سفينة حربية أميركية في قاعدة بحرية لبنانية: لماذا الآن؟

تستعد الحكومة الأميركية لعقد مؤتمر دولي لتعزيز قدرة البحرية اللبنانية ودعمها (بريكينغ ديفينس)
تستعد الحكومة الأميركية لعقد مؤتمر دولي لتعزيز قدرة البحرية اللبنانية ودعمها (بريكينغ ديفينس)


عندما وصلت سفينة النقل السريع "يو أس أن أس شوكتاو كاونتي USNS Choctaw County"، إلى لبنان، في 22 أيلول المنصرم، سارعت البحرية الأميركية لتصف وصولها بالزيارة التاريخية الأولى من نوعها لسفينة بحرية أميركية إلى قاعدة بحرية لبنانية، وبكونها تجسد الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني. ووسط التحليلات والتأويلات المتشعبة للرسائل الأميركية، وجد موقع "بريكينغ ديفينس Breakingdefense " الأميركي، المختص في الشؤون العسكرية، بتوقيت زيارة السفينة كإشارة دعم للحكومة اللبنانية المتعثرة، ولجيشها محل الثقة في واشنطن.


مرحلة التعاون

رسو السفينة في قاعدة بيروت البحرية، والتي جال عليها قائد الجيش العماد جوزاف عون برفقة كل من قائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الأميركية الأدميرال براد كوبر، والسفيرة الأميركية دوروثي شيا، وقائد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اللواء ستيفانو ديل كول، إلى جانب عدد من الضباط.. مثّل بالنسبة للولايات المتحدة حدثاً بارزاً، وذهب الأدميرال براد كوبر إلى حد وصفها "بالدخول في حقبة جديدة من تعزيز وتوسيع بناء القدرات في جميع أنحاء المنطقة".

كما ألقت شيا خلال الجولة كلمة أكدت فيها "استمرار دعم بلادها للقوات البحرية التي تنفذ العديد من المهمات الحساسة في مواجهة التهريب والعمليات الإرهابية لحماية المياه الإقليمية والشعب اللبناني، والمساهمة في إعادة إعمار قاعدة بيروت البحرية، بالتوازي مع تحسين القدرات العملانية للقوات البحرية".

وتعقيباً على زيارة السفينة للبنان، اعتبر العميد نزيه بارودي، القائد الأسبق القوات البحرية اللبنانية، في حديثٍ مع الموقع الأميركي، أن الزيارة تأتي تتويجاً لمرحلة طويلة من التعاون والدعم للبحرية اللبنانية، والتي بدأت مع نائب القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، الأدميرال مارك فوكس، والسفيرة الأميركية السابقة في بيروت، مورا كونيلي.

وأوضح بارودي أن "التعاون شمل خطة لتطوير قدرات البحرية اللبنانية من خلال تزويدها بزوارق سريعة جديدة وتدريبات تقنية. كما نتج عن ذلك تجهيز القوات البحرية بسفينة دورية بحرية متطورة في طرابلس من أجل تأمين حماية ودعم منصات النفط والغاز في المياه الإقليمية والاقتصادية".


الثقة بالجيش اللبناني

هذا، ويؤكد خبراء عسكريون لبنانيون، للموقع الأميركي، بأن زيارة السفينة هي مؤشر واضح على مدى أهمية العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني. وفي هذا الصدد، قال العميد المتقاعد ناجي ملاعب، أن الاهتمام الأميركي بالجيش اللبناني كان ولا يزال واعداً. وهذا بنظره واضح في تصريحات السياسيين والقادة العسكريين في واشنطن والزيارات المنتظمة لضباط القيادة المركزية للبنان، وزيارة قائد الجيش اللبناني الأخيرة لواشنطن.

وأضاف ملاعب أن وجود أصول بحرية كسفينة "شوكتاو كاونتي"، يحسن المستويات الفنية والتكتيكية للبحرية اللبنانية، ويؤمن التواصل المناسب مع البحرية الأميركية المتمركزة في البحر الأبيض المتوسط.

واستطرد ملاعب بشرح أبعاد وصول السفينة، معتبراً أنها تمثل أيضاً إشارة واضحة إلى أن "واشنطن تنوي طمأنة حلفائها بأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يعني التخلي عن دعمهم أو عدم استمرار التنسيق وتأمين كل متطلباتهم". موضحاً أن أهمية منطقة شرق المتوسط والغاز المكتشف، تتطلب وجوداً عسكرياً أميركياً لإثبات القوة أمام مستثمرين آخرين مثل فرنسا أو تركيا أو حتى روسيا.

من جهته، قال آرام نركيزيان، كبير مستشاري برنامج الشؤون المدنية - العسكرية في الدول العربية بمركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، أن زيارة القاعدة البحرية "هي تأكيد على تلك الثقة، لا سيما داخل القيادة المركزية الأميركية، تجاه شريك موثوق به خلال الأوقات الصعبة وغير المسبوقة".


مؤتمر لدعم البحرية اللبنانية

وجاءت زيارة السفينة، في وقتٍ تستعد فيه الحكومة الأميركية، لعقد مؤتمر تستضيفه القيادة الوسطى للبحرية الأميركية Navcent، لمناقشة سبل تعزيز قدرة البحرية اللبنانية وإمكانية التشغيل البيني مع القوات البحرية الأجنبية. وفي حين لم يتم تحديد موعد محدد للمؤتمر، أشار العميد بارودي إن جهود التنسيق جارية لذلك مع قيادة البحرية اللبنانية. كاشفاً أنه من المتوقع أن تشارك 20 دولة في المؤتمر، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والدول المساهمة في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).

ومع تأكيد القائد الأسبق القوات البحرية اللبنانية على أن هذه الدول قد أعربت بالفعل عن اهتمامها ببناء البحرية اللبنانية. أكمل حديثه بالقول أن ألمانيا، على سبيل المثال، تعيد بناء قاعدة بيروت البحرية، التي دمرها انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 4 آب من العام الماضي، وتعمل على تجهيز مدرسة بحرية جديدة في جونية.

ويأتي المؤتمر أيضاً في أعقاب مؤتمر رعته فرنسا مؤخراً بهدف دعم الجيش اللبناني، الذي تضرر بشدة من الضغوط المالية والانهيار الاقتصادي. وأحد أهدافه المترابطة ارتباطاً لا لبث فيه مع زيارة "شوكتاو كاونتي"، هو تشجيع الدول الأخرى على التقدم ومساعدة البحرية اللبنانية. وهذا ما يلمح إليه آرام نركيزيان بقوله "أعتقد أن ما يحتاجه الجميع من هذا المؤتمر هو المزيد من الوضوح بشأن ما تستطيع وترغب فيه كل دولة حاضرة لمساعدة لبنان".

ويضيف نركيزيان أنه في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة حالياً حصة الأسد من الدعم الاستثنائي للجيش اللبناني، يلعب هذا المؤتمر دوراً جوهرياً في حثّ الدول الأخرى لأن تقدم الكثير. إذ إن دعم تطوير القوات البحرية للجيش اللبناني يقلل من التكاليف التشغيلية المرتبطة بالليرة اللبنانية.


هبة مرتقبة للبحرية

في غضون ذلك، قال مصدر عسكري لبناني للموقع الأميركي، إن فرنسا من المفترض أن تزود البحرية اللبنانية بأربع سفن دوريات بحرية (OPV) بطول 60 متراً، وسفينة واحدة للحماية من الحرائق، مضيفاً أن "إيطاليا يمكن أن تساهم في تدريب أطقم البحرية وتوفير قطع الغيار".

وتابع المصدر بالإشارة أن "كل من باريس وروما لاعبان كبيران وستستثمران بكثافة في التنقيب عن النفط والغاز في لبنان من خلال شركتيهما "توتال" و"إيني"، لذلك هناك اهتمام قوي للتأكد من أن تغدو البحرية اللبنانية متطورة بشكلٍ جيد".

ويبقى لنا أن نضيف في الختام، بأن سفن الدوريات البحرية الفرنسية المزمع تسليمها للبنان، مصممة لعمليات مراقبة المناطق الاقتصادية الخاصة والحدود والقيام بعمليات البحث والإنقاذ. وقد ساهمت هذه السفن بتحسين أداء عمليات المراقبة البحرية في فرنسا. وهي قادرة على استيعاب 24 من أفراد الطاقم و 14 من الأفراد الخاصين. وتم تكييف تصميمها بشكلٍ خاص مع عمليات المياه الساحلية والنهرية. وعلاوةً على ذلك، تتيح هذه السفن تكاملاً سهلاً بين أنظمة القيادة والأسلحة المختلفة، ومعدات سطح السفينة وأجهزة الاستشعار.

تعليقات: