جانب جائحة «كورونا» وعوامل أخرى، أدّت إلى تدهور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيّمات. وفي مطلع عام 2021، ناشدت «الأونروا»، «المجتمع الدولي»، تأمين 1,5 مليار دولار لتمويل خدماتها الأساسية ونداءات الطوارئ والمشاريع ذات الأولوية، وهي المناشدة ذاتها التي تكرّرت حوالى 15 مرة خلال العقد الأخير، على رغم تأكيدات المتحدّث باسم الوكالة، سامي مشعشع، أن الأخيرة تريد الخروج من أزمة الاعتماد على التبرّعات السنوية غير الثابتة، والبحث عن حلول أخرى.
وتتّهم فصائل فلسطينية «الأونروا» بالتماهي مع الرغبة الإسرائيلية والأميركية في إنهاء قضية اللاجئين التي تُعدّ الشاهد الرئيس على النكبة الفلسطينية عام 1948، تحت ذريعة الأزمة المالية ونقص التمويل. وفي هذا الإطار، يعتبر رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة «حماس»، محمد المدهون، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأزمة المالية لـ«الأونروا»، «مفتعلة من الأساس»، مضيفاً أنه «كان ينبغي توفير ميزانيّتها السنوية والإنفاق عليها من الأمم المتحدة مباشرة، أسوة ببقية المؤسّسات الأممية، وليس رهنها بالتبرّعات المالية غير الإلزامية من الدول الأعضاء». ويرى المدهون أن المساعدات الأميركية والأوروبية للوكالة جعلت منها «رهينة للابتزاز» أمام اشتراطاتهم، ورؤيتهم، وطريقة تعاطيهم مع القضية الفلسطينية، مستشهداً بما فعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عندما أوقف بشكل كامل تمويل بلاده لـ«الأونروا»، وأدخلها في أزمة مالية كبيرة. ومن هذا المنطلق، أعاد المدهون التشديد على ضرورة أن يصبح تمويل الوكالة مباشراً من الأمم المتحدة، وليس عبر التبرّعات الاختيارية، عادّاً الالتزام بتمويلها مسؤولية قانونية وأخلاقية، على اعتبار أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لم يستطيعوا تطبيق القرار الأممي رقم 194، والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها. ويقول: «إذا طبّقوا ذلك القرار فليحلّوا الأونروا، وحينها سيقوم الفلسطينيون بتقديم مساهمات مالية للأمم المتحدة لمساعدتها في إغاثة اللاجئين حول العالم».
تتّهم فصائل فلسطينية الوكالة بالتماهي مع الرغبة الإسرائيلية والأميركية في إنهاء قضية اللاجئين
كذلك، يعتبر رئيس دائرة شؤون اللاجئين في «حماس» الوكالة رهينة أيضاً لقضية «تجديد التفويض» من قِبَل الأمم المتحدة لثلاث سنوات فقط، إذ سيتكرّر «مشهد الابتزاز» في عام 2022. ومن هنا، يطالب بأن يكون التفويض قائماً «طالما لم تُحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين». أمّا بخصوص اتفاق الإطار بين الولايات المتحدة و«الأونروا»، فيعدّه بمثابة «تصفية متدرّجة» للوكالة، وليس على طريقة ترامب الذي أراد تصفيتها بـ«الضربة القاضية»، مشيراً إلى أن الاتفاق يتيح لواشنطن التفرّد بـ«الأونروا»، وجعلها رهينة الابتزاز على المستوى المعلوماتي والأمني والسياسي، كما يسمح لها بالتدخّل في كلّ تفاصيل عمليّاتها، وصولاً إلى إنهائها باعتبارها الشاهد الحيّ على قضية اللاجئين الفلسطينيين المتواصلة منذ 73 عاماً.
بدوره، يرى عضو اللجنة التنفيذية في «منظمة التحرير الفلسطينية» تيسير خالد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن الأزمة المالية لـ«الأونروا» أصبحت سياسة معتمدة من عدد من الأطراف الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة، بهدف التأثير في عمل الوكالة، وتوجيهه وتقليصه، وصولاً إلى حلّها وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، مطالباً بالكفّ عن استخدام تلك الأزمة كأداة ابتزاز للفلسطينيين. ويشدّد خالد على ضرورة إدراك الدول العربية لهذا المخطّط الذي «تمّت صياغته وفق المنظور الإسرائيلي - الأميركي، بهدف تصفية قضية اللاجئين التي تعدّ جوهر القضية الفلسطينية، والعمل على منع تمرير هذا المشروع المعادي للشعوب العربية»، داعياً إلى أن «تتحمّل الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، مسؤولية تمويل الأونروا وإبقائها شاهدة على القضية الفلسطينية»، مضيفاً أن «اللاجئ الفلسطيني يهمّه أن تبقى الوكالة باعتبارها مؤسّسة دولية شاهدة على الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحقّه في نكبة عام 1949».
خارطة عمل الوكالة
رجب المدهون
بعد 73 عاماً من نكبة الشعب الفلسطيني، باتت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا) جزءاً من الهوية الفلسطينية، والشاهد على واحد من أبرز وجوه الحق الفلسطيني، والمتمثّل في عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجّروا منها، علماً أن عدد هؤلاء يقارب 5.7 ملايين في مختلف دول العالم، من بينهم 1.4 مليون تحت رعاية «الأونروا» في 58 مخيّماً معترفاً به في غزة والضفة والقدس والدول العربية المحيطة. وعلى مدار العقود الماضية، أصبحت كلمات «أونروا» و«الوكالة» و«كرت التموين» و«المخيم» جزءاً من ثقافة الشعب الفلسطيني الذي بات يعتبر الوكالة كياناً يذكّره بالعودة إلى مدنه وقراه التي هُجّر منها عامَي 1948 و1967. ومن هنا، بات راسخاً لدى الفلسطينيين أن أيّ مشروعات تُطرح لإنهاء عمل «الأونروا» قبل حلّ القضية الفلسطينية، إنما تستهدف توطين اللاجئين في الدول التي يوجدون فيها، وهو ما تسعى إليه دولة الاحتلال للتخلّص من أهمّ ثوابت القضية الفلسطينية، والمتمثّل في حق العودة.
وإلى أن تُحلّ القضية الفلسطينية وينتهي الاحتلال، يتوجّب على «الأونروا» تقديم برامج التعليم لأكثر من 540 ألف طالب في 710 مدارس في مختلف مناطق عملها الخمس في سوريا ولبنان والأردن وغزة والضفة والقدس الشرقية، مع الإشارة إلى أن هذا العدد يزداد سنوياً، إضافة إلى تقديم الخدمات الصحّية للاجئين في عياداتها ـــ التي تُسجِّل 9 ملايين زيارة إليها سنوياً ـــ وتقديم مساعدات غذائية ونقدية لحوالى مليون و700 ألف لاجئ، وتشغيل 30 ألف فلسطيني. ويُعدّ قطاع غزة أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين، إذ إن حوالى 64% من مجمل سكّانه لاجئون. ويعيش في القطاع حوالى 1.9 مليون نسمة، منهم 1.4 مليون من فلسطين، يقطن 800 ألف من بينهم داخل المخيمات. وتصل نسبة الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين في مختلف مناطق وجودهم إلى 41%، لكنها في غزة فاقت 65% خلال عام 2021، مقارنة بما كانت عليه في عام 2017 (54.1%، مقابل 15.7% في الضفة). ويحتضن القطاع 8 مخيمات للاجئين، ويعمل في مرافق «الأونروا» القائمة فيه 13 ألف موظف، فيما ثمّة على أراضيه 275 مدرسة لأكثر من 272,000 طالب وطالبة، إضافة إلى 22 مركزاً صحياً، و16 مكتباً للإغاثة والخدمات الاجتماعية، و3 مكاتب للتمويل الصغير، و11 مركزاً لتوزيع المساعدات الغذائية لحوالى مليون مستفيد. أمّا في الضفة المحتلة، فهناك 19 مخيماً يتوزّع عليها 850 ألف لاجئ، و95 مدرسة ينتظم فيها 48 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى 43 مركزاً صحياً.
دولة «الأونروا»: أمننا أكبر من حكوماتكم
يوسف فارس
على رغم مرور قرابة عامين على واحدة من أكبر الأزمات الأمنية التي اندلعت بين «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) من جهة، والأجهزة الأمنية التابعة لحركة «حماس» من جهة أخرى، إلّا أن الحدث لا يزال غامضاً. ففي مساء الخامس عشر من كانون الثاني 2019، تخطّت سيارة من نوع «تويوتا لاند كروزر» حاجزاً أمنياً لـ«كتائب القسام» في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، واستطاعت الوصول بعد مطاردة صعبة إلى مقرّ «الأونروا» وسط مدينة غزة، قبل أن يحاصر المئات من عناصر «القسام» المقرّ طوال 24 ساعة، ويطالبوا القوّة الأمنية التابعة للوكالة بتسليم العناصر الثلاثة الذين كانوا يستقلّون السيارة، لإجراء تحقيق معهم. وأكدت المعلومات، التي نشرتها وسائل الإعلام حينها، أن الأشخاص الثلاثة المقصودين كانوا يحملون أسلحة أوتوماتيكية أميركية من طراز «M4»، وكانت سيّارتهم تتجوّل في مناطق أمنية شديدة الحساسية، ما دفع جنود «القسام» إلى إيقافهم للتثبّت من هويّاتهم.
الساعات التي فرضت فيها المقاومة طوقاً أمنياً على مقرّ «الأونروا»، كانت حبلى بضغوط مارستها وساطات إقليمية ودولية، تَمثّل أبرزها في تدخّل المفوّض العام للاتحاد الأوروبي، نيكولاي ميلادينوف، فضلاً عن رسالة بعثت بها السفارة الإيطالية إلى وزارة الداخلية في غزة، أخطرتها فيها بأن الأشخاص الثلاثة هم مواطنون إيطاليون كانوا يؤدّون مهمّة رسمية تتعلّق بتأمين المواقع التي من المقرّر أن يزورها السفير الإيطالي بعد أيام في القطاع. انتهى الحدث بتسوية شكلية قضت بدخول فريق أمني تابع للمقاومة، أجرى تحقيقاً مقتضباً وعاين المتعلّقات الشخصية التي كانت بحوزة المستهدَفين، قبل أن يُصار إلى إطلاق سراحهم. لكن الجدل ازداد، مذّاك، حول الحالة الأمنية التي تشكّلها «الأونروا» في غزة، خصوصاً بعد الاستجابة السريعة التي أظهرتها القوّة الأمنية الحامية للسيارة، في ما بدا معه وكأن الجسم الذي يحمي الوفود الأجنبية، هو ذاته الذي يقدّم الخدمات الأمنية لـ«الأونروا».
الوصول إلى داخل مقرّ رئاسة «الأونروا» لا يشعرك بأنك تزور مؤسّسة خدماتية تحمل طابعاً مدنياً
تقول مصادر في المقاومة، لـ«الأخبار»، إن الحادثة التي لم يجرِ التعامل معها وفق الأصول الأمنية، وجاءت بعد أيام من كشف قوة «سيرت متكال» الأمنية الإسرائيلية التي كانت تنفّذ مهمّة أمنية على الحدود الشرقية لمدينة خانيونس، عزّزت تقديراً تمتلكه المقاومة عن الحالة المريبة التي تحيط بعمل الوحدات الأمنية التابعة لـ«الأونروا». غير أن ثمّة جملة من الحسابات الحسّاسة التي تستلزم تعاطياً خاصاً مع الوكالة، وتساهلاً في مفاصل لا تقبل التساهل عادة، خصوصاً أن «الأونروا» تقوم بدور إغاثي لا يمكن الاستغناء عنه، ومن الممكن أن يتمّ استغلال أيّ تضييق قد تتعرّض له وحداتها، في تقليص خدماتها المقدَّمة للاجئين.
في داخل «الأونروا»
الوصول إلى داخل مقرّ رئاسة «الأونروا» لا يشعرك بأنك تزور مؤسّسة خدماتية تحمل طابعاً مدنياً؛ فالمرور إلى داخل المقرّ يسبقه تفتيش إلكتروني تضطرّ معه إلى خلع ما ترتديه من قطع معدنية، وما تحمله من عملات، ثمّ وفق بروتوكول دقيق، تُقدِّم المهمة القادم لأجلها، قبل أن يعطيك موظّف الأمن خارطة طريق إلى داخل المكاتب التي تودّ زيارتها. يمكنك أن ترى، وأنت في داخل المقرّ الممتدّ الشاسع ذي الجدران الشاهقة التي تحيط بها الأسلاك الشائكة والعشرات من كاميرات المراقبة، أن ثمّة كياناً أمنياً مستقلّاً يعيش واقعه الخاص بعيداً عن تعقيدات غزة وحساباتها.
ووفقاً لمصدر أمني تحدّثت إليه «الأخبار» خلال إعداد هذا التقرير، فإن «الأونروا» تمتلك بروتوكولاً أمنياً خاصاً بها، وجهازاً أمنياً يعمل فيه العشرات من الموظفين الذين يحمل بعضهم جنسيات أجنبية، ويحظون بتسهيلات خاصة، إذ لا تخضع سيّاراتهم للتفتيش عند الدخول من معبر بيت حانون شمال قطاع غزة، ولا يقدّمون أيّ معلومات أمنية أو يشاركونها مع الأجهزة الأمنية في القطاع، فضلاً عن أن تواصلهم مع وزارة الداخلية ينحصر في حدوده الدنيا، عبر تسجيل خروج أو دخول، لا أكثر ولا أقلّ. وعلمت «الأخبار»، أخيراً، من مصادر أمنية، أن «الأونروا» استقدمت فريقاً أجنبياً يتبع شركة خاصة من أجل إزالة الركام الذي تسبّب به القصف الإسرائيلي الذي طاول جدران الوكالة الخارجية. وبحسب المعلومات، فإن الفريق يعمل من دون تدخّل أو إشراف من وزارة الأشغال ولا بلديات الحكم المحلّي في القطاع، وقد تسبّب دخوله بجدل أمني على مختلف المستويات، انتهى بالإذعان لرغبة «الأونروا»، خوفاً من أن يتسبّب الحادث بأزمة في العلاقة معها، لا سيما أن الوكالة تقوم بدور رئيس في مهمّة إعادة إعمار غزة.
استأنفت الولايات المتحدة تمويل «الأونروا» بشكل جزئي بمبلغ قدره 150 مليون دولار (موقع الأونروا)
تَفرض الوكالة على الموظفين الاستقالة الطوعية في حال تَبيّن أنهم فاعلون في أيٍّ من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة
زعَل إسرائيلي من واشنطن: تجديد التمويل «خطيئة» يبرز تباين في الموقف من «الأونروا» بين كلّ من واشنطن وتل أبيب
يبلغ عدد اللاجئين حوالى 5.7 ملايين في مختلف دول العالم (أ ف ب )
تمتلك «الأونروا» بروتوكولاً أمنياً خاصاً بها، وجهازاً أمنياً يعمل فيه العشرات من الموظفين (موقع الأونروا)
تعليقات: