في زيارة لي للمقرّ الرئيسي لقيادة قوات الطوارىء في الناقورة، منذ أكثر من عشر سنوات، برفقة وزير الإعلام آنذاك وليد الداعوق، لفتني إعتماد هذا المقرّ، وهو كبير المسافة بما فيه من مساكن ومكاتب، الطاقة الشمسية للتزودّ بالطاقة الكهربائية من دون الحاجة إلى أي مصدر آخر، حتى إلى "كهرباء الدولة"، وذلك بكلفة صفر، بعد دفع ثمن المعدّات، وهي تدفع لمرّة واحدة، مع تجديد بطاريات التشريج مرّة كل عشر سنوات.
وفي عملية حسابية بسيطة، وعلى طريقة "دكّنجي الضيعة"، كان من الممكن على الدولة اللبنانية أن تزّود كل لبنان من أقصاه إلى أقصاه بكلفة أقلّ مما صُرف هدرًا على طاقة وصلت إلى حدود صفر تغذية في "يوم السبت الأسود"، الذي أغرق كل لبنان بعتمة غير مسبوقة، وذلك بعد توّقف معامل الكهرباء عن الإنتاج لنفاد مادة "الفيول أويل".
أذكر أن قائد قوات الطوارىء يومها إستغرب، عندما سألناه عن هذا المشروع، كيف أن الدولة اللبنانية لم تفكّر بهذا الحلّ لمشكلة الكهرباء المستديمة، خصوصًا أن الله أنعم على لبنان بـ 300 يوم شمس من أصل 365 يومًا.
فلو فعلت الدولة، من دون أن نحمّل أي فريق مسؤولية ما آل إليه وضع الكهرباء اليوم، ما كان يجب أن تفعله منذ زمن بعيد لكان لبنان يتصدّر دول العالم في إنتاج طاقة كهربائية نظيفة، ولكان لبنان كله ينعم بتيار كهربائي 24 على 24 ساعة في اليوم، وبكلفة متدنية نسبيًا.
وعلى رغم غياب حسّ المسؤولية للمسؤولين في الدولة عن هكذا حلّ فإننا نشهد إقبالًا من قبل المواطنين، وفي شكل إفرادي، وفي شكل غير مسبوق على أنظمة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية للمنازل، في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء، وانقطاع الأمل بأي حلول قريبة. وعلى رغم أن هذا الحل "النظيف" غير متوافرة إمكاناته نسبيًا على الصعيد الفردي، وذلك بسبب كلفته العالية، حيث يصعب على كثيرين اللجوء اليه في ظل أزمة مالية غير مسبوقة، فإنه مطلوب من الدولة اليوم، وقبل تفاقم الأمور أكثر، الإسراع باللجوء إلى هذا الحلّ عن طريق المساعدات الدولية، خصوصًا أن ثمة دولًا كثيرة تهتم بالبيئة النظيفة وبالحفاظ على المناخ العالمي تشجّع هذا الخيار، وهي على إستعداد لتمويل أي مشروع يصبّ في هذا الإطار.
"صفر كهرباء". هذه هي حال معظم اللبنانيين الغارقين في العتمة معظم ساعات يومهم. فيما الأسوأ لم يبدأ بعد على ما يبدو، في ظل غياب "كهرباء الدولة" ونفاد مادة المازوت المشغّلة للمولدات الخاصة، فضلاً عن عجز هذه الاخيرة عن تغطية الغياب شبه الكامل لـ"كهرباء الدولة".
وتحسّباً للعتمة الشاملة، نلاحظ أن ثمة إقبالًا لافتًا من قبل المواطنين، كل وفق إمكاناته المادية، على إقتناء أنظمة الطاقة الشمسية لتأمين مصدر طاقة يلبي الحد الأدنى من الحاجات الحيوية.
يذكر أن الدراسات تشير الى أن استعمال 30 إلى 40 في المئة من حاجة اللبنانيين إلى الطاقة من مصادر الطاقة البديلة، خصوصاً طاقة الرياح والطاقة الشمسية في المعامل الكبيرة والبيوت، يحقق أدنى كلفة لإنتاج الطاقة في لبنان، ولكننا على ما يبدو تأخرنا كثيراً في هذا المجال، وهذا ما كبّدنا على مدى عقود بين مليار وملياري دولار سنوياً لدعم الكهرباء، فوصلنا إلى حافة الهاوية. لذلك نحتاج إلى حلول جذرية سريعة والطاقة البديلة هي أحد أعمدة هذه الحلول.
ووفق ما يؤكده الخبراء فإنه في إمكان لبنان وخلال سنة واحدة تركيب أنظمة تولّد بين 1000 و2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية و500 إلى 1000 ميغاواط من طاقة الرياح، واستبدال الفيول في المعامل بتوليد الطاقة من الغاز الطبيعي، ما يخفض كلفة الكهرباء ويلغي الحاجة إلى الدعم.
ومعلوم أن لبنان لم ينفذ التزامه الذي أقره عام 2009 بالاعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج 12 في المئة من حاجاته من الطاقة بحلول عام 2020. كما لم ينفذ تعهده في مؤتمر المناخ في باريس عام 2015 بتوليد 20 في المئة من حاجاته من الطاقات البديلة.
تعليقات: